البروفسور الشاعر بيلي كولينز هو مؤلف لعدة مجموعات شعرية منها “كانت فقط في السابعة عشر” و”مشكلة الشعر”، و”تسعة خيول” آخر مجموعاته الشعرية “قذائف باليستية” Ballistics نشرت في سبتمبر 2008. حصل على لقب شاعر أمريكاUS Poet Laureate (2001، 2003) ونشرت أعماله في مطبوعات ثقافية هامة وعديدة: “باريس ريفيو”، “أمريكان بوتري ريفيو”، “أمريكان سكولر” و”ذا نيويوركر”. في هذا الحوار السريع مع مجلة الطلاب في الجامعة التي يدرس فيها يشرح كولينز سبب شغفه بالشعر، ويقدم نصائح هامة ومفيدة وعميقة للشعراء في كل مكان. والحوار من إعداد نبيل رحمان محرر مجلة مريديان الخاصة بطلبة كلية ليمان في نيويورك وأجري في يناير 2008. والكلمات التي بين (هلالين) هي للمترجم. وهناك هوامش بعد الحوار للمترجم أيضاً.
رحمان: ما الذي دفعك لكتابة الشعر؟
كولينز: أمي كانت تحب الشعر وحفظت مئات الأبيات الشعرية عندما كانت تلميذة في الريف الكندي، ولذلك كنت أسمع الشعر كثيراً في المنزل أثناء طفولتي. لقد كان الشعر جزءاً ثابتاً من حياتي اليومية، وليس شيئاً دخيلاً، كما أن والدي لعب دوراً هاماً في هذا. لقد لاحظ أني أحب الشعر، لذلك كان يحضر للمنزل دائماً مجلة “شعر” وهي أقدم وأعرق مطبوعة عن الشعر في البلد وفيها سمعت أصوات الشعراء المعاصرين ووجدتها فاتنة خاصة بالمقارنة مع “الدايت” الشعري (الزاد الشعري القليل) الذي كنت أتعلمه في المدرسة وهو شعر ممل وفي الغالب لرجال بيض ميتين أصحاب لحى طويلة ولهم أسماء طويلة (ثلاثية ورباعية مُركبة).
رحمان: عندما كنت طالباً أدركت أننا لا ندرس قصائد معاصرة في كورساتنا. كنا نقرأ قصائد عصية على الفهم بسبب التغيير الذي حدث للغة عبر الزمان. هل تعتقد أن هذا يخوف ويصرف الناس عن قراءة الشعر؟
كولينز: بالطبع، الكثير من الشباب ينصرفون عن الشعر في وقت مبكر لأن الأساتذة يميلون إلى تدريس القصائد المبهمة التي تحتاج لشرحهم. فإذا كانت القصيدة واضحة تماماً، لا يوجد الكثير من الشرح الذي يجب كتابته على السبورة، أليس كذلك؟! وهذا هو السبب الذي شجعني على تأسيس مبادرة “شعر- 180” (طالع هامش 1) عندما كنت “شاعر أمريكا”.
لقد بدأت المبادرة كموقع إلكتروني ونتج عنها كتابين في أنطولوجيا الشعر، لقد جمعت الكثير من القصائد الواضحة والمعاصرة. قصائد تجعلك تشعر بالنشوة مباشرة بدون الحاجة إلى الهوامش والشرح، لقد كانت الفكرة أن يقرأ طلبة الكلية قصيدة واحدة كل يوم من أيام الدراسة في السنة (أي 180 يوماً في السنة) لكي يشعر الطلبة أن الشعر يمكن أن يكون جزءاً من الحياة اليومية مثل ما هو مادة دراسية، إحدى قصائدي سميتها “مقدمة إلى الشعر” وهي تحذر الأساتذة والطلبة من تعذيب القصيدة لكي تعترف confess بمعانيها.
رحمان: كيف كانت تجربتك في تدريس الشعر في كلية ليمان؟
كولينز: كلية ليمان كانت لسنوات طويلة منزلي الأكاديمي، لقد كان من الساحر رؤية تشكيلة الطلبة وهي تتغير عبر السنين كما تتغير ديموغرافية (تركيبة سكان) نيويورك، وكيف يمكن للأستاذ أن يعدل المنهج ليتأقلم مع هذه التغيرات الهامة. طلبتي وطالباتي علموني أشياء عبقرية هامة خلال سنواتي الطويلة في التدريس. ذات يوم، نهضت طالبة بعد انتهاء إحدى محاضرتي وقالت لي إن: “(نظم) الشعر أصعب من (فعل) الكتابة!” تمنيت لو كنت توصلت لهذا الاكتشاف بنفسي. لقد تعينت في كلية ليمان ليس كشاعر ولكن كأستاذ معه دكتوراه في الأدب الإنجليزي. شاعريتي “تطورت” ببطء عبر وقت طويل، وأثناء ذلك الوقت بدأت بتقليل الكورسات الأدبية والتركيز على تدريس ورشات الكتابة الإبداعية. إحدى زميلاتي الأكاديميات لخصت معرفتها بي: عندما قابلتك أول مرة كنتَ “بروفسور/شاعر” (أي بروفسور تصادف أنه يكتب الشعر) وفي النهاية تحولت إلى “شاعر/بروفسور” (أي شاعر تصادف أنه بروفسور) ويمكنني القول بتواضع أن هذا التحول يماثل “التطور” والقفزة الهائلة من شرنقة إلى فراشة.
رحمان: ما هي نصيحتك للطلبة الذين يطمحون أن يكونوا شعراء؟
كولينز: القراءة... القراءة.. والمزيد من القراءة. اقرأوا لأكبر عدد من الشعراء حتى تعثروا على شاعر أو أكثر يجعلكم تشعرون “بالحسد” ثم عندها حاولوا تقليد هذا الشاعر أو الشاعرة، إحدى مفارقات مهنة الكتابة هي أن الطريق الوحيد لتكوين أسلوب شخصي أصيل هو من خلال التقليد. إذا لم تقلد آخرين سوف تتعثر وتكون روتينياً وسطحياً ومباشراً. لكي تأسس أسلوبك الشخصي يجب أن تحاول استعمال أساليب الآخرين. كل شاعر تقريباً يستطيع أن يعلمك شيئاً عن كتابة الشعر.
رحمان: ماذا تعلمت من الشعراء الذين ألهموك؟
كولينز: تعلمت من إيميلي ديكنسون (1830-1886) استعمال “الشَرْطَة” Dash (خط أفقي قصير). وتعملت من والت ويتمان (1819-1892) “الحميمية”. الكثير من الشعراء مقتنعون بكونهم يملكون شيئاً جديداً ليقولوه. لكن في الحقيقة: “لا يوجد شيء جديد يمكن قوله. هناك فقط “أساليب جديدة” لقول الأشياء المكررة والقديمة ويمكن تعلمها فقط من خلال القراءة”. المعلمون الحقيقيون للشعر ليسوا الذين يديرون ورشات الشعر، بل هم الذين ينتظرون بصمت على رفوف المكتبات.
رحمان: كيف يعرف شاعر شاب الوقت المناسب لنشر شعره في مطبوعة؟
كولينز: لا داعي للعجلة مطلقاً، لقد نشرت في البداية في مجلات الشعر المدرسية ثم في مجلات الشعر الثقافية المهنية، ولكني استغرقت وقتاً طويلاً حتى أنجح. لقد كنت فوق الأربعين عندما نشرت أول ديوان شعري وهو “التفاحة التي أدهشت باريس”. العالم سينتظرك وأيضاً العمل الجيد سيصل للقمة وينجح في النهاية. أيضاً من المهم أن تعرف السوق وأي المجلات تنشر فيها. لا تتطلع لمجلات القمة في البداية، ولكن لا تنزل للقاع أيضاً، الشيء المحزن الآن هو أنه يوجد مجلات أدبية ورقية وإلكترونية عديدة ليصبح بإمكان أي شخص تقريباً نشر شعره مادام غير مهتم بجودة المطبوعة. لقد كنت محظوظاً عندما نشرت مجلة “رولينغ ستون” العريقة العديد من قصائدي. لقد نشروا قصيدتين تقريباً في كل عدد لعدة شهور والمفارقة المدهشة أنهم دفعوا لي جيداً!! كانت تلك البداية وأستطيع القول الآن أن أفضل مرشد للنشر هو المجلة الثقافية المهنية “الشعراء والكتاب” (“بويتس آند رايترز” Poets AND Writers).
رحمان: الكثير من الناس يربطون الشعر بالوحدة والكفاح الشخصي هل يجب على الشاعر أن يعاني ليكتب الشعر؟
كولينز: الروابط بين البؤس والشعر مقتبسة من فكرة رومانطقية مثالية عن كون الشاعر يعاني بصمت. وهناك الكثيرون من هذا النوع حولنا. يعجبني تعريف شاعر معاصر للشعر ك “تفريغ للبؤس المتراكم”. أنا شخصياً، لا أعتقد أن أحداً يهتم بتعاستي، لذلك لا أزعج قرائي بها.
ليس من الضروري أن يعيش الإنسان حياة تعيسة ليكتب الشعر يكفي أنه درس في المرحلة الثانوية (يتهكم)، هذا وحده يزوده بخزان عظيم من التعاسة يستطيع أني يغرف منه إلى الأبد!!
رحمان: ماذا سيحدث إذا أصبحتَ غير قادر على كتابة الشعر؟
كولينز: العالم سينتهي بالنسبة لي وسأشعر بالتعاسة؟ كتابة القصائد تزودني بنوع من الإندورفين، (أي السعادة والنشوة الغامرة بسبب المتعة الفكرية ولعلها ما يسمى النرفانا في البوذية) وهي متعة ليس لها نظير حيث تدخل عالماً أنت على وشك أن تصنعه ولهذا هناك إحساس بشيء جديد وغريب على وشك الحدوث. أيضاً كتابة قصيدة تضعك في علاقة حميمة مع اللغة، وأنا لست مثل معظم الشعراء:... لأني لا أفكر قبل (فعل) الكتابة بل خلالها. أنا أكتشف ما يجب قوله من خلال ممارسة الكتابة نفسها وليس بالتفكير المسبق (أي عندما يشرع فعلياً بالكتابة بدون تفكير مسبق بما يجب قوله!!).
القصيدة هي رحلة تخيلية إلى هدف لا أستطيع التنبؤ به ولكنني أعرفه فوراً عندما تجد القصيدة طريقة لإنهاء نفسها.
هوامش المترجم:
(1) جاء في مقدمة كتبها بيلي كولينز للموقع الإلكتروني لمبادرة “شعر-180”: (قصيدة كل يوم للمدارس الثانوية الأمريكية): “مرحباً بكم، في مبادرة “شعر-180” Poetry-180. الشعر يمكنه أن يكون جزءاً مهماً من الحياة اليومية للجميع. القصائد تستطيع أن تلهمنا وتجعلنا نفكر عن معنى انتمائنا للجنس البشري. وعندما نقضي بضع دقائق يومياً في قراءة وسماع الشعر، سوف تتكشف أمامنا عوالم جديدة ومدهشة. هذه المبادرة تم تصميمها ليكون من السهل على طلبة المرحلة الثانوية سماع أو قراءة قصيدة كل يوم من أيام السنة الدراسية الـ180. لقد اخترت القصائد الموجودة في هذا الموقع خصيصاً للمرحلة الثانوية. ومن المفترض أن يُنصت لها جيداً، وأقترح أن يشارك جميع الموظفين في الهيئة المدرسية في القراءة والإنصات للشعر. من الممكن أن يكون الوقت الأنسب لهذا البرنامج بعد انتهاء الإعلانات اليومية (في الإذاعة المدرسية). الاستماع للشعر سوف يشجع الطلبة لكي يصبحوا ضمن حلقة مريدي الشعر أي الذين يعتبرون الشعر مصدراً رئيساً للمتعة. أتمنى أن تكون مبادرة “شعر-180” جزءاً مفيداً ومهماً في اليوم الدراسي.. بيلي كولينز”.
كاتب ومترجم سعوديhamad.alissa@gmail.com
المغرب