Culture Magazine Thursday  07/10/2010 G Issue 318
فضاءات
الخميس 28 ,شوال 1431   العدد  318
 
لا عصمة بعد 11 سبتمبر
محمد الحاج صالح

في مطار أوسلو تقدمتُ من الشرطي ذي القامة الممشوقة والعضلات المفتولة، وسألتُه عن إمكان مساعدتي في الوصول إلى الطائرة الذاهبة إلى «كريستياتن ساند». لا شكّ أن إنجليزيتي المكسّرة ومشهدي في الالتفات والنظرات اللائبة أَوْحيا له بأنّ هناك شيئاً مُريباً. سألني من أين قدمتُ ولماذا أسافر إلى «كريستيان ساند». أجبتُ إنّي لاجىءٌ قادمٌ من العربية السعودية، ومن المفترض أنْ ينتظرني أحدٌ هنا، لكنني لم أجد أحداً. حقاً كان في الحُسْبان أن ينتظرني شخصٌ ما من منظّمة الهجرة العالمية، لكنّ خطأ في المواقيت جعله يطمئنّ إلى أن موعد وصولي ليس هذا الخميس وإنما الخميس القادم ، كما سأعلم فيما بعد.

تولى الشرطيّ دفع العربة التي كنت قد وضعتُ عليها الأغراض. فأسررتُ في نفسي: ما ألطفه! مررنا بميزان، فوزن هو الأغراض. وأسررتُ في نفسي: ما ألطفه! ثم اتجهنا نحو ما سيظهر أنه مكاتب شرطة المطار وغرفة الحجز للمرحّلين وللذين سيُسجنون. على الفور شرع شرطيان يفتشان الأمتعة، بينما قادني الشرطي الذي قابلته أولاً إلى الداخل. ثمّ إلى مرحاض هناك، وأمرني بأن أخلع ملابسي عدا السروال الداخلي. تسارعت الأمورُ بشكل لم يتح لي التفكير. الآن بدأت أتساءل. ما الذي يحدث؟

غرفة الحجز وسيعةٌ وجدارُها الفاصل عن المكاتب المفتوحة لرجال الشرطة من بِلّور. كنتُ أرى كلَّ شيء. أراهم مشغولين بأمتعتي وحدها. يقلّبونها ويفتشون الجيوبَ ويتأمّلون الأوراق، وينزّلون مافي كمبيوتري المحمول. نكثوا كل شيء. فجأة سرتْ بينهم موجةُ اهتمام وتركيز، وراحوا يتبادلون وريْقةً. يقرأُ الواحد منهم فتبدو عليه سيماءُ الانشغال والتفاجؤ، ثم يُمرّر الورقة لزميله. وأخيراً راح الجميع في تفكير عميق. يعيدون النظر في الوريقة ويُلقون إليّ بنظرةٍ ذات معنى عبر جدار البلّور.

ما تكون تلك الوريقة ياربّي؟

شيئاً فشيئاً مثل نارٍ أمسكتْ بأثر بنزين ثمّ أخذت الخزّان بانفجار مروّع، اهتزتْ صورة الوريقة في رأسي غامضةً أولاً، ثم بغتة ظهرتْ واضحة.

كنتُ قد زرتُ طبيبَ أسنانٍ في أواخر إقامتي في مدينة «الخُبر» في السعودية. ولأنني لا أملك المال ولا الوقت، فإن طبيب الأسنان لم يقم بعلاج وافٍ. اكتفى بإحداث حفرتين عبر جسر على أسنان الفك العلوي الأيمن ووضع قاتل للعصب. حلٌ مؤقت ريثما أصل إلى أوروبا، كما قال. ولذلك كتبَ على وريقة من الأوراق التي يستخدمها الأطباءُ عندما لا يريدون كتابة وصفة أو تقرير.

الوريقة تتظهّر في رأسي وتملأ الأفق والكتابة عليها بالإنجليزية في أوضح صورة:

قاتل عصب nerve killer + من تحت الجسر عبر حفرة under the bridge through a hole + في الجسرin the bridge. ثمّ أرقام الأسنان الرحوية التي ثُبت عليها الجسر.

هكذا كلمة الجسر بالتعريف دون ذكرٍ لأسنان. الأمور لابِسةٌ ومنتهية! جسرٌ وقاتل عصبٍ وأرقام وقادمٌ من العربية السعودية بعد سنتين فقط من 11 سبتمبر. فمن يكون؟ وما تكون هذه الوصفة إن لم تكن وريْقة إرشاد لتفجير جسرٍ؟

يا إلهي! رحتُ أدقّ على الزجاج وأشير إلى جسر الأسنان في فمي، بينما راحوا هم ينظرون إليّ مستغربين. وفي لحظة إلهام أدرك أحدُهم ما أعني، وشرع يتكلّم مع رفاقه.

لم تمضِ سوى ساعات حتى ثبت أن الجسر المقصود هو جسر أسناني، ولم يكن جسراً للتفجير.

كذلك. ما كان 11 سبتمبر إلا من صنع من أساءوا للعالمين أجمع وأوّلهم للمملكة العربية السعودية.

أوسلو
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة