ربما لا يدرك بعض المتنفذين أن في بني أبيهم مَنْ ينأون قصداً عنهم ما دامت الكراسي تمنحهم طولاً وعرضاً وارتفاعاً لا يتوافر لمن يقتعد الأرض ويسير مع الدهماء ولا يسعفه نظره أن يصعد إلى ال»فوق»؛ فما عُهد هناك غير الكبير المتعالي العزيز الرحيم جل شأنه.
لعلها جناية المنصب نأت بنا عن تجربة العواجي، ولم تنأ بنا عن تجربة القصيبي - رده الله سالماً -؛ فكأنهما جنايتان على أبي محمد الذي تأخر بعضنا عن معرفته ورصد تجربته، وكأننا في ثقافة مازوشية انتقائية لا يكفيها الإهمال بل التلذُّذ بالإهمال.
غادر الدكتور إبراهيم العواجي كرسيه قبل بضعة عشر عاماً، ولم نلتفت إلى تجربته الشعرية بما يعطيها حقها دون تطفيف يبالغ أو يبخس الشعر أو الشاعر حقه.
تأخرنا دون ريب، لكن الإبداع لا يضيره تأخير ولا ينفعه تبكير، والمبدع لا يحتاج إلى تلميع يسعى إليه المنطفئون وهم يعلمون أن ذاكرة التأريخ قادرة على الفرز والتصنيف، وأوراق الشاعر - تحديداً - مكشوفة أمام الجماهير؛ فلا تحتاج إلى مَنْ يعرضها بل يفرضها، مثلما لا يعنيهم المحللون والمعللون.
وثمة مفارقة من أن ثلاثة من أبرز شعراء الستينيات والسبعينيات (من مواليد الثلاثينيات الميلادية) جاؤوا من خلفيات إدارية وحملوا شهادات عليا فيها، وهم الدكتور غازي القصيبي والمتواري الدكتور أسامة عبدالرحمن، والدكتور إبراهيم العواجي، وقد درسوا في الغرب الأوروبي والأميركي علم الإدارة العامة والعلاقات الدولية، ولا ندري إن عنت هذه شيئاً ذا بال يستحق التوقف، ولكن ما يستحق التفاتة هو إسهاماتهم الموازية في البحث والتنمية الإدارية عبر مؤلفاتهم ومواقعهم الوظيفية؛ ليجيء السؤال الأهم: مَنْ استفاد ممن؟ هل الشاعر من الإداري أم الإداري من الشاعر؟.. وبالضرورة: مَنْ جنى على مَنْ؟
لا إجابة مباشرة، ولكن التأثر والتأثير واردان؛ وبالأخص على مسيرة أبي محمد الذي تتوازى أعداد دواوينه مع أعداد بحوثه، وهنا نشير إلى أن للعواجي كتابات عن الإدارة المحلية وإدارة التنمية والبيروقراطية والتغير الاجتماعي، أما دواوينه الشعرية ففيما طرحه الأساتذة المشاركون ما يفي.
وهذا الملف محاولة لاستعادة شاعر إلى واجهة المحاكمة الأدبية، وقد أمضينا زمناً لا نحسبه سريعاً كي نتلقى شهادات وإشادات ودراسات لعلها مقدمة لأحاديث أخر تستبطن الذائقة فتظهر المذاق.
القصائد هي القلائد.