هي منطقة ما بين الأحلام والرؤى، عرّفها الناسُ باسم (الحاسة السادسة)، ويخلط البعضُ في كثير من الدراسات (البارابسيكولوجية) بينها وبين (التنويم المغناطيسي).. ولكني أتخيّل أن أحداً لم يضع التسمية المناسبة حتى الآن، وأتيتُ بمسمّىً من تصوّري: الذاكرة المتفوقة!
لماذا..؟
أزعم أن قراءاتي في هذه المجالات أخذت زمناً طويلاً من عمري، سابقاً؛ فقد كنتُ أحرر زاوية أسبوعية حول هذه العلوم باسم مستعار، استمرت لعشر سنوات في إحدى المطبوعات العربية، وعليه سأختصر هنا بعضاً مما تحمله الذاكرة (العادية!) ملخصاً تلك القراءات؛ لأبين الفرق أو القاسم المشترك - الذي لم يخطر ببالي قبل الآن - بين الحالات التي أطلق عليها العلماء مسميات عدة..
* (التنويم المغناطيسي):
المغناطيس عبارة عن سائل موجود في جسم كل إنسان بدرجات مختلفة، حسب طبيعة الشخص ومزاجه العصبيّ وقدرته الفكرية وصحته الجسمانية. وثمة شروط معينة (كالهيبة والصبر والثقة بالنفس) إذا توافرت في أيّ شخص متمكن من هذا العلم سيكون بمقدوره أن يستخدم (التنويم المغناطيسي) في شخص آخر؛ فيكون هذا الآخر طوع أمره وينفذ كل أوامره وهو منوّم، بينما يتحرك بقدرات تفوق القدرة العادية بمراحل؛ فقد نوّم أحد الأطباء الأمريكيين فتاة تدعى (كيت فوكس)، وذلك بمنزل أحد أصدقائه في شهر آذار (مارس) سنة 1887، وبعد أن نامت مغناطيسياً أمرها بأن تذكر بإيجاز أهم الأشياء التي حدثت في هذا المنزل، فقالت: «كان يسكن في هذا المنزل رجل ذو ثروة عظيمة، وقد ماتت زوجته منذ ثلاث سنوات تاركةً له ولدين. وبعد وفاة الزوجة أرسل الزوج ولديه إلى كلية خاصة، وبعد مرور عام تربّصت له عصبة من اللصوص وهاجمت منزله بقصد السرقة؛ فتصدى لهم فقتلوه، ثم حفروا حفرة بجوار القصر على بضعة أمتار من الصالة الصغرى الموجودة بجوار القبو، ودفنوه فيها، وسرقوا ما وصلت إليه أيديهم ولاذوا بالفرار». هنا صرخ صديق الدكتور قائلاً: «هذه حقيقة، فقد حضرتُ وأخي من الكلية إلى هنا لقضاء فترة العطلة مع والدنا في هذا المنزل فلم نجده، وقيل لنا إن أحداً لم يره منذ زمن». وعندها اتصل الابن بالشرطة وأبلغ عن الحادث، وقام على الفور وأحضر رجالاً حفروا المكان الذي أرشدت عنه (كيت فوكس) وعلى مسافة ستة أقدام تحت الأرض وجدوا جثة مدفونة بملابسها..!
وعندما أيقظها الدكتور من نومها المغناطيسي سألها: «هل تذكرين شيئاً مما رأيتِ أو قلتِ؟» فأجابت كيت فوكس: «إني لا أذكر شيئاً على الإطلاق!».
وثمة طرق أخرى للتنويم المغناطيسي تجعل المنوَّم مغناطيسياً يتحرّك من مكانه ويقوم بكل الأعمال الصعبة والخطيرة حين يطلبها منه الشخص الذي نوَّمه. والغريب في الأمر أن الشخص الواقع تحت تأثير التنويم المغناطيسي قد يلتقي بأفراد أسرته دون أن يُشعر أحداً منهم بأي شيء غير طبيعي في تصرفاته أو شخصيته..
وقد استهلك الحواةُ هذا العلم في أغراض سياحية بهلوانية، في العديد من المدن العربية والأجنبية، لدرجة ابتذال هذا العلم الخطير والتشكيك فيه..!
*(الحاسة السادسة):
اشتغل (البارابسيكولوجيون) منذ زمن على كشف غوامض الحاسة السادسة وإخضاعها للمراقبة الإرادية؛ لأنهم عندما يتوصلون إلى ذلك سيستطيعون التدليل على قدرة الإنسان العظيمة ومقدرته على كشف أسرار الكون بشكل سريع، ودون الحاجة إلى الأجهزة الإلكترونية..
فإن توافرت القابلية (البارابسيكولوجية) لدى أيّ إنسان عاديّ سوف يكون بمقدوره أن يتخيّل أشياء حصلت في مكان بعيد أو زمان قديم بطريقة عفوية تأتي على شكل أسئلة يسأل بها نفسه ويجيب عنها؛ فتكون إجاباته حقيقة بالفعل. فهل جرّبت أيها القارئ أن تسأل نفسك لتكتشف أنك من ذوي الحاسة السادسة؟!
والحاسة السادسة التي هي على أشكال متعددة يمكن دراستها بواسطة تجربة خاصة تعرف علمياً ب E .O . O .B ( أي experience out of body )، وفيها يتم الإيحاء للشخص النائم - مثلاً - بأن روحه تجري خارج إطار الزمان والمسافة، وهذا ما يسمّى (رحلة الجسد الأثيري)؛ فالشخص الذي تُجرى عليه هذه التجربة يشعر بأن روحه قد غادرت جسده وأصبحت في مكان وزمان بعيدَيْن عن واقعه الجسديّ، وأن روحه بإمكانها أن تحصل على المعلومات التي تُطلب منه وأن تصف الأحداث التي تدور هناك؛ فهو يعيش تجربة (الروح خارج الجسد)، وبالفعل يستطيع أن يحصل على كل المعلومات.. ويستطيع أن يتذكر كل شيء فيما بعد، ولكن الذي يجهله أن كل ذلك قد تم بفضل الموهبة التي يسمّونها: حاسته السادسة، ولا شيء غيرها..
*(الرؤى والأحلام):
وقد حسم علماءُ الدين هذا الفارق بأن: الرؤيا بشرى من الله (والرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة)، بينما الحلم من الشيطان، (وعلى الحالم ألاّ يحدِّث أحداً بحلمه).
*(الذاكرة المتفوّقة):
أمّا هذه، التي سمّيتها الآن عن قناعات شخصية وتجارب ذاتية (ذاكرة متفوّقة)، فأظنها الجامعة المحرِّكة والمحرَّكة لكل تلك الحالات المذكورة آنفاً؛ فثمة أناس وهبهم الله ذاكرة متفوّقة تستطيع الوصول إلى مسافات بعيدة مكانياً وزمانياً، ماضياً ومستقبلاً، بل إنها تستطيع التماسّ مع الذاكرات (أو الذواكر) الأخرى.. وهنا أتصوّر أن الدور المغناطيسي يتمثل في تحفيز تلك الذاكرة المتفوّقة، وإن وُجد من يستطيع التحكُّم في ذلك المغناطيس فقد يتمكن من ربط الذاكرة المتفوّقة بحركة الجسد، مع تغييب كامل للذاكرة العادية!
العملية تظلّ مسألة (ذاكرة) وليست (نوماً) أبداً.
كذلك الحال مع ما يسمونها (الحاسة السادسة).. لستُ أدري من أين جاءت تسمية (حاسة)؟!
الحواس الخمس (سمع، بصر، لمس، تذوّق، شمّ) كل واحدة منها لها تخصص معيّن؛ فكيف تكون (السادسة) تشملها جميعاً، وتتمركز وتتمثل في منطقة واحدة: الذاكرة؟!
إذا تأملنا كلّ ذلك جيداً سنجد أنها بالفعل منطقة متفوّقة من الذاكرة توجد - في حالات نادرة - ما بين الأحلام والرؤى..!
* f-a-akram@maktoob.com
الرياض