Culture Magazine Thursday  16/12/2010 G Issue 325
فضاءات
الخميس 10 ,محرم 1432   العدد  325
 
لحظة انفتاح مزدوج
لمياء السويلم

في المجمل ثمة حقيقة واحدة تتفق عليها تعاريف العولمة رغم اختلافها وتعددها هي حقيقة انفتاح العالم على نفسه.

وبقطع النظر إن كانت العولمة تفتح العالم لتعيد رسمه على صورة أمريكية واحدة أو على صورة عالمية مشتركة، وبعيدا عن إن كان الإعلام أو شبكات الاتصال هي الريشة التي تعيد الرسم، ودون التوقف عند أي اقتصاد معرفي، فإن لكل مجتمع هواجسه تجاه العولمة وإن اختلفت في طبيعتها عن هواجس حكومته.

واليوم نعيش في السعودية هواجسنا الخاصة نحو العولمة رغم التفاوت الواضح فيما بينها، لكننا قد نتفق جميعا على شرط «انفتاح العالم» كواقع يفرض حقائقه علينا، وإن أنكره البعض أو تجاهله بوصفه غزوا أو تغريبا لا انفتاحا، إلا أنه إنكار للفظة الاسم لا لحقيقة المسمى.

وإذا ما كان مثلا المجتمع الفرنسي يعيش هاجسه من العولمة والثقافة الأمريكية كوجه لها فهو هاجس الخوف على ثقافته فقط، لأن الفرنسيين كمجتمع متشكل الثقافة ناضج التجربة متعدد الرؤى يعرف تاريخه ويدرك واقعه، واختلاف الآراء الفرنسية في العولمة وحولها هو اختلاف من رأي لآخر في طبيعة الهاجس نفسه وتفاوت درجة الخوف ونوعيته، أي أنه ليس اختلافا في طبيعة هذه الثقافة الفرنسية ذاتها أو في مكوناتها وأحوالها.

بينما في البلد يجد المجتمع نفسه مختلفا في طبيعة الثقافة السعودية ذاتها، أين حقيقتها وما هو شكلها وما هي صورتها، ما يصح اعتباره جزءا منها مما لا يصح، ما يتفق فيه وما يختلف عليه، ماذا يشكلها وما يتشكل عنها، ما يخص أقلها وما يعم على كاملها، هذا لأن المجتمع الذي ينتج الثقافة السعودية ضمن دولته عاهد الوعد بالتجربة، لا التجربة نضجت وهو بعد ما تعرف على كامل أدواته، ما زال يستكشف واقعه ليكتشف أين هو فيه، إنها ثقافة 80 عاما فقط، فهنا مواطنون أطول عمرا من عمر تجربة مجتمع الدولة كاملا، ولهذا وذاك كثيرا ما يبتئس بعض شبابنا باستنكار حاد ومتطرف بأن لا وجود لهذه الثقافة السعودية أساسا لكي يختلف في حقيقتها.

إن مجتمعنا اليوم يكتشف نفسه والعالم في وقت واحد، لأن العولمة بأدوات الاتصال والإعلام المتجددة متمثلة بالإنترنت هي التي فتحت النوافذ بين بعضنا البعض داخل السعودية، لم نكن نعرف مدى التعقيد الاجتماعي الذي نحن عليه ولا مدى الاختلافات الحادة التي تعيش علينا، ولم ندرك من قبل حقيقة وطنيتنا من مواطنتنا، ولا شكل تنميتنا من صورة تطورنا، ولم نعرف قبل أي شي أن الحرمين لم تكن كافية لتوحيد قبلتنا، ولا توحيد دولتنا كان كافيا لوحدة مجتمعنا، فلم نكن هنا كغيرنا من المجتمعات التي كانت العولمة بالنسبة إليهم نافذة على العالم ونافذة العالم عليهم فقط، لأنهم تاريخيا قد سبقوا هذا الانفتاح العالمي بمرحلة الاكتشاف الذاتي (الداخلي) بمختلف ما حمله هذا الاكتشاف من نقد وصراع وضرائب نفسية وفكرية واجتماعية نضجت خلال مراحل تاريخية كاملة كانت نتائجها ثقافة بلدانهم.

بينما على المستوى المحلي نحن لم نشرع في النقد الذاتي بصوت مسموع بما أنتجه من آراء مختلفة أبرزت حقيقة الاختلافات الفكرية التي كنا نعيشها دون أن ندركها، والصراعات التي كنا نتكتم عليها، إلا بالتزامن مع انفتاح نوافذ العالم علينا، ولهذا ينتاب بعضنا الشعور بأنه يصدر عيوبه لخارج مجتمعه، أو أننا مجتمع يهزأ بنفسه إذا ما تصدى لذاته بالنقد العلني والصوت المسموع، ولهذا أيضا نشعر وكأننا مستهدفين من قبل العالم بالترصد لسقطاتنا وأننا بمجرد الاستمرار في نقد ذواتنا سنحقق لهذا الاستهداف غاياته، وهذه الأفكار جميعها بعيدا عن ضلالتها أو صوابها هي أفكار ترزح تحت واقع من الصعب قبوله أو إدراكه بشكل عقلاني، لكن على هذه الأفكار ومختلف ما تنتجه من مشاعر الذنب ونقص الثقة بالذات الجمعية وواقعها المعقد، عليها أن لا تغفلنا عن قيمة الزمن الذي يمكننا اختصاره واجتياز ضغوطه بالرغم من صعوبة وضع هذه المرحلة التي نمر بها اليوم، لأن هذا التزامن بين انفتاح العالم علينا وبين انفتاحنا على أنفسنا هو فرصة خطيرة وشديدة الأهمية لتحقيق مكتسبات واستحقاقات مرحلتين بتوقيت واحد، فقط متى ما خضعنا لشروط هذا الواقع في قراءته والعمل عليه.

وبالرغم مما لهذا التزامن من خطورة انقسامات داخلية نتيجة لتفاوت الهواجس وتباين المصالح وصراع القوى ومراكز السلطة وتشريع القرار، فإنه تزامن يبسط راحة الوقت بمختلف فوائد ومكتسبات هذا الانفتاح المزدوج.

وبعيدا عن التفاؤل والتشاؤم فإن التحايل السياسي على الأصوات الداخلية والخارجية في وقت واحد ليس مهمة الحكومة وحدها بل هو مهمة كل من يرغب في تحقيق رؤيته لإدارة الوقت الازدواجي لهذا التزامن، كما أن الاعتراف بالعالم وانفتاحه علينا سواء باتخاذ موقف الخوف منه أو موقف الترحيب به، ينطبق عليه الوجه الداخلي بأن الاعتراف بالقوى الفكرية المختلفة محليا سواء بمواقف رفض أو قبول هو اعتراف ضمني من الجميع بالجميع وبشروط الواقع، وأنه واقع يتملص من ملكية طرف دون آخر، يهادن قوى محددة ليسرب من تحتها قوى غير محدودة، واقع يعتليه فكر ليمر من خلفه فكر ينقضه، فهو الواقع بوصفه مساحة تحتمل الجميع لا لتسامحها مع الكل إنما لحقيقة وجود هذا الكل فيها، والصورة الأحادية التي يتزعم البعض رسمها لبلد مناطقي قبائلي وطائفي ربما، هي صورة لن تنسحب على المجتمع باللون الذي تريد لأن الألوان الأخرى حتما ستنفذ من أمامها أو خلفها، ولهذا سيتجدد دوما السؤال أينا سيتحايل على اللعبة وأينا سيحال إلى خارجها.

إنها لحظة ازدواجية تمر علينا ككل واحد، مجتمعا وحكومة، فمن منا يفك شروط الزمن ومن منا يتعنت في ردها بلا واقعية، وأينا يدرك أن من لا يعترف بالواقع المتعدد لا يعترف بوجوده المتفرد، وأينا قبل كل شيء يخوض السبق الأهم في المعرفة ليراهن على الممكن من الوعي.

Lamia.swm@gmail.com الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة