Culture Magazine Thursday  14/01/2010 G Issue 294
فضاءات
الخميس 28 ,محرم 1431   العدد  294
 
جهاد القراءة
منذر بدر حلّوم

في كتابه (مرآة الإنسان) الصادر عن دار برافدا بموسكو عام 1985, شبّه ميخائيل ميخائيلوفيتش بريشفين الكاتب الروسي البارع في وصف الطبيعة, والمصوّر الضوئي, الذي على أساسٍ من صور التقطها أيام الثورة البلشفية لأجراس كاتدرائية (سيرغييف باساد) قُبيل هدمها من قبل الحمر, أعيد تصنيع أجراس الكاتدرائية بصورة مطابقة لما كانت عليه قبل التدمير, بما في ذلك العبارات التي نقشت عليها.. شبّه طريق القارئ إلى الكتاب بطريق الحج إلى مكّة المكرّمة, فكتب في الصفحة 389, من كتابه البالغ عدد صفحاته 670 صفحة, تحت عنوان( الكتاب الغالي):

"شيء عجيب هذا الذي يحدث في عالم الكتب! فمع ازدياد عدد المنشور منها, تزداد صعوبة وصولها إلى القارئ. ربما يحصل هنا, ما حدث للرسائل في بداية الثورة. في ذلك الحين, أتلفت الدولةُ الوليدةُ الطوابعَ البريدية وأعلنت عن أنّ الرسائل بين المواطنين ستوصل بالمجان. ولكن النتيجة كانت أنّ الرسائل لم تعد تصل إلى المعنونة لأجلهم, فقد راح سعاة البريد يلقون بها في الأنهار كونها غير مدفوعة الأجر.

شيء ما من هذا القبيل يحصل للكتاب اليوم. فالكتاب كالرسالة, على القارئ أن يدفع لقاءه مبلغا جيدا. فإنفاق القارئ للمال يكون بمثابة جهد شخصي يبذله لامتلاك الكتاب: فليجهد القارئ بعض الشيء من أجل قراءة الكتاب كما جهد المؤلف في تأليفه وكما يجهد الحاج في طريقه إلى مكة. فالكتاب الأدبي يجب أن يكون بمتناول شخص على استعداد للتضحية من أجله."

وأمّا التضحية في سبيل الكتاب فتكون ببذل مال لاقتنائه ووقت لقراءته. وبعد, فما أكثر من لا يخطر ببالهم أن ثمن نرجيلة في مقهى يعادل ثمن كتاب, وأن كمّية زائدة من الطعام, تدفع إليها الشراهة أو الضجر, فتؤذي البدن, يمكن أن يستبدل بها كتاب مفيد للجسد والروح, وأنّ جزءا يسيرا من أموال تنفق على اللعب بال(موبايلات) وبأشياء أخرى ليست أقل ضررا, يمكن أن يؤسس مكتبات غنيّة تزيّن البيوت والعقول, وأنّ ساعات طويلة من تلك التي ينفقها العامّة وسواهم, ممن يريدون لأنفسهم روح الثقافة فيضلّون الطريق أو ممن يتجمّلون بأقنعتها, أمام التلفاز, لو تمت التضحية بعِشرٍ منها على كتاب يملأ الرأس بدلا من أن يفرغه لنضحت الوجوه بعبق المعرفة بدلا من رائحة (الهمبرغر). ولحسن الحظ أنّ تجهيل الجميع هدف عصيّ التحقيق. فما زال هناك من يُدرج في جدول نفقاته ثمن كتاب, لا ليزيّن به غرفته, إنّما ليقرأه محترما الجهد والزمن والإرادة التي بذلها المؤلف في وضعه. وأستخدم كلمة (وضع) لأدلل على علاقة الكتاب بواضعه, بما هو جزء حي منه, ليس لشعبٍ يحترم الحياة أن يواجهه بالإعراض والإهمال, وبالتالي بالموت. فالكتاب إذ يُقتل, يُقتل قراءة ونقدا نحو غيره وليس صمتاً وإغفالا.

- انتهى-

سوريا

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة