Culture Magazine Thursday  23/12/2010 G Issue 326
فضاءات
الخميس 17 ,محرم 1432   العدد  326
 
الفن بين اللا كمال.. والمتعة
ضياء يوسف

لقد اعتدنا أن نبحث عن المتعة في الفن, وحينما لا تتحقق ننزع إلى الشعور بالخيبة أو باللا مبالاة، يميل الكثيرون منا إلى أن يجعلوا المتعة جزءاً أصيلاً لا يمكن الاستغناء عنه في علاقتهم التذوقية بالفن. إننا نبحث عبر المتعة عن صورة متخيلة عن الكمال.. لكننا قد نجعل افتقارنا إليه مبرراً لعدم إيماننا بالفن أو لعدم انحيازنا له عاطفياً أو فكرياً. إن طلب نموذج الكمال المتصور لكل فرد منا ليس سيئاً في حد ذاته، لكنه يصبح بمثابة موطن من مواطن الخلل في التعلق بالفنون حينما تحاط بكم من المشاعر السلبية المهيأة لهكذا نوع من المثالية غير المدرَكة, لا يكون تذبذب التطلع إلى المتعة هو السلوك الذي يعبر عن الخذلان, وإنما يكون الجمود الذي ينشأ بين الفن ومتذوّقه من عدم وجود الكمال من أساسه في كل واقعنا هو السلوك المنطوي على الإحباط.

الثقافة تزكي فكرة المتعة, فرجال الفن والثقافة يميلون إلى التمسك بأشيائهم ولو كلف ذلك الانعزال عن المجتمع احتفاظاً بها.. هذا بالضرورة يعني سقفاً عالياً من الاستمتاع، ومع ذلك ورغم مرور الأيام وتغيّر وسائل الاتصالات إلى واقع أكثر سلاسة.. تستمر الحاجة لمزيد من هذه المتعة للمثقفين ومتلقيهم. إننا نسمع رسائل ثقافية تزكي الحسرة على الواقع الثقافي حداً يصل إلى الترهيب مما يحمله المستقبل. رغم هذا التآمر على لحظة الكمال وتحويل الخطاب الثقافي لآلة حقيقية للشعور بالذنب وللنواح.. إلا أن واقع ميل رجال الثقافة والفن للتمسك بمتعتهم ولو كلّف الأمر الانعزال واقع لا جدل فيه.

إن اللا كمال واقع ثابت, لكن بفكر المتذوق الذي لا حدود له يمكن أن نختار الانحياز للتعبير الفني عن الإنسان ورفض كل ما يدعو إلى الجمود العاطفي تجاهه. بل يمكن العمل بجهد للوصول بالفهم إلى أقرب نقطة من إتمام لحظة الكمال للعمل الفني. إنه العزم على أن لا يسبب اللا كمال إحباطاً من أي نوع.

إن المتذوّق حين يقرّر اقتفاء الكمال في الفن فإن هذا حقاً دافع كبير لفتح بوابة التأمل الشاسعة, ولكن حين يركن المتذوّق إلى التأثر بأي تراجع فني, فإن تراجع تأثره بحد ذاته يأخذ شكل الفعل الجامد المائل إلى القيام بالأشياء في رتم منخفض لا ينمو ولا يتحسن. هذا كلياً ضد المتعة في الفكرة المستقلة على الأقل, وضد الفرص القادمة للتلقائية والعفوية.

إن الانتقاد بصفته واحد من التطبيقات البائسة للبحث عن الكمال واحد من أكثر السلوكيات جلباً للضرر.. إنه من أكثر السلوكيات تضييعاً واستنزافاً للطاقة العاطفية بين الفن ومتذوّقه. لماذا؟ لأن لحظة الكمال التي لا تجيء تشعر باللا جدوى والافتقار الكلي للاستمتاع بالحاضر بسبب التحسر على شيء يحدث طوال الوقت!

هناك طريقتان أساسيتان فيهما يصبح الانتقاد جزءاً من البنية المتزعزعة للعلاقة المتراجعة بين المتلقي والفنون. في الحالة الأولى يكتسب الشعور باللا جدوى استجابة عاطفية رافضة محفوفة بالريبة تقطع السلاسة والتلقائية المفترضة لتلقي الفنون.. باعتبارها «على الأقل» منتجاً لأحد التعبيرات الأكثر رهافة وطلاقة وتلقائية تعززها ألفة التعبير الإنساني المشترك، وألفة الحاضر الذي يتشاركه الجميع. ولكن الانتقاد في هذه الحالة لا يعزّز إلا رحلة مليئة بالاضطراب بين المتلقي والفن المتوجه إليه.

في الحالة الثانية يفرض الشخص على نفسه في «حماسة» الانتقاد موقفاً عاماً لا منطقياً يتعهد به ضمناً, ليستمر في الانتقاد كمحاولة للتكيّف مع هذا النوع من المعايير الجامدة, فتصبح القطيعة بين المتذوّق والفنون لا أكثر من نتيجة عاطفية لتحول الانتقاد لبذرة تكرر نفسها. وطالما أن المنتقد ملزم بموقف حماسته فسيكون قادراً على أن يظل في هذه الدائرة التي لا تؤدي إلى الكمال وتقتلع فرصة المتعة من جذورها.

الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة