Culture Magazine Thursday  21/10/2010 G Issue 320
فضاءات
الخميس 13 ,ذو القعدة 1431   العدد  320
 
تقريباً
خبز الفن.. نيران الثقافة!
ضياء يوسف

تدفع التحولات الحتمية في عالم الفن في مختلف أزمانه إلى النظر بصفة جديدة في شبكة المفاهيم التي نحملها عن الثقافة في كافة مناحيها التي هي الرادف الحقيقي والصانع الأول له. فالفن باعتباره مستوى خاصا من تجربة الثقافة مجال جدير بالبحث في متغيراته التطبيقية والنظرية المتواشجة مع تطبيقات الثقافة الأخرى كالأدب ونحوها. من أبسط مايقال في هذا السياق هو أن النشاطين الثقافي -باتساع مظاهره -والفني -بخصوصية أدواته- يتأثران أيما تأثر بظروف العصر الذي يجمعهما ويخلطهما خلطا، وذلك بسبب اقترابهما الخاص من روحه وارتباطهما معه من حيث الطبيعة.

قلت سابقا إن للكتابة تأثيرا جديا في صناعة الفن باعتبارها أجنحة فكرية تأخذ بالفن لخارج مداه المعنوي والمكاني أيضا. وأضيف هنا أن الجدلية التي تصنعها الكتابة والنقاش الذي هو مظهر صحي للنمو الثقافي للحالة الفنية مالم ينتقل من وسط الفنانين إلى وسط المثقفين صانعا حراكه الأكبر لن يتحرك باتجاه المستقبل بخطوة ذات تأثير تاريخي واضح.

الفلسفة معنية بالفن، والأدب معني بالفن، ومن غير العسير الجزم بأن الحالة الفنية الكبرى هي حالة عامة لا تبرز في زاوية معزولة خاصة بالفن وحده ومتعلقة بمتخصصيه فقط، الأمر الذي سنراه حيا في مثال جميل جدا يتعلق ببدايات الفوتوغرافيا في العالم. المثال الذي تواصلت حياته الثقافية بحياته الفنية لتجعل من الخصائص المركزية لحضور الفوتوغرافيا وفلسفتها العميقة فنا ملموسا وحتى اليوم. حراك لم يصنعه الفوتوغرافيون وحدهم. ولا أساطين نقاد الفن التشكيلي. بل صنعه المثقفون بجدية اعتنائهم بعرض آرائهم الخاصة كتعبير حي في حركته وتواصله مع روح عصرهم.

نجد تجمعا للمثقفين كتجمع «بارناس» الداعي إلى حرية التعبير الفني، المناهض للنزعة الجمالية المثالية والذي يرفض ولا يرحب إطلاقا بالفوتوغرافيا لكونهم وجدوا فيها تعبيرا ميكانيكيا محضا لا يرقى إلى مستوى التعبير الفني المطلق المستقصي لغايات جمالية محددة. أما الشاعر الفرنسي شارل بودلير فقد ناقش الفوتوغرافيا بلغة شديدة اللهجة معبرا عن موقف داحض للقيمة الفنية الفوتوغرافية وبحماس أخاذ يصل إلى احتجاجه على تصنيفها ضمن الفنون الجميلة أصلا. ناعتا إياها بصفات أقل مايقال فيها إنها وقود جدلي كبير. نذكر من مقالته الشهيرة «الجمهور والفوتوغرافيا» قوله : «لقد ولد نوع تقني جديد في زماننا المؤسف هذا مساهما وعلى نحو كبير في نشر المفاهيم الهشة، حاطا من قيمة ماتبقى من قيم المشاعر الفخمة عن الفنون التشكيلية، مشيعا للانطباعات الضارة وسط الجمهور الفرنسي.. إنني أؤمن بالطبيعة ولكني لا أرى أن الفن إعادة إنتاج لها..إن الخدع التقنية القادرة على إنتاج الطبيعة تجعل من الفوتوغرافيا فنا ساذجا لا أكثر. لقد أضحت الفوتوغرافيا ملاذا للفنانين غير المبدعين، قليلي الموهبة، الكسولين» إلى قوله «فالويل والويل لنا» لا نجد في كلمات كهذه أن بودلير بصفته شاعرا يتأنى أو يتوقف أو يتحفظ في المضي قدما في مهمة التعبير عن رأيه محترما تخصصه بطريقة ترك الخبز لخبازه – كما يحدث اليوم-.. بل إن مستوى خطابه كان من الإيمان والشغف والأحقية المطلقة لتقرير المعالجة الإبداعية الأفضل في عالم الفن متأملا من زاويته التي هي شكل من أشكال المضخات الأكثر سلاسة في تغذية الحراك الثقافي. إذ مقابل رأي بودلير الحر ظهرت آراء كثيرة إن لم نقل متطرفة فسنقول متحمسة جدا على أقل تقدير، بحيث شكلت أولى التصورات النظرية للإبداع الفوتوغرافي نذكر من ذلك القول الشهير ل ا.ديلاكروا «الصورة حتى في مواجهة الطبيعة نفسها تصنع تعبيراتنا فقط» وصولا إلى قول والتر بنيامين: «الأمي في المستقبل هو من لا يجيد التصوير الفوتوغرافي» ينسحب في هذا الإطار الكثير من المواقف الداعمة التي مازالت تتكرر إلى اليوم تلك التي تعلي من شأن الفوتوغرافيا ليس فقط من كونها تعبيرا فنيا بل لكونها الوجه الآخر لثقافة رفض منهجية المتاحف التقليدية ونظام اقتناء اللوحات في القصور كمناهج للحياة نفسها.

كل هذا التاريخ من الجدلية أنتج في النهاية ما وصفه باندوبولو ب « نشاط عصر الكتابة الضوئية» الذي يرى بأن كل الداخلين في جدليته مساهمون في سياق تأسيس النظرية الجمالية لذلك الفن. والذي يجعلنا نحن اليوم أمام تجربة حية لمدى مسؤولية وأهمية حضور المثقف لحياة الفن. والذي لدينا تحديدا تتفاقم الحاجة له أكثر.

الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة