أتساءل بحسرة أين وصل قطار الثقافة وماذا حصد في طريقه؟ أعرف أن الثقافة خارج نطاق الفعل العقلي وليس العاطفي فقط حين قرأت حكاية الطفلة العقيمة (ابنة بريدة) التي نحرت على مذبح ذلك الرجل الوحش أتساءل لماذا سكتنا عن والدها الذي باعها برخص النعال أمام خلق الله في سجلات رسمية، هل باعها لأن إخوتها كانوا يتضورون جوعاً ولم يجد ما يبيعه سوى جسد تلك الطفلة المسكينة ومشاعرها وقلبها الغض ودموعها التي سكبتها والرجل يفترسها أمام سمع وبصر كافة البشر في الظلام؟ السؤال هو كيف اعتمد القاضي هذه الزيجة بصورة رسمية، أعني هل أخذ رأي الطرف الآخر الضعيف أعني رأي الفتاة التي ظلمت في ليلة ظلماء هل سألها مباشرة كما يقضي النظام، أم اكتفى بأخذ رأي والدها الذي باعها برخص النعال؛ لأن الإغراء المادي وراء موافقته، أتجاوب مع المرأة لأنها كائن رقيق وضعيف يصادر الرجل حريتها ويسلب حقوقها ثم يزعم أنها تنال المساواة منه.
المرأة تطالب ولا تنال وتسعى ثم تطرد مع أن الحياة عديمة الفائدة بدونها.
الثقافة أصبحت تنال فشلاً ذريعاً أمام تنفيذها حتى أن العربات التي فاقت الحاجة إليها لم تعد تقف سوى فوق الأرصفة المخصصة للمشاة ولجمال المدينة، ومع ذلك فإن المرور يقف مكتوف الأيدي أمام هذا التجاوز لتخطيط المدينة.
وثالثة الأثافي نصل بصراحة إلى فساد الثقافة إذ إن الطبقة العاملة في بلادنا توصلت إلى أسلوب يضمن لها استقرار المعيشة في هذه البلاد عن طريق ضمان استيراد كافة أفراد الأسرة وهي توصلت إلى هذه النتيجة حين اكتشفت فساد الضمائر عن طريق الوصول إلى خبايا من يمدون أيديهم للحصول على مكاسب نفعية يقدمون عن طريقها خدمة مدفوعة الثمن لتلك العمالة تضمن لها الاستقرار المعيشي، وبذلك تجد هذه العمالة ما تتمناه لحياتها المستقبلية - مزاحمة أهالي البلاد بوسائل عيشهم ولقمة طعامهم، وعلى هذا الأساس تدخل هذه العمالة في عمليات الإحصاء الدقيقة والمعقدة فتفشل كافة التوقعات لنقع في حالة من الفوضى ومازلنا.
في الرابعة حين مررنا في حالة من الرخاء نال الكتاب السعودي حظوة ودلالاً لا مثيل لها وكانت طلبات الشراء تنهال على الكاتب من كل صوب وحوب فيجد صعوبة في الاستجابة لها، ثم حدث ركود وكفت الأيدي أن تمتد بطلب كتاب واحد حتى صرخة المكتبات رافضة شراء الكتاب إلى أن توقفت المطابع عن الطباعة وأعلنت إفلاسها فجاء خيار على استحياء باختيار الكتاب المميز فكانت الكمية لا تزيد عن الخمسمائة نسخة بعد تخفيف سعره وكانت وزارة الإعلام والثقافة (وكالة الثقافة) قد شكلت لجنة باختيار وتوريد الكمية بمستودعات الوزارة وبطبيعة الحالة كانت هناك فئات تنال ما تشتهي عن طريق الواسطة، كما هو معروف هذه بعض مسيرة الثقافة خلال الربع قرن بين اندفاع وتوقف وشد وجذب وسوف تبقى الثقافة محاطة بهذا القتام الذي لن يسفر له وجه ناصع يلقى بظلاله الوضاءة على مدى الدهور إلى أن يأتي ما يشفع الحل الناجز.
الرياض