Culture Magazine Thursday  23/12/2010 G Issue 326
فضاءات
الخميس 17 ,محرم 1432   العدد  326
 
(الزهراني.. «رقص»)
د. سلوى سليمان نقلي

كما فعل ديفيد لودج في تحوله من الغوص في النقد الأدبي ليقرأه المتخصصون فقط إلى كتابة القصص ليقرأها الناس عامة ليكون بذلك قد أوجد لنفسه قاعدة أوسع من القراء بهدف خلق باب التحاور والمتعة بينه وبين مجتمعه، فقد قام د. معجب الزهراني في روايته «رقص» بنفس التحول ولأسباب ربما تكون مختلفة.

لا تخلو رواية الزهراني «رقص» من فن كتابة الرواية بجميع عناصرها مع فرق واحد: وهو أن وقائعها لم تكن في مجتمع واحد أو تخص فرد بعينه وإنما تنتقل وبخفة بين مجتمعين: مجتمع الراوي المحلي وهو في الشرق والمجتمع الثاني وهو في الغرب.

تمزج الرواية بين الواقع والخيال والحلم وأحلام اليقظة حتى ليتسنى للقارئ أن الراوي يعيش فعلا ما يتكلم عنه ثم يكتشف بعد عدة صفحات أنه مجرد خيال أو إفاقة من حلم أو كابوس. مصدر إلهام هذا الخيال هو واقع المجتمع الجديد والبيئة الجديدة التي انتقل إليها والمختلفة في نواحٍ جذرية عديدة ولعل أولها وأهمها الطبيعة المباشرة وتأثيرها على النفس وتتوالى بعدها طبيعة البشر والنظام والقانون حتى تصل إلى مقاعد الدراسة والأساتذة في الجامعة والفكر والتاريخ.

قلب القصة يعرض التجربة الإنسانية والتي يتعرف عليها كثير ممن سافروا للعلم في الخارج ثم عادوا ليضيفوا إلى المشقة الطويلة في طلب العلم معاناة أخرى آتية من داخل مجتمعهم المحلي.

ملخص الرواية هي أن الراوي (وليس الكاتب) وهو طالب للعلم يسافر إلى الخارج -فرنسا- ثم يعود ويقرر بعدها الرحيل مرة أخرى مجبراً. تنقل الرواية وبصدق وواقعية شديدتين التجربة بجميع تفاصيلها وبدون أي محاولة لتزوير أو تزيين الوقائع.

في الغربة، لم يكن الراوي لينقطع عن أهله ومجتمعه فيفرح لفرحهم ويتواصل معهم ويحتفل معهم وهو بعيد بل ويستقبلهم في غربته ويقوم بالواجب كما هو متوقع منه رغم إمكانياته المتواضعة.

وتتداخل الحكايا في داخل الحبكة الرئيسية فتشكل دوائر متصلة ومنفصلة أحياناً بعيدة وأخرى قريبة يربطها فقط وجود الراوي الأساسي الذي تصبح هذه الحكايا كلها إضافات في رحله التي هي جزء من تجربة الغربة ومحاولة الاستفادة منها ثم تنتهي الرواية بحدث تاريخي محلي يجعل شخصية الرواية تعيش في قلق وخوف وألم يعصره.

تبدأ الرواية بالنهاية وهي نقطة الحاضر ثم ترحل بالقارئ لزمن ماضٍ وتمزجه بالحاضر تتخلله وقائع تاريخية وكأن التجربة المريرة تدفعه للرحيل مرة أخرى ويدفعه الحنين والذكريات والأهل وسنون عمره إلى الكتابة رغم عمق الجراح فيقول: «نهاية اللعبة لا تعني نهاية الشخص» (رقص: ص 85)، فيرحل دون ندم أو تردد لكونه لا يرى معنى أو تفسيراً فإن هذه «كانت حديقة الرحمن فأنا لست من أهلها، وإن كانت جنة الشيطان فسأتركها لأحفاده» (رقص: ص 11).

يتخلل النص كثير من الألم لكثير من شخصيات الرواية فرغم ألمه لأنهم «زرعوا الشوك في طريقي والحنظل في حلقي»، يتعامل الراوي مع هذه الصورة المؤلمة بحق بردة فعل مغايرة حيث يتمنى لو تأتي الفرصة ليردها لمن كانوا مصدر المعاناة بتبادل الحب «بإهدائهم وردة» وربما هذا ما تعلمه من رحلة الغربة أو ما استخلصه من التجربة -شيء من العقلانية والرغبة في السلام.

كما أن الرواية مليئة بكثير مما قد يكون حصادا فلسفيا شخصيا والآخر معروفا في الفلسفة -وهذا تفسيري الشخصي- ففي نهاية المطاف هو حصاد التجربة الإنسانية. فنجد الراوي يذكر في مواقع كثيرة: «من يحرص على امتلاك الأشياء المادية تستسلم له في البداية، لكنها تظل تمتص روحه فيخسر كل شيء في النهاية»، و»الذاكرة خوانه لكن الجسد وفي»، و»لو عرف الناس قيمة الرقص لمحو فيه كل تعب وتداووا فيه من كل حزن»، و»الكلمات الأصيلة من جنس اللباب والزبيب قد يجف ماؤه لكنه يزداد قيمة بمرور الوقت»، وغيرها كثير وكثير.

يمكن تصنف هذه الرواية التي تستخدم السخرية المضحكة المبكية ما يطلق عليه في الفنون الأدبية بFarace. ظهر هذا النوع من الأدب في الغرب في العصر الفيكتوري وهو عصر بدأ فيه جدل واسع من الفلاسفة والعلماء والأدباء حول كثير مما يتعلق بحياة الأفراد وما يسير حياة البشر. وتطور وانتشر كمنهج في الفنون الأدبية وهو مغاير لمنهج الكوميديا المعروفة.

ورغم اختلاف العرض إلا أن رواية «رقص» تحمل مفاهيم ورسالة فيلم «شيكاغو» عام 2002 الذي سبب ضجة في العالم وخاصة الولايات المتحدة وكتب فيه الكثير من النقاد والمحللين وكسب عدة جوائز. عزز الفيلم مفهوم الموسيقي والترانيم والرقص كمحور أساسي في فهم الأدوار والشخصيات واللعب على هذه الترانيم التي تماثل واقع الحياة اليومية للبشر في قضاياهم اليومية والأكثر تعقيداً مثل الجريمة. يسخر الكاتب جزءا من الرواية للكلام عن الرقص والتي تبدأ من صفحة 134-141.

تعالج الرواية في كثير مما جاء فيها هذا الجانب الإيقاعي للرقص والموسيقى وعلاقته بحياة الناس. فهناك نغم ورقص وغناء في الفرح كما أنه له ما يقابله في أوقات الحزن وحتى في الخلوة والتفكير.

يتميز أسلوب الزهراني بعرض شيق وجميل لبيئته المحلية وغير المحلية باستخدام صور بلاغية تثير الشجون للمكان لا تخلو من السلاسة في اللغة لأي قارئ.

وختاماً، فالفرق بين لودج والزهراني هو أن لودج وجد مجتمعا يقرأ.. أما الزهراني فقد اكتشف عمق المأساة.

202

* جامعة الملك سعود الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة