Culture Magazine Thursday  27/05/2010 G Issue 312
ترجمات
الخميس 13 ,جمادى الآخر 1431   العدد  312
 
سياحة في عالم «شاعر أمريكا» بيلي كوليز
لغز شعبية الشاعر بيلي كولينز الهائلة 1-4
حمد العيسى

ترجمة وتعليق: حمد بن عبد العزيز العيسى،

البرفسور بيلي كولينز Billy Collins شاعر أمريكي مرموق ولد عام 1941 في نيويورك. حصل على لقب «شاعر أمريكا» (أي ما يعادل «أمير الشعراء» في العربية) مرتين (2001، 2003) وهو أرفع لقب للشعر في أمريكا ومقتبس من لقب «شاعر البلاط الملكي» الرفيع في بريطانيا (طالع تعريف لقب «شاعر أمريكا» لاحقا). أصدر كولينز 11 مجموعة شعرية حتى الآن. وهنا ترجمة لمقال طويل يحلل لغز شعبية كولينز الهائلة في أمريكا، وهو بقلم إليزابيث كيلي غيلوغل وهي شاعرة أمريكية من شمال ولاية كاليفورنيا. ونشر المقال في مجلة مجلة «الشعراء والكُتَّاب» (بويتس آند رايترز) Poets AND Writers الأمريكية المرموقة في عدد سبتمبر/أكتوبر 2008. وقد قسمنا هذه السياحة الشعرية في عالم كولينز إلى 4 حلقات كالتالي: الحلقتان الأولى والثانية تحتويان على ترجمة لهذا المقال. والحلقة الثالثة تحتوي على حوار سريع وجميل مع كولينز. والحلقة الرابعة والأخيرة تحتوي على ترجمة لبعض قصائد كولينز من اختيارنا وتتضمن قصيدتيه الرائعتين: «مشكلة الشعر» و»مقدمة في الشعر».

«شاعر أمريكا»

استحدثت مكتبة الكونغرس الأمريكية التي تعتبر أكبر وأهم مكتبة عامة في العالم منصب «مستشار للشعر» في المكتبة عام 1937. كما قامت المجالس التشريعية في العديد من الولايات الأمريكية باستحداث مناصب مماثلة بأسماء تلك الولايات وبعض المدن الهامة. وفي عام 1985، صدر قانون من الكونغرس بتغيير اسم هذا المنصب إلى «شاعر أمريكا» US Poet Laureate . حيث يتم اختيار الفائز باللقب عن طريق عملية استشارة منهجية ومنظمة يقوم بها أمين المكتبة مع أبرز الشعراء في أمريكا وكذلك من فازوا باللقب سابقا. يحصل «شاعر أمريكا» على مكافأة سنوية تبلغ 35.000 دولار وكذلك 5.000 دولار إضافية لمصروفات السفر (ليكون بذلك معدل الراتب الشهري حوالي 3.400 دولار تقريباً) تمول جميعها من وقف ثقافي خيري. وتكون على الفائز باللقب مهمتان رسميتان: (1) الإشراف على حفلات قراءة ونقد الشعر في المكتبة، وكذلك (2) مهمة غامضة ومبهمة متروكة لاجتهاد الفائز باللقب وهي القيام بمبادرة عامة لتطوير وتوسيع حلقة المهتمين بقراءة الشعر، ولا يوجد مهمات أخرى. وجاء في القانون Job Description الذي أجاز هذا المنصب ملاحظة حضارية هامة: «لا يجب ولا يتوقع مطلقا من الفائز بالمنصب كتابة شعر بمناسبة إنجازات الحكومة أو أي أحداث احتفالية رسمية ولا الثناء على أي مسئول حكومي بما في ذلك رئيس أمريكا»!!!

ما الذي يجعل بيلي كولينز أحد أفضل شعراء أمريكا المعروفين حالياً؟ ربما اهتمامه بأهم شي: «الجمهور»!

«في العادة، أحب أن أبدأ بقراءة قصيدة عنكم... أنتم أيها «الحضور». ومن ثم بقيتها سيكون عني». هكذا صارح بيلي كولينز جمهوره في أمسية ذات عواصف في شهر أبريل الماضي (عام 2008) في مسرح «هربست» في سان فرانسيسكو.

إن بداية الأمسية بجرعات متساوية من «التواضع» و»الطرافة» هي بصمة مميزة لكولينز. إنه يفهم أهمية جمهوره أفضل من غيره... وربما أفضل من أي شاعر أمريكي معاصر. كولينز لا يتجاهل قراءة أبداً، ولا يجعلهم يشعرون بالغباء مطلقاً. ولا يتظاهر أبداً أنه لا يحتاجهم، وكما تشرح زميلته الشاعرة ميري هاو، مؤلفة ديوان «مملكة الوقت العادي» الصادر حديثا عن دار نورتن في 2008: «بيلي كولينز لم يكن أبداً فظاً ولا متعالياً. كما أنه لا يدعي معرفة كل شيء. بل إنه يسخر من نفسه دائماً». هذا الخليط من المزايا هو الذي جعل قراءاته الشعرية ذات شعبية مدهشة، وكذلك مكّن دواوينه لتصبح الأكثر مبيعاً، ليصبح هو بالتالي، أعظم شاعر أمريكي معاصر.

أحدث دواوينه الذي نشر هذا الشهر «قذائف باليستية»، دار «راندوم هاوس»، يقدم المزيد من هذه الحكمة والمهارة والمرح الجاد والأسلوب الشعري الحزين الذي أكسبه طوفان خرافي من المعجبين. بينما كانت جميع دواوين كولينز في العقد الماضي تتمتع بشعبية جارفة، إلا أن المحرر (الشعري لدار راندم هاوس) ديفيد إبرشوف يتوقع أن يكون ديوان «قذائف باليستية» هو الأفضل لكولينز على الإطلاق. ويؤكد إبرشوف إن»جميع الدواوين الشعرية التي نشرتها راندوم هاوس لكولينز باعت بأرقام ذات ست خانات، وهو رقم خيالي لأي كتاب، ويعتبر رقماً فلكياً مذهلا للشعر تحديداً. و»قذائف باليستية» سيبيع مثل هذه الأرقام كما هو متوقع».

لغز الشعبية

قابلت كولينز لأول مرة في ورشة لكتابة الشعر في أيرلندا عام 1993. ومنذ ذلك الحين، تسنى لي دائماً رؤية تأثيره على الناس. إنه شخص من ذلك النوع الذي يقدر على الكلام مع أي وكل شخص: الجرسون، وسائق التاكسي، والمشرد العجوز Homeless القاطن في زاوية الشارع. إنه يعترف بهم جميعاً، كما يعترف بقرائه تماماً. كولينز يعتبر هذا الاهتمام «إيتكيت» هام وأساسي. يقول كولينز: «أن لا تعترف بوجود القارئ هو مثل أن تكون في غرفة مع شخص وتتجاهله تماما، وهذا أسلوب لا أعتقد أنه مقبول للعيش في الحياة أو الأدب». هذه السمة شديدة التواضع ترجمها كولينز في أعماله تماماً، وتعتبر سر قبوله الهائل لدى القراء. «هناك ملايين الأشخاص الذين يعرفون قصائد بيلي كولينز»، كما تقول (زميلته الشاعرة) ميري هاو، التي تضيف: «من المذهل وصوله إلى جميع الفئات: المحللين النفسيين، والأطباء، وعمال البناء، والمدرسين، وأمناء المكتبات، والرياضيين، والميكانيكيين، والسباكين.. الجميع يشعرون بوجودهم في شعره».

حياته

ولد كولينز في نيويورك عام 1941، وكان الابن الوحيد لممرضة وكهربائي (فني كهرباء). وبعد تلقيه ما يسميه «درع التربية الدينية المحافظة» (من الروضة إلى الجامعة في ورسستر، ماساتشوستس) سافر إلى الغرب للدراسة في جامعة كاليفورنيا، ريفر سايد، حيث حصل على دكتوراة في اللغة الإنجليزية. وأثناء تحضيره الدكتوراه عن (الشاعرين الرومانتيكيين البريطانيين) وردزورث وكوليردج، حصل عام 1969 على عمل في كلية ليمان التابعة لجامعة «سيتي يونيفرستي» في نيويورك. ومكث هناك حتى الآن يُدرس الإنشاء، والأدب، والكتابة الإبداعية.

وبعكس العديد من الشعراء الموجودين في المشهد حالياً، كولينز لا يحمل درجة «إم إف آي» MFA (أي ماجستير في الفنون الجميلة: وهي درجة أكاديمية أًصبح الحصول عليها، للأسف، شبه ضروري، وكالعرف السائد، في أمريكا لكل من يمارس الكتابة الإبداعية الأدبية)، ولم يشترك كولينز مطلقاً كطالب في أي ورشة لكتابة الشعر، ولم يدرس الكتابة الإبداعية على يد أي متخصص. يقول كولينز: «ثمانون في المائة من الشيء الذي دفعي لكتابة الشعر، هو كون الشعر عمل تقوم به بنفسك (أي بدون مساعدة غيرك)».

مؤلفاته

ولم ينشر كولينز أول ديوان إلا بعدما بلغ الأربعين. وبالرغم من كون كولينز نشر مجموعتين لقصائد قصيرة في أواخر السبعينيات، إلا أن شعره الحقيقي بدأ في 1991 عندما اختار المحرر الشعري إدوارد هيرش ديوان كولينز «أسئلة عن الملائكة» لتكون ضمن سلسلة الشعر الأمريكي الحديث الذي تنشره مطبعة جامعة بيتسبرغ في مجلدات. وفي السنة التالية، منح لقب «شاعر مكتبة نيويورك». مطبعة جامعة بيتسبرغ نشرت كذلك مجموعتين إضافتين من شعر كولينز: «فن الرسم»، 1995 التي وصلت إلى نهائي جائزة لينور مارشال الأدبية، و»توهج النزهة»، 1998. وكانت تلك سنة مفصلية لهذا الشاعر.

كولينز نجماً

غاريسون كيلر، مؤلف ومذيع راديو من ولاية منيسوتا، قرأ عدة قصائد لكولينز في برنامجه اليومي «دليل الكُتّاب».، وفي يناير 1998، دَعى كيلر كوليز للحديث في برنامجه الشعري الإذاعي. وبعد عدة أشهر، حاورته المذيعة اللامعة تيري غروس في برنامجها الثقافي (الأشهر أمريكياً) Fresh Air (هواء طلق). كولينز كان لديه اهتمام سابق ليتحدث مباشره مع جمهوره، لأنه في السنة السابقة، أصدر تسجيلاً شعرياً بصوته بعنوان «افضل سيجارة» يحتوي على قراءته المؤثرة لـ 23 من أفضل قصائده، ولكن مشاركته في برنامجي كيلر وغروس اللذين يصلان إلى مليوني مستمع على الأقل وسّع من شعبيته بصورة هائلة. «عندما أتأمل ذلك الأمر، أجد تلك البرامج زادت من حشود جمهوري بصورة ضخمة» كما قال كولينز. وفجأة، أًصبح الجميع يتحدثون عن بيلي كولينز.

في 1999، قدمت له راندوم هاوس عرضاً مغرياً عبارة عن صفقة لثلاثة دواوين، بمبلغ مقدم ذي ست خانات كما قالت الصحافة. الكتاب الأول الذي خططت راندوم هاوس لنشره كان مختارات من أجمل قصائد كولينز، ولكن مطبعة جامعة بيتسبرغ لم تمنح راندوم هاوس حقوق نشر بعض القصائد التي نشرتها سابقا في مجلداتها، وجادلوا بأن الكتاب الجديد سيؤثر على مبيعات ديوان «توقد النزهة» (الذي باع في أول سنة 12.000 نسخة؛ بينما الدواوين الناجحة لا تبيع في العادة أكثر من 2.000 نسخة). ونتج عن هذا الخلاف معركة ساخنة لكسب حقوق النشر بين الناشرَين، مما أخر نشر الكتاب الجديد.

وفي 2001، نشرت راندوم هاوس ديوان «الإبحار بمفردك حول الغرفة»، وهو مجموعة من القصائد الجديدة والمختارة لكولينز. ونجح الديوان ليصبح ضمن عدة قوائم لأفضل الكتب مبيعاً Bestseller، وطبع حتى الآن 17 طبعة ذات غلاف فاخر (هارد كوفر)، و11 طبعة شعبية (بيبر باك) وباع أكثر من ربع مليون نسخة حتى الآن. وفي تلك السنة، حصل كولينز على لقب «شاعر أمريكا» US Poet L aureate مما عزز مكانته الشعرية. وحافظ على اللقب في عام 2002.

إنجازاته الفعلية

خلال فترة حصوله على لقب شاعر أمريكا (ومن ضمن واجبات ذلك اللقب)، أسس كولينز مبادرة فيدرالية شعرية هامة تهدف إلى التعرف على الجيل جديد من الشعراء ومحبي الشعر عن طريق تشجيع وتحبيب قراءة الشعر لطلاب المرحلة الثانوية. يقول كولينز: «أعتقد أن الشعر يجب تدريسه بطريقة عكسية زمنياً»، ويضيف: «يجب أن نشجع الطلبة على حب الشعر المعاصر المكتوب بلغة سهلة يفهمونها، ثم يندفعون من تلقاء أنفسهم إلى الخلف لقراءة الشعر الكلاسيكي».

في 2002، وبعد قراءة شعرية في مدينة سان هوزية، ولاية كاليفورنيا، لتسويق ديوانه «تسعة خيول»، راندوم هاوس، قابلتُ كولينز لتناول القهوة معه في الفندق. أخرج من جيب معطفه مجموعة من الكروت التي تشبه ورق اللعب ولكنها اسمك منها. لقد كانت مجموعة من بطاقات دخول الطائرة Boarding Pass بعد جولاته في كبرى المدن الأمريكية لقراءة شعره وتسويق كتبه في الأسابيع الأخيرة. لقد قال لي إنه يشعر كأنه يقفز مثل «كنغارو» من منصة إلى منصة بدون راحة. يؤكد مدير أعماله ستيفز باركلي: «كولينز قدم أكثر من 400 أمسية شعرية من 2001 حتى الآن. ويضيف: «كولينز شاعر مطلوب جداً لأٍسلوبه الجذاب في الإلقاء. والناس يريدون، حقاً، أن يسمعوه وهو يقرأ شعره».

كاتب ومترجم سعودي hamad.alissa@gmail.com المغرب
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة