وتواصلا مع هذه الأحداث التي تساير عملي الببليوجرافي فقد وقعت في يدي جريدة عرفات للأديب حسن عبد الحي قزاز؛ فشرعت في تكشيفها، وأثناء ذلك خطرت ببالي مراسلته لإخباره عما أقوم به، وبالفعل أبديت رغبتي له في كتابة مقدمة تاريخية ثقافية فنية عن الجريدة، لكي أنشرها مع الكشاف التحليلي الخاص بالجريدة، ثم جاءتني موافقته، وأثنى على طلبي ودخولي في هذا المضمار الذي لا يقوم به إلا العلماء وأساتذة الجامعات، وأخبرني بأني فتحت له باباً للكتابة وسينشر هذا في جريدة المدينة، وبعد أن نشر المقالة أرسلت له ثانية أطلب منه التخصص؛ لكي تكون خاصة بكتابي، إلا أنه أخبرني بأن لديه كلاماً طويلاً عن تجربته، وستكون له زاوية بعنوان مشواري مع الكلمة وعليّ أن أنتظر أو آخذ ما يناسبني، وقد طال انتظاري كثيراً حتى توقف كشافي لعرفات، وخرج كتابه عن مشواره الكتابي والصحفي، وعنونه بنفس عنوان الزاوية: مشواري مع الكلمة، ونسي من كان سبباً في هذا الكتاب!؟
ها هي المواقف تؤكد وقوعي في شرك الببليوجرافيا، وما زلت أذكر المحاضر الأستاذ/ مصطفى مقبول حلاوة - رحمه الله -؛ فقد سألني بعد زيارة لمعرض الكتاب الذي أُقيم في جامعة الملك سعود عام 1400هـ: ماذا أعجبك وماذا اقتنيت؟ وعددت له الكتب القصصية والشعرية والأدبية، ثم ذكرت عدداً من العناوين في مجال المكتبات والمعلومات، التي قد تفيدني مستقبلا؛ فطلب مني أصغرها وأخفها وهو كتاب خاص بالببليوجرافيا قد تُرجم عن اللغة الإنجليزية، وقال: هذا لا يصلح لك الآن سأستعيره، وإذا احتجت إليه أخبرني. بعد زمن ومدة من الانغماس في التجربة الببليوجرافية تذكرته؛ فبحثت عنه ولم أجده بين كتبي، وتذكرت أنه أخذه مني، حاولت بعد مقابلتي له تذكيره بالكتاب إلا أنه أنكر معرفته به، وأنه لم يره نهائياً، وجاءت المصادفة لتوقفني أمامه في مكتبة من مكتبات الرياض، اشتريته مباشرة، عكفت عليه وتصفحته وقرأت معظمه، وكانت المفاجأة لي حينما وجدت معلومات وآراء وأطروحات كان يتكلم بها الأستاذ المحاضر في محاضراته لنا، وهي من هذا الكتاب الذي أنكر معرفته به، فأدركت لماذا كان يُنكر معرفته به نهائياً!.
وفي المرحلة ذاتها كان من ضمن الأساتذة الذين استفدت منهم الدكتور محمد ماهر حمادة، وهو عَلَم في عِلْم المكتبات والمعلومات، وبخاصة ما يتعلق بالكتاب تاريخاً وصناعة وتأليفاً ومرجعاً وتداولاً.. درست على يديه مادة المراجع العربية، ولطريقته في التدريس وطريقة تعامله مع الطلبة دور كبير في حب المادة والقرب منه ومنها، خاصة بعد أن حدث موقف بيني وبينه، كان هذا في أحد الاختبارات لمادة المراجع؛ حيث ورد سؤال يطلب منا تعريف عمر رضا بوصفه حالة، وذكر أربعة كتب من مؤلفاته؛ فأجبت بما أعرفه عنه، وأضفت من عندي كتاباً كنت رأيته في اليوم نفسه. بعد يومين جاء بأوراق الإجابات والدرجات الممنوحة لكل طالب، ورأيت ورقتي قد نقصت بعض الدرجات، خاصة الإجابة المتعلقة بعمر بوصفه حالة؛ فناقشته حولها وأين الخطأ فيها؟ غضب مني وأزبد وتوعد وقال لي: «بتكذب علي ولك؟ شو هايدا؟ من فين جبت هذا العنوان؟ انت بتألف علي كحالة وهو من الأعلام العرب؟».
حاولت أن أشرح له وأوضح له الصورة، لكنه رفض، بل توعدني أكثر من قبل. بعد شهرين أو ثلاثة فوجئت به يمسك بيدي ثم يقترب مني ويقول لي: تعال أبوسك يا ابني.. أنا آسف كلامك صحيح والكتاب اللي ذكرته صحيح، شو بدك أعمل وترضى عني؟..
حمدتُ الله الذي كشف الحقيقة، وأصبحت من المقربين له أكثر وأكثر؛ لهذا من غير أن يشعر زرع في داخلي طموحاً لتأليف كتاب يكون مرجعاً لا يستغنى عنه، ويُعد من الكتب المهمة في بابه، وما زلت أذكر تسجيلات وبطاقات دونت فيها عناوين لموضوعات لم تُطرق، وفنونا ناقصة المراجع والكتابة فيها؛ لهذا وجدت نفسي في الببليوجرافيا دون غيرها من المواد التي - أحمد الله - أنني أتقنتها لكن كعمل ووظيفة وليس علماً واحترافاً وتعمقاً وممارسة دائمة.
تواصلت الأعمال الببليوجرافية لدي حتى بلغ الطموح أعلى مستواه؛ فقررت إصدار كتاب يُكمل ما بدأه أستاذي الدكتور يحيى الساعاتي، وهو كتاب الأدب العربي في المملكة العربية السعودية: ببليوجرافيا، وقد صدر في 1399هـ، ولكن جاء التفكير في كتابي ليكون متخصصاً في القصة القصيرة والرواية في المملكة العربية السعودية، كان هذا في عام 1405هـ/ 1985م، وحصرته في هذا الموضوع؛ لأن مجال كتابتي الإبداعية فيهما، إلا أن الظروف لم تساعدني في حينها فتأجل، على أمل أن أُخرج الكتاب فيما بعد مع أستاذي الدكتور يحيى الساعاتي. وواصلت نشر الببليوجرافيا الأدبية في الصحف اليومية، وهي لأول مرة تحدث أن تُدرج الصحافة السعودية ببليوجرافيا أسبوعية عن الأدب، وقد تنقلت في أكثر من جريدة إلى أن استقرت معي في الجريدة المسائية.
ثم بعد ذلك بأشهر قليلة طلبت مني المجلة العربية عمل ببليوجرافيا مختلفة، واجتمعت مع الصديق الأستاذ حمد القاضي، والأستاذ عبدالله القرعاوي - رحمه الله -، وبعد الاجتماع اتضح لي أن المطلوب بحثه في الصحافة السعودية، وهي تجربة مختلفة؛ لأنها لا تعتمد على البطاقات فقط، ولكن الشرح والوصف التاريخي، وخرج الكتاب: الصحافة السعودية تاريخها وتطورها عام 1406هـ.
في أواخر العقد 1409هـ نضجت الببليوجرافيا الأدبية لدي؛ فعملت على إصدار كتابي المؤجل، وغامرت عشقاً لهذا الفن وهذا الكتاب، حيث نهضت لطباعته على حسابي الشخصي، وقد أسميته: الراصد، وطبعت منه أربعة آلاف نسخة، حدث هذا ظناً مني أن الناس ستُقبل عليه، إلا أن الصدمة كانت كبيرة؛ لأنه متخصص جدا: ببليوجرافيا، وخاص بالقصة القصيرة والرواية!، فتحملت أعباءه وتخزينه، بل أصبحت أُقدمه هدايا في كل مناسبة، إلى أن تخلصت منه بطرق عدة. إلا أن ما كنت أتمناه قد أصبح شاخصاً أمامي؛ حيث صار بالفعل مرجعاً لكل باحث ودارس في الجامعات السعودية، لكن لم يتم هذا إلا بعد إدراج الأدب السعودي ضمن المواد الجامعية، وأصبحت الدراسات العليا تهتم وتدرس الأدب السعودي وينال الباحثون الشهادات العليا في هذا الأدب، وعاد الطلب على كل الببليوجرافيات التي قمت بإنتاجها ونشرها، والتي لم أقم بنشرها، والتي أعلنت أنها ضمن مشاريعي، وشعرت بأن كل ببليوجرافيا أُنتجها هي في مكانها الصحيح.
وبعد هذا المشوار الذي تجاوز ثلاثة عقود في علم الببليوجرافيا أجد أني لم أُحقق بعد كل ما أُريد وأتمنى؛ حيث إن الوقت ومتطلبات الحياة لا تسمح إلا بمقدار محدود؛ لأن المخطط له أكثر بكثير مما أنتج ومنها:
1- معجم الإبداع الأدبي في المملكة العربية السعودية: تحليل ببليوجرافي ببلومتري تاريخي:
ا- الجزء الثاني حول القصة القصيرة.
ب- الجزء الثالث حول المسرحية.
ج- الجزء الرابع حول الشعر.
2- الراصد: ببليوجرافيا راصدة حاصرة - الجزء الثاني.
3- الكشافات الأدبية: ببليوجرافيا تحليلية للدوريات الأدبية السعودية.
4- رموز الإبداع السردي في المملكة العربية السعودية نظرة ببليوجرافية أدبية.
5- المراجع الأدبية: ببليوجرافيا شاملة حاصرة بدراسات الأدب السعودي.
6- أسئلة الأدب.. أسئلة الأدباء: بحوث ودراسات معلوماتية في أدبنا المحلي.
والببليوجرافيا مفتاح العلوم، طبعا بعد كل هذه التجربة تأكد لي أنها مفتاح لكل علم وبحث وكتابة علمية؛ فلن يستطيع الباحث والدارس والمؤلف الدخول في عمله إلا من خلال الببليوجرافيا؛ لأنها هي القائمة التي سيستند إليها في دراسته. والببليوجرافيا تُنتج علوماً أخرى، منها التاريخ، التراجم والسير، حركة النشر ومواقع الطباعة والتوزيع، وهي عملية اقتصادية تجارية، تكشف - كذلك - عن حركة التأليف والموضوعات والفنون التي تُطرق، وهي ضمن الجغرافيا الاجتماعية، وعلم المجتمع؛ إذاً من الطبيعي أن أقول: الببليوجرافيا مفتاح العلوم.
الرياض