لماذا يلجأ أي مثقف سعودي عندما يتعرض لأي مشكلة ثقافية إلى الصحافة بدلاً من وزارة الثقافة؛ كونها المؤسسة المخولة على الافتراض لحل مشكلاته؟
هل لأنه يشعر أن وزارة الثقافة لا تملك الجرأة على صناعة موقف يتميز (بشجاعة الردع) وبالموضوعية والعدالة؟ أو شعوره أن وزارة الثقافة لا تملك السلطة الكافية لصناعة الرأي العام مثل الصحافة؟ أو لأنه يعلم أن وزارة الثقافة لا تملك أي وثيقة قانونية تنظم حقوق المثقفين وتحل مشكلاتهم، ولذلك فهو يمارس الضغط على المسئول الثقافي من خلال الصحافة لتحصيل قرار ثقافي؟
وفي حالة غياب الوثيقة القانونية الكافلة لحقوق المثقفين وحل مشكلاتهم، هل يستطيع وزير الثقافة أن يمثل في ذاته وثيقة قانونية وحقوقية لحل مشكلات المثقفين وتنظيم حقوقهم؟
ولو جوّزنا ذلك التحول، هل سيتميز بنفس منطق المعايير التي تلتزمها الوثيقة القانونية الرسمية؟
وما إمكانية الحق في أن يطعن أي مثقف في عدالة وموضوعية أي قرار أو حكم يصدره وزير الثقافة ويطالب بمقاضة الوزير والتعويضات المناسبة لما تعرض له من أضرار مختلفة؟
تلكم أسئلة لا تثير جدلية بل تفتح ملفاً ثقافياً مسكوتاً عنه جهلاً أو غفلة، أو هكذا أحسب، وهو ملف (حقوق المثقف والقوانين المنظِمة لتلك الحقوق في السعودية).
فكما يعلم الجميع أن قضايا المثقف السعودي تتعامل وفق التشريعات القضائية، وليس وفق وثيقة قانونية حقوقية ثقافية. وبدلاً من أن تكون هناك جهة قانونية مسئولة عن معالجة تلك الأمور تابعة لوزارة الثقافة، نجد قضايا المثقفين تدور في قاعات المحاكم.
لا شك أن زيادة مسئولية الثقافة في المجتمع السعودي كونها مؤسِساً للوعي التقويمي ومرشداً للتفكير الحضاري ومعيناً على فاعلية التنوير والتطوير انعكست على مسئولية المثقف في المجتمع كما ركّبت دوره. فلم يصبح المثقف مجرد (كاتب نص) بل هو أيضاً صاحب موقف تنويري وتطويري. وهذه المسئولية قد تعرضه للكثير من المشكلات والكثير من المصادمات مع معارضي موقفه. وبذلك فكلما تعقد دور المثقف وتبروز موقفه التنويري من تطوير المجتمع كثرت قضاياه ومشكلاته. وهذا التعقيد سواء على مستوى الدور أو المسئولية أو حاصلهما لا يجدي نفعاً التعامل معه بالطريقة القبائلية بل يلزم وجود وثيقة قانونية وجهة مسئولة غير قضائية لتنفيذ هذه الوثيقة.
وقد يقول البعض أن التعامل مع مشكلات المثقفين بطريقة (مراكز العمد) هو المتاح في غياب (القوانين التي تكفل حماية حقوق المثقفين)، وأنا أتفق مع هذا الرأي. فالمثقف السعودي يفتقد (القوانين التي تكفل حقوقه وتحل مشكلاته)، وقد يرى البعض عدم صحة هذا الرأي لوجود الوثيقة القضائية، وأنا لا أتفق مع هذا الرأي، فالوثيقة القانونية والحقوقية للمثقفين يجب أن تنفصل عن تشريعات (الوثيقة القضائية).
وغياب الوثيقة القانونية الحقوقية للمثقفين هو الذي يدفع المثقفين إلى رفع كل شكوى أو تظلم أو طعن في أي قرار ثقافي إلى ديوان المظالم أو أي جهة أمنية وتجنب وزارة الثقافة. فهي تفتقد إلى (الوثيقة القانونية) التي تكفل حماية حقوق المثقفين. فليس من المعقول أن كل مثقف له قضية ثقافية يلجأ إلى الوزير أو يلجأ إلى الصحافة، كما أن ليس من واجب الوزير أو من مهامه أن نحوله إلى (عمدة) لفض مشكلات المثقفين. بل المفروض أن يلجأ المثقف إذا كانت لديه قضية أو تظلم أو طعن في قرار سابق إلى جهة داخل وزارة الثقافة تهتم (بالشؤون القانونية للمثقفين) يقوم عليها رجال قانون وليس مثقفين، وتتبنى نشر الوعي القانوني والحقوقي للمثقف، كما يجب أن تكون تلك الوثيقة القانونية الحقوقية في متناول يد كل مثقف (فمن عرف حقه أجاد واجبه).
ووظيفة هذه الجهة أنها تهتم بقضايا المثقفين القانونية والحقوقية سواء داخل البلاد أو خارجها، وفق ما سنته تلك الوثيقة من مواد قانونية تتعلق بقضايا النشر والسب والشتم والسرقات الأدبية والانحرافات الفكرية للمثقف، والاضطهاد الثقافي والإداري الذي قد يتعرض له المثقف، على أن تراعي تلك الوثيقة المواصفات التي تتفق مع القوانين الثقافية الدولية وحقوق الإنسان. لذا يجب ألا تتبع الوثيقة القضائية لدينا لكنها يجب أن تبقى جزءاً من النظام القضائي العام.
وحينها تصبح تلك الجهة في الوزارة هي الجهة الوحيدة المسئولة عن معالجة قضايا المثقفين والثقافة. تُرفع لها قضايا السب والشتم والسرقات الأدبية، وأي مثقف تعرض لإجحاف من مثقف عربي أو تعرضت حقوقه الثقافية سواء الإنسانية أو الفكرية أو المادية للهدر من قبل جهة ثقافية محلية أو عربية أو دور نشر تقف هذه الجهة بجانبه وتسترد حقه. دون أن يلجأ المثقف إلى المجانية الرخيصة للإعلان والإعلام التي تقلل من قيمته (كجودة فكرية).
فالمثقف على الاعتبار قدوة فكرية للمجتمع ويجب أن يكون في دائرة الضوء كنموذج للأخلاق والفكر والوعي والحضارة.
لكن أن يتحول المثقف من خلال الصحف إلى متسول لعطف المسئول الثقافي، أو أن يُقدم المثقف كمنحرف فكري، أو أن تُقدم الثقافة كشارع يمتلئ بالمشاجرات والعصابات، فهذا أمر مرفوض.
وقد يرى البعض أن المرفوض يصبح ضرورياً إذا غاب القانون الحقوقي للمثقف، وفُقد (السند القانوني) الذي يكفل (حقوق المثقف) ويُعينه على رد الظلم والاضطهاد الثقافيين.
ولذلك فالتحدي الذي سيواجه وزارة الثقافة في عهد الوزير الدكتور عبد العزيز خوجه هو تنفيذ (الوثيقة القانونية والحقوقية) للمثقف السعودي، وتأسيس قسم تابع لوزارة الثقافة يهتم (بالشؤون القانونية للمثقف)، لحماية حقوق المثقف الإنسانية والفكرية والمادية والإدارية.
وحتى لا يصبح المثقف السعودي ضحية للاستغلال الإعلامي مما يضرّ بسمعة المثقف السعودي والثقافة السعودية عند الرأي العام العربي والدولي وخاصة أن المجتمع السعودي تحت المجهر عربياً ودولياً.
فالإسراع في تأليف الوثيقة القانونية والحقوقية للمثقف السعودي، وتأسيس قسم في الوزارة يهتم بالشؤون القانونية للمثقفين أمران لا شك أنهما سيصححان الإطار المرجعي عند الآخر عن مرجعيات الثقافة السعودية، ويُثبتان الوعي الحضاري للقرار الثقافي السعودي، ويدعمان إستراتيجية الإصلاح الثقافي.
جدة