Culture Magazine Thursday  07/10/2010 G Issue 318
فضاءات
الخميس 28 ,شوال 1431   العدد  318
 
بين الحقيقة والعبث 2-2
عبد الرحمن بن عبد العزيز اليمني

في زحمة الصراع الحضاري العالمي تبرز كلّ أمة حضارتها، وتتمسك بها، وتعمل على نشرها وتثبيتها، وتتقدم بثقافتها المنبثقة عن حضارتها وإن كان لكل خصائص متميزة لثقافته، تصطرع من أجلها، وتتزاحم بالمناكب في سبيل نشرها.

إن الحضارات مثل الدول لها أعمارها وأزمانها، ولقد تحدث ابن خلدون عن أعمار الدول، كما تحدث مالك بن نبي عن أعمار الحضارات، وبينا أن معيار تقدم الدول والحضارات أو هبوطها يتمثل في عامل الأخلاق، فكلما تمسكت أمة بالأخلاق والقيم الفاضلة، كلما تطورت حضارتها وامتدت، والعكس صحيح، وهكذا فقد يكون من أسباب الصراع بين الحضارات، شعور حضارة ما بقرب عهدها طبقًا لتدهور الأخلاقيات فيها، فيحاول أصحابها إبقاءها بالقوة، متذرعين بأية ذريعة.

والعرب اليوم في زحمة هذا الصراع الحضاري العالمي لا ينشرون حضارتهم وثقافتهم إلاّ على استحياء، ولا يعملون على تثبيتها وبيانها إلاّ في المناسبات، أو في مؤتمرات قليلة تعقد هنا وهناك، وهو عمل تقوم به هيئات أو أفراد، وقلما تشترك به الحكومات، إلاّ في حدود ضيقة، أو حين تدعى من جهات غربية، ولا تتبنى في مؤتمراتها وسفاراتها بيان حضارتها، ولعل ذلك يرجع إلى الخمول الذي أصابها، والتفرق على أساس الإقليمية المفرقة، والتعصب على أساس التجزئة التي أصيب بها العرب والمسلمون، فأصبح ولاء كلّ دولة لقطرها، وانتماؤها لبلدها، دون الانتماء للحضارة والثقافة العربية و الإسلاميّة الواسعة، وهذا سبب قصورا كبيرا لدى الأجيال الحالية في فهم حضارتهم وجعل كثيرا منهم يشكك فيها، بل منهم من ذهب إلى إنكارها كلية!!، وتشبث بحضارة الغرب وانتمى إليها!.

إن حالة الانبهار بحضارة الغرب التي تعرضت وتتعرض لها الأجيال الحديثة من العرب والمسلمين سببها في نظري يعود إلى عدم القدرة على التفريق بين جوهر الحضارة الغربية ومنطلقاتها والأسس التي تقوم عليها، وكذلك النزعة التي تفسر بها الكون والإنسان وتقتصره على المحسوس والمنظور دون الإيمان بالغيب. والإنسان البسيط ينجذب بطبعه لما يرى ويلمس، ومعادلة الحياة عنده، حالة جمع وقسمة، فهو (براغماتي قصير الأجل)، لا ينظر إلى أبعاد الأشياء ولا يستطيع تنظير النتائج بفعل تراكم الأشياء، وهذا يتنافى مع أبسط درجات الفكر في قراءة الحضارات والتنظير لها.

هناك أمر يسهل على أي إنسان رصده لمعرفة أهداف وغايات كل حضارة، لا وهو الصراع، تلك القضية الأزلية التي لا تنتهي إلا بانتهاء الحياة، فلو جعلنا قضية الصراع حكما بين الحضارات، فكيف سنجد الحضارة الغربية في هذا الميزان، فما الذي تصارع من أجله هذه الحضارة؟. أليس الصراع من أجل البقاء!، أليس الصراع من أجل المصلحة والسيطرة والغنيمة؟!، ألم تستعمر دول أوروبا دول العالم الثالث وتسلب خيراتها وتمتص عافيتها ثم تغادرها وقد أهلكت الحرث والنسل؟!!، ثم ما هو الخيار الحضاري الذي يطرحه الغرب عند غزوه لأي أمه أو بلد من البلدان؟، هل هو يطرح خيار الإيمان بالله والخلق الرفيع، شرطا لمسالمة الآخرين كما فعل المسلمون؟، أم أنه يكتب عرائض وشروط تنتهي بسلب الحقوق وامتهان الناس في أرزاقهم ومبادئهم وأخلاقهم؟!.

نحن لا ننكر ما للحضارة الغربية من إيجابيات في التقدم العلمي في مختلف الميادين، وتيسير الحياة وتسهيلها بالمخترعات والاكتشافات، التي أعانت الإنسان على الحياة الرخية، لكن هذه التكنولوجيا سيطرت بشكل سلب الحرية معناها، فانطلقت من غير قيد أو رقيب، ونشرت القلق والنزاع والصراع، ففقد العالم تحت لوائها القيم المثلى والطمأنينة والروحانية، ودارت حياته على المصلحة والمنفعة، وجعل ثقافته خالية من الأمن والسمو الخلقي، فاندفع الشباب إلى نيل الشهوات بشكل مفزع ومريع، وبقيت شعاراتها المرفوعة عن الحرية والمساواة وحقوق الإنسان، في وقت شهد العالم كله أجمع، ما عانته إفريقيا من سطوة أوروبا، وما عانه الشعب الفلسطيني من حرب الإبادة والظلم الجائر، وما لقيه مسلمي أوروبا في البوسنة والهرسك من حرب عرقية طائفية همجية من الصرب والكروات.

ألم تجعل حضارة الغرب العالم على فوهة بركان متوتر الأعصاب، مقلق النفسية، وتحت الخوف من كبسولة القنبلة الذرية وأزره الصواريخ؟! بل أدت الحضارة الغربية إلى أحادية الدولة القادرة في النظام العالمي الجديد.

بينما لا أحتاج إلى شرح أسس الحضارة الإسلامية التي حملها العرب منذ نشأتها تحت لواء خاتم الأنبياء والرسل، وضربت مثالا فريدا في تاريخ الإنسان على الأرض ووافقت فطرته وسمت به للتكامل بين العلم والإيمان فملأ الدنيا وسادت حضارته ومفاهيمه في وقت وجيز، وبأدوات سهلة ممتنعة، لكن شرط هذه الحضارة على من يبتغيها ويريد حملها هو أن يكون خليفة الله في أرضه، يعمرها بالإيمان والعدل والإحسان، وبدونه سيؤول به الحال إلى ما آلت إليه حالنا اليوم.. والسلام.

Alymni-111@hotmail.com الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة