تدلف القاصة شيمة الشمري من خلال مجموعتها القصصية الجديدة «ربما غداً» إلى القارئ من باب الاقتضاب المتقن، والتقشف المدروس بعناية ودراية؛ حيث تعمد الكاتبة إلى سن مفردة الخطاب السردي الجديد وفق رؤية الإيجاز الذي يروم عوالم الحقيقة بأقصر السبل ودون تكلف وفق منظور فن القصة القصيرة جداً الذي دأبت شيمة الشمري على اقتفاء حساسية خطابه السردي.
فالقصص الأولى من المجموعة تعد مصافحة الدخول نحو عوالم الرمز والإيحاء؛ ففي قصة «هدوء» ومض فاتن وشعور حاذق بأن للمرأة قضية ما في هذه المجموعة، فهي التي صورت عناد المجتمع ضد المرأة ومجالدتها للكثير من قيمه وتعليماته حيث فجرت من خلال هذه التراسلات القصصية قضية السخط الاجتماعي من المرأة على هيئة شعلة أو شرارة نابعة من نار خابئة.
فالومض المتسارع هنا يحفز القارئ وذائقته الوجلة كي يناوش رغبة التلقي لألق البوح بصورة عابرة تهرع للمعنى مباشرة وتزهد بالإطالة والشرح والتحايل اللفظي.
في مجموعة «ربما غداً» سهام نقد حادة نحو قضايا المرأة بشكل خاص لا سيما حينما يكون للمجتمع دور وتمكن في رفع راية التحجيم والقمع لأي تحول مفترض أو ممكن، فهذا ما حملته وخزات سرد الكاتبة حينما وجهت دفة الحديث على لسان الراوي الخبير بشؤون الأنثى التي يسكنها الوعي ويفاقم ولعها في النقد ومكاشفة الواقع من خلال تيارات السرد المتوامضة على نحو قصتها «شاعر وقصيدة» حينما صورت لنا وعلى لسان المرأة أن الشعر لا بد أن يكون طرفاً في معادلة الجنون الذي يسكن الأنثى حينما تفتش بطلة القصة عن معنى الشعر فلا تجده في صحبة شاعر إنما ترى فيه عناصر فقد أليم.
فرغم أن واقع القصص وإطارها العام لا يتخلى عن منطلقه التدويني الهادئ إلا أن الكثير من القصص تكاد أن تتحول إلى مصائد حاذقة للواقع الذي قد لا يلتفت إلى بعض الإرهاصات؛ حيث تبرع القاصة «شيمة» في استكناه عنصر الحذر، والريبة والشك بأي علاقة يكون للرجل دور فيها حتى وإن كان هذا الرجل أقرب الناس إليها لنراها وقد شحذت مدية المناجزة لتجهز على كل ظن عابر أو عفوي ومسالم لتحل مكانه رؤية كشف أليم لا يبارح مزلق اليأس ببرء العلاقة وبراءتها بين الرجل والمرأة منذ أمد إنساني بعيد.
لغة السرد في هذه المجموعة استدراكية بامتياز، صاغت منها الكاتبة مشغولات إنسانية وحياتية مبتكرة فمن المرأة وحياتها إلى الرجل وبؤسه ومن ثم الحياة من حوله، فلم تغفل الكاتبة أي ملمح وجودي يمكن له أن يمد النصوص بوهج التألق، والحضور على نحو قصص «سقوط» و»هدهدة» و»فناء» و»عصفور» حيث تستجلي الذائقة كنه الرسالة الإنسانية المعبرة رغم رشقات النقد اللاذع للحياة من حول الأنثى التي بدأت في مجمل النصوص متوترة بما يكفل للنص أن يتخلق من رحم أي معاناة محتملة.
فردود الفعل في ضمائر الشخوص غائبة أو مغيبة بفعل سردي صارم رأت القاصة فيه أن يكون صوت الراوي هو المجلجل، لتبذل ما بوسعها أن تجعل منه خليقاً بالإنصاف مرتهناً للموضوعية حينما يسرد الراوي حكاية العناء اليومي على هيئة تراسلات ضمنية تبث اللغة فيها بيان الممكن بفأل «ربما غداً» أو بعد غدٍ تشرق الحياة ويعم الصفاء.. فربما تنسكب هذه العبارة.. «العنوان» في أوردة الراوي لنصوص شيمة الشمري في هذه القصص التي تمتعت -كما أسلفنا- بالرشاقة وابتعدت عن الترهل والإطالة.
***
إشارة:
ربما غداً (قصص قصيرة جداً)
شيمة الشمري
أدبي المنطقة الشرقية - الدمام - (ط1) 1431هـ
تقع المجموعة في نحو (120صفحة ) من القطع المتوسط