Culture Magazine Thursday  21/10/2010 G Issue 320
أوراق
الخميس 13 ,ذو القعدة 1431   العدد  320
 
حياتنا بين السعادة والشقاء
بشرى نور الدين(*)

كل الناس تسعى إلى السعادة، لكن القليل منهم يدركونها. وحكمة الإنجليز تشبّه السعادة بالفراشة الجميلة، كل الناس يجرون خلفها، بقصد الإمساك بها، لكنها تطير من بين أيديهم كلما اقتربوا منها.

نحن نسعى في الحياة لبلوغ الرضا عن النفس.. والرضا عن النفس يظهر لنا أحيانا أن تحقيقه ممكن عبر التميز في العلم والوظيفة على الأقران والزملاء والمنافسين.. وعبر التفوق على كل من نعرف. لكننا نكتشف إذا ما حققنا ذلك يوماً أن هذا الرضا والامتلاء الوجداني سرعان ما ينقشع كأنه لم يكن؛ لنواجه الفراغ.

فنحن نكتشف بعد فوات الأوان أن هذا التفوق الذي جاهدنا من أجل بلوغه طويلاً قد عششت بسببه البغضاء والكراهية في الكثير من الصدور، وأننا فقدنا بسببه الصداقة والمحبة، وجعلنا الآخرين ينظرون إلينا ويعاملوننا باعتبارنا أعداء. ولا يمكن للعداء أن يصنع غير الشقاوة والبؤس.

نعيش حياتنا يحدونا أمل في تحقيق ما عجزنا عن تحقيقه. يأتي اليوم فنأمل فيه الكثير.. يمضي اليوم فنعلق أملنا على الغد القادم.. يأتي الغد وفيه قد تتحقق بعض آمالنا وقد لا تتحقق.. نرفض الاستسلام.. نأمل في النهاية، حين يلوح عجزنا عن تحقيق أهدافنا، أن يحقق أبناؤنا ما عجزنا نحن عن تحقيقه.. ربما نبرر بأملنا هذا تدخلنا في حياة أبنائنا.. ربما ندفعهم دفعاً لأشياء قد تهمنا ولا تهمهم.. إنها آمالنا وأحلامنا نتمسك بها بطرق جديدة، عبرهم، بعد أن عجزنا نحن عن تحقيقها.

السعادة ألا نعيش لأنفسنا، وألا نتوهم أننا مركز الكون، أو أن الحياة من دوننا لا تساوي شيئاً. السعادة أن نعيش لفكرة.. أن نحب الآخرين وأن نعيش من أجلهم.. السعادة أن نشعر بالضعفاء والمساكين والمظلومين.. ألا نكون ظلمة. وأقتبس من كنوز الحكمة ف»إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة، حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية».

مهما طالت الحياة لا بد أن تنتهي. والسعيد من يعيش حياته ببساطة وتلقائية وعفوية، لا يتكبر على أحد، ولا يزدري أحداً، ولا يعادي أحداً، ولا ينافسه من أجل أمر زائل عابر تافه.

الحياة تمضي سريعة، نعيش فيها مواقف ولحظات مدوية حامية ملتهبة.. نفرح تارة ونحزن أخرى.. يغمرنا السرور حتى نصعد إلى سماوات السعادة والهناء.. ونحزن حتى نكاد نتردى في حمأة الشقاء والاكتئاب.. تمر الحياة سريعاً.. ومهما طالت فإنها كما يقال «ليست بِعَدِّ السنين، ولكنها بعدادِ المشاعر».

الناس مختلفون في الحياة وفي النظر إليها. وكما يقول المفكر الراحل الدكتور مصطفى محمود «ليس اختلاف نفوسنا هو اختلاف سعادة وشقاء وإنما اختلاف مواقف.. فهناك نفس تعلو على شقائها وتتجاوزه وترى فيه الحكمة والعبرة، وتلك نفوس مستنيرة ترى العدل والجمال في كل شيء، وتحب الخالق في كل أفعاله.. وهناك نفوس تمضغ شقاءها وتجتره وتحوله إلى حقد أسود وحسد أكال».. (....) «أهل الحكمة في راحة لأنهم أدركوا هذا بعقولهم. وأهل الله في راحة لأنهم أسلموا إلى الله في ثقة وقبلوا ما يجريه عليهم، ورأوا في أفعاله عدلا مطلقا... أما أهل الغفلة - وهم الأغلبية الغالبة - فما زالوا يقتل بعضهم بعضا من أجل اللقمة والمرأة والدرهم وفدان الأرض، ثم لا يجمعون شيئاً إلا مزيداً من الهموم، وأحمالاً من الخطايا، وظمأً لا يرتوي، وجوعاً لا يشبع».

(*) أديبة من المغرب
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة