Culture Magazine Thursday  21/01/2010 G Issue 295
كتب
الخميس 6 ,صفر 1431   العدد  295
 
رحلة ممتعة مع الأحزان.. (عيناي تدمعان) لخالد المالك
أ. د. عبدالعزيز بن محمد الفيصل

كتاب ممتع للأستاذ خالد بن حمد المالك، وإن كان يعرض الأحزان، ويجلب الآلام، ففيه الحزن الممزوج بالصبر، وفيه اللهفة واستشراف ما تأتي به الأيام، وفيه التجلد للمصائب، إضافة إلى أنه يؤرخ لشريحة من شرائح المجتمع؛ فهو وثيقة تاريخية، وبعد هذا وذاك فالكتاب يعرض علينا أنماطاً من أسلوب الأديب والكاتب والصحفي خالد المالك؛ فسيكون هذا الكتاب تحت يد مؤلف يعتمد عليه في دراسة عن خالد المالك أو دراسة عن الأسلوب الصحفي في هذه الفترة أو نمط الكتابة في الزمن الذي نعيش فيه؛ فخالد المالك مؤلف ورئيس تحرير وصاحب قلم منذ نصف قرن؛ فهو من الأعلام الذين تختار كتابتهم لأنماط مختلفة من الدراسات.

ويسمح لي القارئ في التوسع في الكتابة عن هذا الكتاب؛ فهو جدير بذلك، ونبدأ بمقدمة الكتاب التي يعرض فيها المؤلف مضمون كتابه بقوله: «وهذا الكتاب هو عن حزني ودمعي وعاطفتي ومشاعري نحو من غابوا عن دنيانا وتركونا نبكي ونتألم؛ إذ نعيش بقية حياتنا من دون أن نراهم أو نتحدث معهم أو نأنس بمجالستهم، وهو بصفحاته وكلماته عن بعض مَنْ كتبت عنهم وعن بعض من كنت أود أن أكتب عنهم، إنه باختصار عن بعض حزني وشيء من ألمي». ويأتي الموضوع الأول بعد المقدمة (دفتر الأحزان)، وأرى أن هذا عنوان آخر للكتاب، ولكن المؤلف فضل العنوان الأول.

وندلف إلى المراثي النثرية التي صاغها خالد المالك بأنماط مختلفة من أسلوبه الطيّع له أنَّى قاده، وأولها مراثي الملوك؛ ففي رثائه للملك سعود كلمات تدل على الوفاء، ونشم فيها رائحة الحزن؛ لأن الملك سعود يستحق من شعبه أكثر مما أعطوه؛ فقد أعطاهم الكثير وحارب الجهل والفقر والمرض؛ فالناس في عهده عرفوا طعم الحياة واهتدوا إلى علاج المرض وشع في قلوبهم نور العلم. وفي رثائه للملك فيصل إشارة إلى انتصار الملك فيصل على أعدائه وصيانة البلاد من شرورهم. وقد أبَّن الملك خالد بما يستحقه؛ فقد أحبه شعبه لتفانيه في حب العدل والخير لمواطنيه. ورثاء الملك فهد اقترن بذكر إنجازاته من تحرير الكويت من احتلال صدام إلى إنجاز مشروع النظام الأساسي للحكم إلى إنهاء الحرب الأهلية في لبنان.

وبعد رثاء الملوك تدمع عينا خالد المالك على فَقْد والده حمد المنصور المالك، فعندما قرأت عنوان الكلمة (والدي وكيف أرثيه) بدأت في القراءة متحفزاً لأقف على مفردات الألم وعبارات الحزن ودمع العينين والإجهاش بالبكاء وبروز العواطف، ولكنني رأيت كتابة عادية؛ فالتمست العذر للأستاذ خالد المالك عندما علمت أن ما كتبه هو جزء من كل في كتاب عن والده. ويصل رثاء والده برثاء أخويه إبراهيم وعبدالله، فإبراهيم توفي بسبب مرض داهمه، وعبدالله توفي إثر حادث تعرض له وهو متجه لصلاة الفجر. ونصل إلى رثاء فلذة كبده فهد بن خالد المالك، وكتابة خالد المالك عن ابنه فهد هي كتابة الوالد المكلوم في الابن المفقود، وقد عبَّر الوالد عن عواطفه ودمعت عيناه على الابن الذي غادر الحياة في سن السابعة عشرة في أول الشباب، إنها فاجعة، وأي فاجعة! ولكن طول المرض خفف شيئاً من المصيبة؛ فالمنية متوقعة، ولكنها تدافع كل يوم وتتوقع في اليوم الذي بعده. لقد أجاد المالك التعبير، ووضع كلماته وعباراته أمام الآخرين الذين فقدوا أبناءهم في حادث أليم أو مرض غير مدافع، وخالد المالك لم ينسَ الوفاء والشكر لأولئك الذين عزوه وأسندوه في أيام الفاجعة ولياليها، لقد شكرهم وأشاد بهم ودعا لهم بالخير، وهذا مقطع من رثاء خالد المالك في ابنه فهد: «آجال مكتوبة وأعمار محسوبة - إي والله - لكن وفاته كانت فجيعة كبيرة لا قدرة لنا على تحملها لولا رحمة الله، كما أن تداعياتها على مشاعرنا وأحاسيسنا كانت كبيرة هي الأخرى، وبحجم المأساة ذاتها لولا لطف الله ورعايته، فقد مسنا الحزن في أعماق قلوبنا الدامية، وترك في نفوسنا جروحاً غائرة ما كان لها أن تندمل لولا توفيق من الله أولاً وأخيراً، ثم هذه المشاعر الإنسانية المتمثلة في مواساة مجتمعنا الطيب برموزه وأفراده لنا في مصابنا؛ ما خفف من آثار الفجيعة في نفوسنا وأزال الكثير من ترسباتها. شكراً لكل هؤلاء؛ فقد كانت عواطفهم ومشاعرهم بمثابة البلسم الشافي لما ألمّ بنا من مصاب، وأقول لكل هؤلاء رجالاً ونساءً إن هذه المشاعر الإنسانية ستظل خالدة في ذاكرتنا، حية في عقولنا ونبض قلوبنا، لا أراكم الله مكروهاً». ونخرج من الرثاء في نطاق الأسرة إلى رثاء الأمراء، فقد رثى خالد المالك الأمير عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن، الذي مات بنوبة قلبية، وقد صلى عليه الملك فيصل وسار في جنازته، ووصل ذلك برثاء الأمير عبدالله بن عبدالرحمن، وبعده رثاء الأمير فهد بن سعد بن عبدالرحمن، ونقرأ رثاءه في الأمير خالد بن أحمد السديري، ثم نقرأ رثاءً في الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري، وقد عدّ المؤلف الأميرين من كوكبة الفرسان، وينطلق قلم خالد المالك في رثاء صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الفيصل وزير الوزارتين، وصاحب الريادة في خدمة الحركة الرياضية، ويذكر المؤلف علاقة والده بالأمير ثم صلته بالأمير عن طريق الرياضة.

ويتجدد الرثاء في ماجد بن عبدالعزيز؛ فنجد لخالد المالك أسلوباً تغير وعاطفة طغت على الألفاظ ونمط كتابة حديثاً، فكتابة خالد المالك عن ماجد بن عبدالعزيز نابعة من ضمير، وآهاته خرجت من القلب؛ فهو رثاء وتأبين، وهذا نمط من تأبين خالد المالك:

يودعون في ماجد بن عبدالعزيز..

الوفاء..

والإخلاص..

والنبل..

والصدق..

والتواضع..

والرجولة بكل استحقاقاتها..

وقائمة طويلة من المزايا التي ازدانت بها حياة فقيد الوطن والأمة..

وفي موضع آخر من المرثية يقول:

حزينون يا ماجد..

حزينون يا أهل ماجد..

إي والله..

ومن رثاء ماجد بن عبدالعزيز إلى رثاء عبدالمجيد بن عبدالعزيز، ثم رثاء الأمير سعد بن خالد، ويذكر المؤلف صلة والده بهذا الأمير، والأمير سعد بن خالد بقي في سكنه في عليشة بالرياض إلى أن توفي. وينقلنا خالد المالك إلى رثاء واحد من رواد الرياضة وهو الأمير عبدالرحمن بن سعود، ومن رثائه فيه:

يتوارى عنا من كان أنيس المجالس..

وفاكهة الرياضة..

الرجل الذي كان يحرك المجتمع الرياضي بكلمة منه..

ويلفت النظر بإشارة تصدر عنه..

باستخدامه وابتكاره لأدوات لم يسبق إليها..

وفي ذكاء وسرعة بديهة وحضور ذهني نادر..

ونقف على رثاء فهد بن سلمان الذي توفي في ريعان شبابه، ونقرأ كلمة أخرى في تأبين فهد بن سلمان وتجلد والده سلمان بن عبدالعزيز، وننفذ إلى رثاء أحمد بن سلمان الذي توفي شاباً بعد وفاة أخيه فهد بسنة واحدة، وبعد ذلك يرثي المؤلف عبدالعزيز التويجري ويعده جزءًا من تاريخ المملكة، ويعود المؤلف إلى رثاء الأقارب؛ فيؤبن خاله صالح العلي الزامل، ويصل ذلك برثاء محمد العبدالله المالك ونورة الحمد المالك اللذين توفيا إثر حادث أليم، وترق كلمات الرثاء في الدكتور صالح المالك حيث يقول المؤلف: «أمس بكيت في صمت قاتل، وحزنت بتأثر شديد وأنا أشاهد حبيبي وصديقي وأخي وابن عمي الدكتور صالح المالك في غرفة العناية بمستشفى الملك فيصل التخصصي في وضع مأساوي لا حول له فيه ولا قوة وهو ينازع سكرات الموت». ونقرأ للمؤلف كلمة أخرى في رثاء الدكتور صالح المالك، ونلحظ وفاء المؤلف لأسرته؛ فيؤبن زينب بنت محمد العبدالله المالك، ويشيد بزوجها منصور بن إبراهيم المالك. وينقلنا خالد المالك بعد ذلك إلى رثاء الزعماء العرب؛ فنقرأ رثاءه في الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات ومنه:

فلنحزن جميعاً..

ولا بأس أن نتألم..

فالخسارة كبيرة..

والفقد جسيم..

ورثى الشيخ جابر آل صباح أمير الكويت ورفيق الحريري وياسر عرفات وأحمد ياسين رثاء يُشعر القارئ بأن الأمة العربية واحدة يتألم كل فرد فيها لمصاب الآخر.

ومن رثاء الزعماء العرب إلى رثاء الشيخ إبراهيم العنقري الذي عبَّر فيه المؤلف عن علاقة وطيدة مع الشيخ العنقري، وأنه تولى رئاسة تحرير الجزيرة إبان توزير العنقري في الإعلام. ويذكر المؤلف تعزية العنقري في وفاة ابن المؤلف فهد، وتعزيته أيضاً بحضوره في المنزل في وفاة والد المؤلف. وكلمات المؤلف تعبِّر عن الوفاء لشخصية حظيت برتبة وزير في وزارات عدة، ويصل المؤلف رثاء العنقري برثاء الشيخ منصور العساف، وينقلنا المؤلف بعد ذلك إلى رثاء الأدباء؛ فيبدأ بحمزة شحاتة، ويقف وقفة خاصة عند عبدالله عبدالرحمن الجفري الكاتب والروائي والصحفي، فيرى الأستاذ خالد المالك أن أدب الجفري امتداد لأدب محمد حسين زيدان، وأن تأثر الجفري بزيدان واضح في أدبه، والجفري يعترف بذلك. ومن رثاء خالد المالك في الجفري: «وإذ نفقده ونخسر قلمه ويغيب مشهده في الحياة فإنما نفقد قلماً رومانسياً رشيقاً، كما نفقد حالة قد لا تتكرر في عالم الكتابة العاطفية التي مزجها بحس وطني وقومي ومشاركة وجدانية واجتماعية قلّ أن يتقن كاتب آخر تناولهما بمثل ما كان يجيد ذلك الغائب الحاضر عبدالله الجفري». ومن الجفري إلى رثاء الشاعر محمد العبدالله المسيطير، فيذكر المؤلف أن المسيطير وظَّف شعره لمصلحة وطنه وأمته، ونقف على وفاء المالك في رثائه لزميله في العمل صالح العجروش المدير العام لمؤسسة الجزيرة الصحفية؛ حيث يقول: «فقد عُرف بإخلاصه ونزاهته وورعه وصدقه وتواضعه».

ويرثي المؤلف الشيخ عثمان الصالح والشيخ عبدالعزيز المسند والشيخ محمد العبدالله الجميح وعبدالله الحقيل، ويقف عند رثاء حمد السلوم وقفة اعتراف بالفضل من طالب في مدرسة اليمامة الثانوية بالرياض لأستاذه ومدير المدرسة حمد السلوم. ومن رثاء حمد السلوم إلى رثاء عبدالله نور؛ فالمؤلف يقول في رثائه: «وعبدالله نور لمن لم يعاصره حين كان في أوج مشاركاته الثقافية يعدُّ من جيل الرواد في الفكر والثقافة المعاصرة، وهو من بين رموز الحداثيين آنذاك، وممن واكب في نتاجه الأدبي التيارات الثقافية وجدَّد فيها وأعطاها ما لم يعطها غيره من أدباء المملكة في كثير من جوانبها دون أن يتخلى عن الأصيل من الثقافة». ويقول في آخر رثائه: «رحم الله أستاذنا عبدالله نور؛ فقد خسرنا أديباً كبيراً ومثقفاً عصرياً سبق زمنه بما كان يكتبه أو يتحدث به عن الشعر الحر وعن التجديد في الأدب وعن التنويع في المسارات الثقافية تنويراً لمن كانوا ذوي مواهب واهتمامات ثقافية من شبابنا آنذاك». وفي رثاء المؤلف لطلعت وفاء حزن وألم يحس بهما القارئ.

ونتابع قراءة المراثي في عبدالله السلوم وصالح العزاز والدكتور عبدالله بن ناصر الوهيبي والدكتور عبدالقادر طاش والشاب عبدالعزيز بن ثنيان الفهد الثنيان الذي توفي إثر حادث في سيارته، ورثى المؤلف أستاذه إبراهيم الضويان، وقد أحسن المؤلف عندما خص شهيد الوطن برثاء خاص، واستشهد بكلمات خادم الحرمين الشريفين: «إن الوطن لن ينسى شهيداً مات وهو يدافع عن العقيدة والوطن»، ويقول: «ولن يُنسى بطل جُرح وهو يؤدي واجبه، ولن يُهمل يتيم سقط والده في معركة الحق ضد الباطل». ونقرأ رثاء المؤلف في محمد الجحلان، وقد جعله المؤلف خاتمة المراثي في صحيفة المسائية التي توقفت، وهي مرثية طويلة ومؤثرة.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة