Culture Magazine Thursday  16/12/2010 G Issue 325
فضاءات
الخميس 10 ,محرم 1432   العدد  325
 
في انتظار غازي
فيصل أكرم

مع انتهائي من قراءة آخر صفحة من صفحات كتابيه الأخيرين: (الوزير المرافق، والزهايمر) اللذين قرأتهما قراءة واحدة متصلة، أحسستُ بغصةٍ وضيقٍ يملؤه الفراغ العظيم الذي تركه الراحل الكبير د. غازي القصيبي - رحمة الله عليه - فلقد كان من عادة القراء، وأنا واحد منهم، بعد كل قراءة لكتاب جديد من كتبه، أن نتوقف لحظات للتأمل والتخمين عن ماهية الكتاب الذي سننتظره من غازي بعد هذا الكتاب..

فكم عشنا مع كتبه - بخاصة في العقدين الأخيرين - حالات استثنائية من العلاقة مع أفكاره وأطروحاته المدهشة المتتالية: قرأنا (شقة الحرية) وانتظرنا.. فأذهلتنا (العصفورية)، وقرأنا (سبعة) ولم ننتظر طويلاً حتى شطح بنا (أبو شلاّخ البرّمائي).. والحال نفسه كان مع (حياة في الإدارة) و(الأسطورة) و(دنسكو) و(الخليج يتحدث شعراً ونثراً) وغيرها الكثير من كتب (السيرة الإبداعية) إذا أردنا التفريق بينها وبين (الكتب الإبداعية) الأكثر شعراً ونثراً؛ وكم كان انتشار كتابه (سيرة شعرية) بجزأيه الأول والثاني - وبينهما عدد من السنين والكتب - واسعاً حتى صار معظم القراء على ترقب وانتظار ل(سيرته الذاتية) كاملة، فقد كان يردد أنه لم يحن أوان كتابتها بعد..

فهل سيكون (الوزير المرافق) و(الزهايمر) هما آخر ما نتلقاه من كتبه؟؟

طبعاً أنا لستُ من مؤيدي نشر ما في أدراج المبدع من أوراق تركها ورحل عن دنيانا قبل أن تكتمل، أو قبل أن يقتنع هو أنها جاهزة للنشر، كما حدث مع أوراق الشاعر الكبير الراحل محمود درويش؛ إذ نشرت على أنها ديوان شعريّ أعده صديقه الروائي إلياس خوري وصدر عن دار رياض الريس بعنوان (لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي) بعد وفاة محمود درويش ببضعة أشهر، فكان ديواناً غير لائق بقيمة محمود درويش الشعرية، ويقلّ مستوىً - بكثرة الأخطاء الفادحة - عن دواوينه الحقيقية الحيّة..

رأى البعض في ذلك النشر (جريمة) بحق محمود درويش الشعريّ، والبعض الآخر رأى في ذلك أجمل وأنبل هدية تقدّم لقرّاء درويش في عيد ميلاده (الأول) بعد رحيله - يرحمه الله - ولا يزال الاختلاف قائماً حول ذلك الديوان، والأسباب تبدو أساسيّة: أنّ الشاعر لم يضع لمساته الأخيرة على ديوانه، ولم ينقحه ويهيئه التهيئة النهائية ليقدّمه بيده للنشر، بخاصةٍ أن معظم قصائد الديوان لم تكن منشورة من قبل..

لا أريد مثل ذلك الضجيج حول كتابٍ يصدر لغازي القصيبي وهو في رحمة الله، غير أنّ ما أرجوه أدبياً أن يُلمّ شتات جميع كتاباته المنشورة في مختلف الصحف والمجلات ولم تصدر في كتب، تماماً كما حدث بعد وفاة المفكر العملاق عباس محمود العقاد (إذ رحل دون زواج وإنجاب - رحمة الله عليه) فقام ابنُ أخيه (عامر العقاد) بتجميع مقالات عمّه (المنشورة) التي تتحدث عن سيرته الذاتية فأصدرها في كتاب جعل عنوانه (أنا) ثم أتبعه بكتاب (حياة قلم) ثم ديوان (ما بعد البعد) فكانت تلك الأعمال من أمتع وأشهر كتب عباس العقاد، ولولا الإشارة في مقدمة تلك الكتب إلى أنها صادرة بعد وفاة كاتبها (1964) لما انتبه أحدٌ من قرائها الآن إلى توقيت نشرها، فليس ثمة أيّ فرق في المستوى بينها وبين كتب عباس العقاد التي كانت - ولا تزال - لها القيمة الأعلى بين الكتب الفكرية الخالدة..

وغازي القصيبي يمثل قيمة ثقافية استثنائية في مجتمعنا، وإنني على معرفةٍ وثيقةٍ بأنّ كثيراً من كتاباته المنشورة في الدوريات لم تجمع في كتب حتى الآن، وذلك ما أنتظره من ذويه وورثته الكرام. فقرّاء غازي على موعد دائم مع كتبه، ولا نريد لهذا الموعد أن ينتهي!

وعلى هذا سنظل في انتظار غازي يأتينا مجدداً عبر كتبٍ جديدةٍ تبوّب متفرقاته المنشورة في مواضع عدة؛ لنكمل بها تراثه الفكريّ الغزير والمتنوّع محفوظاً في الأرفف الخاصة به ضمن واجهات مكتباتنا العامة والخاصة، وأرجو ألاّ يطول انتظارنا؛ فالمسألة وإن كانت شاقة فهي في غاية المتعة الإبداعية والإثراء الثقافي لمن يقوم بإنجازها..

ffnff69@hotmail.com الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة