Culture Magazine Thursday  28/01/2010 G Issue 296
أوراق
الخميس 13 ,صفر 1431   العدد  296
 
أحاسيسُ وآمال..مع أخ عزيز مفضال
حمد الدعيج- أبو عبدالمجيد

في زيارتي مؤخراً لسعادة الأخ الكريم الأديب المؤرخ الشاعر الأستاذ الدكتور/ ابراهيم بن محمد بن زيد آل زيد في أحد المصحات الحديثة بمدينة جدة حيث يرقد - شفاه الله وعافاه - على السريرالأبيض كنت أبادله أطراف الحديث، وأستدعى ذاكرته وذكرياته بإسماعه بعض ماكنا نردده معه سوية من طرائف وأشعار قديمة وأشعار حديثة بعضها من شعره، من وطنيّات وغزل رقيق.. ومقطوعاته الشيّقة التي أبدع بها في استجلاء محاسن الطبيعة في بعض مناطق المملكة التي كان يرتادها في الطائف والباحة وأبها وربوع هذه المناطق المختلفة التي خصّها بكثير من أشعاره وأبحاثه التاريخية والجغرافية.. أو في مدينة «إكستر» ومنطقة «كارديف» في بريطانيا حيث زرته في السبعينيات الميلادية وهو يكمل دراساته وأبحاثه لنيل درجة الدكتوراه.

وكنت أستثير شاعريته المرهفة وقد أرهقتها آنذاك جدية دراساته وأبحاثه التاريخية - حسب موضوع رسالته - حيث خاطبته وقتها ونحن في إحدى الجولات خارج المدينة قائلاً:

متع فؤادك والنظر

إن زرت يوما «اكستر»

تجد الجمال صنوفه

غمر الطبيعة والبشر

ما بين مُخُضلّ الزهو

ر..تَزين حافات النهر

أو بين من يختال في

أفيائها خلب البصر

متع فؤادك دونما

زهْو ينالك أو بطر

وكنت في حديثي مع أخي الدكتور ابرهيم اثناء زيارتي له في المستشفى مؤخراً أجده يتفاعل مع بعض القصائد فيكمل بعض الأبيات. متحاملاً على نفسه ومرضه.. ويبدي إعجابه وسروره، في حين أجده لا يستطيع إكمال أو متابعة بعضها الآخر بعد أن كان يسترسل في ذلك كالسيل الهادر وبصوته القوي النديّ الشجّي، ولغته العربية الفصيحة سواء كان ذلك من أشعار الآخرين.. أو من أشعاره ومقطوعاته الجميلة التي تحويها دواوينه الثلاثة المطبوعة: المحراب المهجور، أغنية الشمس، جراح الليل.. وغيرها من قصائده المنشورة في الصحف..

وسبحان من يغير ولا يتغيّر.. وهو وحده الشافي المعافي ذو الرحمة الواسعة.. ولا نيأس من لطفه تعالى.. فالله خيٌر حافظاً وهو أرحم الراحمين.. وأسأله عزّ وجلّ أن يمّن عليه بالشفاء وأن يجمع له ولجميع مرضى المسلمين بين الأجر والعافية..

وجزى الله قيادة بلادنا الغالية - المخلصة لشعبها والحانية على مواطنيها وأبنائها - خير الجزاء بما شملت به أديبنا ومؤرخنا وشاعرنا ورجل الدولة المشهود له بعمله المتميز وإخلاصه في جميع مواقع عمله في التعليم أو في امارة منطقة عسير أو في امارة منطقة الباحة. حيث شملته بلطفها وعطفها ومساندتها له ولأسرته في التخفيف من معاناته في ظروفه الصحية التي يعايشها منذ اربع سنوات..

وفي أجواء حديثي مع الدكتور ابراهيم على سريره الأبيض وجدت نفسي أردد بعض الآهات.. والخواطر.. والمشاعر الأخوية معه.. مستعيداً في ذهني الصورة القوية المشرقة لهذا الرجل الكريم في نشاطه العلمي وثرائه المعرفي الذي طالما اتحف به محبيه وأسعد به طلابه في تعليم الطائف في بداية خدماته التعليمية ثم في جامعة أم القرى بمكة المكرمة وجامعة الملك عبدالعزيز بجده.. وكذلك أحاديثه ومحاضراته في الاندية والندوات الأدبية محاولا في ذلك رصد بعض هذه المشاعر والذكريات.. فجاءت في أبيات إخوانية متواضعة كالتالي مقتبساَ - بتصرف - في مطلعها بيتاً معروفاً لأحد شعراء العصر الحديث مخاطباً شاعراً مثله.. إذ قلت مخاطباً أخي أبا خالد شفاه الله وعافاه:

عهدتك شاعر «الوطن(1)» المُجيدا

فما لك لا تطارحنا النشيدا

بلى.. قد قام عذرك يا صديقي

إذ الأسقام نالت منك جيدا(2)

وأوهت جسمَك الادواء حتى

تَبَدّل خطوك «العادي(3)» وئيدا

وأرخْت منك أجفاناً وهُدْباً

وكنت بناظريك تنير بيدا

فكم أبليت طرفك في طروس

تغوص لتبرز الدّرّ الفريدا

تحقق.. أو تصًّوب.. أو تباهي

بتاريخ وأمجاد مُشيدا

لتدفع بالشباب إلى المعالي

ليُعْلو صرح أمتهم مَشيدا

وكم أسمعتنا صوتاً نَدِيّاً

تَردد في نوادينا مفيدا

شواهدُ بيننا في كل ركنٍ

كتاباً.. أو بحوثا.. أو قصيدا

شواهدُ كلها تدنيك منا

فتسعدنا قريباً.. أو بعيدا

وها نحن الأحبةَ فيك نُفجا(4)

بصوتك خافتا.. جَهِداً.. جَهيدا

تفيض قلوبنا ألماً ونأسى

ونفزع بالرجا.. أملاً وطيدا

وفيّاً كنت. بالأدنْين بَرّاً

حفيّاً بالرفاق أخاً ودودا

تقياً كنت في الدنيا عفيفاً

وبالإيمان مُدَّرعاً صَمُودا

وحبل الله مُعتصم قوي

ومن آلائه نرجو المزيدا

يظل القلب يخفق بالأماني

لـ«إبرهيم» كي يبقى سعيداً

فيشرق ربعه.. زوجاً وَوِلْْداً

وإخوانا.. وأحباباً عديدا

ويزهر روض حقلهم وتشدو

طيور الأنس.. أفراحاً وعيدا

وكل رزيّة تغزو البرايا

فمن تقدير من يشفى السهيدا

ل «ابراهيم» نرجو كشفَ ضرَّ

وبُرءاً.. ثم منقلَباً حميداً

وبعد: فإنني أرجو أن أكون بما أسلفت هنا قد قمت ببعض واجب الود والوفاء لأخ عزيز.. فقد كان أبو خالد محباً للجميع ولسان صدق لدينه وأمته فيما كان يقول أو يكتب.. وما هذه المشاعر والأحاسيس إلا ضميمة لما سبق أن كتبت له وعنه وهو في الغربة منذ حوالي ثلاث سنوات حينما كان يتلقى العلاج في الولايات المتحدة الأمريكية حيث نشرت لي ( المجلة الثقافية) بجريدة الجزيرة الغراء مشكورة العدد 179 بتاريخ 13-11-1427هـ ابياتا متواضعة بعثتها إليه بعنوان (مناجاة صديق في الغربة) بعد أن قدمت لها بمقدمة أشرت فيها لمكانته وجهوده في خدمة الدولة في الادارة الحكومية وفي التعليم ونشاطه في الحقل الأدبي كأحد مؤسسي نادي الطائف الأدبي وكان مطلع قصيدتي آنذاك:

عَبْر المحيط.. وفي الإِسْفار والغَسَقِ

نبثك الوجد مِلءَ القلب والحِدَق

مهما نأيتَ فإن الشوق يحملنا

إلى رحابك - ابراهيم - بالعبق

نستمطر الربّ من أنداء رحمته

ومنها:

سحائباً بالشفا تكسوك بالألَق

اعيذك الله أن تبقى رهين جوىً

سقماً ونأياً عن الاهلين في فَرقَ

وآخرها:

إنى لأرجو بـ (قروى)(5) عَوْد جيرتنا

والكل في بهجة يبتل بالودق

من كل نائبة تؤذي أحبتنا

نعوذ بالله «رب الناس» و»الفلق»

وكان من الصدف أن أخاه التربوي البارز سعادة الدكتور/ عبدالله بن محمد الزيد مدير عام التعليم في المنطقة الغربية سابقا قد اعاد نشرها في كتابه القيم الذي أصدره في العام الماضي - ضمن جهوده البحثية العلمية - بعد تقاعده - والموسوم ب (قاضي الوشم الشيخ أحمد بن علي بن احمد بن دعيج وسيرة ثمانين عاما من العطاء - 1188 1268ه ) وكان ايراده هذه القصيدة بمقدمتها ص249 من ذلك الكتاب من باب الاستطراد في الحديث عن الشيخ المترجَم له ونتاج أحفاده من المنتسبين إلى العلم وذلك على نهج المؤرخين وكتاب السير في التأليف.. والدكتور عبدالله بحكم عمله الاكاديمي ذو دراية بأساليب البحث العلمي وله في ذلك نهجه المتميز.. ومثل هذا أضافه المؤلف الفاضل حينما ضمّن كتابه هذا (ص259) ابياتا متواضعة قدمتها في رثاء ورحيل صديق وزميل كريم هو الاستاذ/ عبدالله بن حمد الزامل(ت 1421ه) رحمه الله الذي كان يعد من كبار رجال التعليم في منطقة الطائف التعليمية وجزى الله المؤلف خيرا وشفى المريض وغفر للميت وجميع موتى المسلمين.

ويأتي من ضمن استطراد المؤلف الفاضل ما أورده في ص194و ما بعدها من نقولات وإلماحات من بحث قيم كتبه العلامة المؤرخ النسابة الشيخ حمد الجاسر رحمه الله عن بلدة (مرات) وشذرات من التاريخ عنها من القديم والحديث نشرته جريدة الجزيرة الغراء في أربع حلقات بعنوان «مراة.. البلدة العريقة مجداً وفضلا» بتاريخ 8-2-1419هـ وما بعده وكان قد نشر جزءاً منه في مجلته الشهيرة» العرب» وتحدث فيه الشيخ الجاسر تغمده الله برحمته عن تاريخ هذه البلدة وشعرائها وعلمائها ومؤرخيها وأدبائها وأنساب أكثر سكانها.. وأورد الدكتور عبدالله بن محمد الزيد في كتابه عن الشيخ احمد بن علي بن دعيج (ت 1268) بعضا مما ذكره الشيخ حمد الجاسر وذلك تتمة للبحث وجمعاً لأطراف الموضوع الذي يتحدث عنه.. وكذلك عن المؤرخ النسابة الشيخ عبدالرحمن بن حمد بن زيد المغيري مؤلف كتاب «المنتخب في ذكر انساب قبائل العرب» وكذلك عن محققه الاستاذ الدكتور/ ابراهيم بن محمد الزيد وهو موضوع هذه المقالة.. وكذلك عن الشاعر المطبوع/ حمد بن سعد الحجي رحمه الله.. وغيرهم من ادباء وشعراء مدينة مرات.. وكان صنيع الدكتور عبدالله الزيد في هذا الاستطراد جميلاً ومما يتفق وما تقتضيه الحال في مثل هذا المجال من التأليف.. وذلك مما يحسب للدكتور عبدالله ويشكر عليه.

أسأل الله تعالى لأمواتنا المغفرة والرحمة والرضوان من رب غفور كريم..ولمرضانا ومرضى المسلمين الشفاء. كما أسأله أن يبارك في جهود العاملين وأن يمنّ على بلادنا الغالية وقادتها المخلصين وشعبها الوفي بدوام العز والتوفيق ومزيد الخير والرخاء إنه سميع مجيب.. وآخر دعوانا.. ان الحمد لله رب العالمين.

عضو مجلس الشورى الهامش1. «الوطن»: هذه الكلمة كانت في الاصل المقتبس منه (العرب). 2. جٍيدا: يقصد بها هنا الاشارة إلى أن علاجه استدعى ايجاد فتحة في عنقه.. أعانه الله وأثابه. 3. العادى: من العَدو.. والمقصود هنا الاشارة إلى ما كان يتمتع به في صحته من خطوٍ سريع كان يَبَزّ به أقرانه. 4. نُفْجاَ: مخففة من نفجأ بالهمزة. 5. قروى: الحي المعروف بمدينة الطائف.. وفيه يقول الشاعر حمد الحجي رحمه الله:=============================== سكنا بقروى والحبيب جوارنا فللّه مغنىً قد سكناه فى قروى شربنا به كأس الصبابة والهوىوحمّلنا يا ويحه اعظم البلوى ===============================
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة