ثمة مايلفت الانتباه اليوم بين مواقف الشباب المتحمس للإعلام الفردي ومساحة الحق الشخصي في التعبير المستقل وبين مضمون ما تحمله هذه الحماسة التي تسعى للخروج من سيطرة الإعلام الرسمي بخطه الحكومي الثابت، وبسياسته الإخبارية المعروفة.
وربما كانت الأخبار العاجلة التي تشكل أحداثا قاهرة بالنسبة للمتلقي هي ماتثير غضبة الشباب، ذلك لأن الطريقة التي تتناول بها القنوات الرسمية عرض هذه الأحداث تبدو باردة أو غير صادقة و دقيقة بالنسبة لهم، وهو مايثير المتلقين من مختلف الشرائح وعلى مدى خمسين عاما من الأحداث التاريخية بالنسة إليهم، فالأجيال التي عاصرت النكسة كانت تعتبر النقل الإذاعي وتصويره الحرب مغررا لهم وسببا في حالة الإحباط العامة التي عمت معظم الشعب العربي، والجيل الذي عاصر أخيرا حروب أفغانستان والعراق رغم تعدد المصادر الإخبارية والوسائل الإعلامية لم يكن بأحسن حالا من جيل النكسة في مدى الإحباط والشعور بالخيبة، ليس في هذا جديد، فالشباب المؤمنون بالإعلام الفردي والحر يدركون هذا تماما وها هم يؤسسون إعلاما يخرج عن خط الإرادة السياسية والصور التي تريدها..
وأسطول الحرية اليوم موضوع جديد يمكن من خلاله قياس الحماسة الشابة لحرية الإعلام الفردي إن صح القول، فهو حدث يندرج في سلسلة الأحداث القاهرة وينتمي إلى التاريخ نفسه الذي أشكل على المتلقي العربي، ولأنه كذلك يمكن أن نعرف الكم الكبير الذي رفع العلم التركي على صفاحته الخاصة على الإنترنت والكم الأكبر الذي تحدث عن الشهامة التركية في صورة دقيقة التفاصيل في الرد على إعلام رسمي يحاول تحييد بطولة الأتراك للحفاظ على كرامة الحكومات العربية.. يقابل هذا على الصعيد المحلي حالة إعلامية أخرى هي فلم (قاوم القوة) الذي ظهر على قناة الإم تي في الأمريكية، واللافت للنظر في هذه الحالة أنها لم تجد قبولا لدى معظم الشباب المتحمس للإعلام الحر، ورغم تفاوت الأسباب بين من يجد القناة أجنبية وأهدافها سيئة وبين من يعتبر الرأي الذي قال به الشباب الأربعة يحمل مجاهرة بالذنب أو سفورا في الخروج على القيمة الاجتماعية فإنها أسباب تذهب معظمها للرفض المعلن أو المبطن للفيلم.
السؤال في مابين الحالتين، سؤال عن مضمون الحماسة الشابة لحرية الإعلام، هل هي حماسة تندفع من إيمان عميق واعٍ بقيمة الحق الفردي في التعبير عن الآراء الشخصية سواء خرجت عن القول السياسي أو الاجتماعي، أو أنها حماسة لا زالت في معظمها تشكل موقف ردة الفعل ؟
أين يمكن أن نقيس فارقا بين إعلام رسمي يتواصى على المتلقي في حدث كأسطول الحرية خوفا على رأي السياسي أن يفقد سلطته، وبين حماسة الشباب لإعلام فردي يتواصى على غيره من الشباب سواء خوفا على الصورة الشكلية للمجتمع أو لأنه يختلف معه في آرائه، وكيف يمكن أن نقيس الفارق في تفاعل الشاب السعودي كمتلقٍ بين الحالة الانفعالية التي أخذته في حرب العراق وأفغانستان والحالة المشابهة التي تأخذه اليوم على أسطول الحرية، ما القيمة الفكرية التي يمكن الاعتداد بها في موقف شباب يرفع العلم التركي ويقسم بالكرامة التركية ويذهب بعضه إلى أبعد من ذلك، إلى حنين لخلافة عثمانية بديلا للذل العربي الذي تقف به الحكومات، وهو الشباب الذي يملك اليوم من الوسائط الإعلامية الفردية مايمكنه من بلوغ مختلف الحقائق التي اشتكى كثيرا من غيابها، فأين هي النتيجة الفارقة، وأين هو الفرق في المتلقي بين تلقيه من إعلام رسمي وتلقيه من إعلام فردي يفترض أنه حر، لماذا يكرس الشباب موقفا انفعاليا في التعبير عن العاطفة بصورة تتشنج ضد القول السياسي الذي ينتجه الإعلام الرسمي ليعبر عن ردة فعل لا أكثر، لماذا لم يستطع الشاب كمتلقٍ حر أن يخرج عن المتلقي المضلل إلا بموقف مخالفة الرأي لا أكثر، ألا يكرر الأفراد في إعلامهم الخاص أنفسهم كمتلقين لإعلام رسمي، أليس في بقاء الشباب في ذات منطقة التفكير وتغير الاتجاه فقط دلالة على أنهم لا يتقدمون نحو فضاء حر على المستوى المعرفي إنما إلى فضاء حر على المستوى الانفعالي فقط ؟ هل كانت مشكلة التلقي في عجزه عن التعبير عن انفعالاته فقط أم أنها مشكلة في طبيعة المادة المقدمة له بمعلومات أقل وآراء أكثر، أفليست الأخبار العاجلة وهي الإنتاج الأضخم للإعلام الرسمي هي ذاتها تتصدر الإعلام الفردي، هل ذهب الشباب بفضائهم الحر الجديد إلى معرفية حرة من ردة الفعل والرأي والرأي المعاكس، معرفية تعنى بأخبارهم الآجلة أكثر من العاجلة، وتؤمن بالرؤية أكثر من الرأي وبالتفكير بدل الأفكار ؟ ربما تتضح هذه الأسئلة في قراءة الشباب المنمط في الصورة الثقافية أكثر منه الشباب المعني بالعلوم والوظيفة، ولهذا نجد الميل فيهم إلى تقديم مواقف ساطعة الرأي فيما يخص الأحداث الوقتية سواء كانت سياسية خارجية أو محلية كحوادث الحقوق من شاكلة الأخطاء الطبية، أكثر من ميلهم إلى التقارير العلمية أو الأعمال التي تعنى بالمستقبل دون أن تكون ملحة وطارئة وتتطلب رأيا أو موقفا ..
وعلى المثال الآخر الخاص بالفلم، فالشباب الذين يندفعون إلى أحقيتهم في التعبير عن مواقفهم السياسية هم الأشد في رفضهم للفلم والصورة التي يحضر بها، أفلا يجد الشباب في أنفسهم تفاوتا عند المطالبة بأحقية الفرد في التعبير عن أهوائه الشخصية، ألا يقاس القول المختلف مع مجتمعه على القول المختلف مع حكومته، أليس تصنيف الآراء التي تضمنها الفلم على أنها رد فعل غير ناضج أو انفعالي يمكن أن ينسحب على الآراء تجاه البطل التركي الذي ينهض من ركام التاريخ لأجل الكرامة العربية ؟!
أسئلة .. أسئلة، قليلها حضر وكثيرها غاب، فأي من الشباب اليوم سيعنى بها بعيدا عن فرح لحظي بمرور مفردة كالصهيونية في إذاعة أو تلفزيون أو جريدة، تحقق له نشوة السَكْرة وتغيب عنه حقيقة الفكرة ..
Lamia.swm@gmail.com
الرياض