Culture Magazine Thursday  06/05/2010 G Issue 309
سرد
الخميس 22 ,جمادى الاولى 1431   العدد  309
 
مقاربة
محمد يعقوب في ديوانه «جمر من مرُّوا»
في الديوان رسائل حنين وحزن يضرمه الوعي اللاعج
عبدالحفيظ الشمري

يستهل الشاعر محمد إبراهيم يعقوب ديوانه الجديد «جمر من مروا» بمقطع وجداني للشاعر الإسباني لوركا متيقنا بأن الشعر لا يزال في أوج عطائه، وبهاء مشهده، حتى أن القارئ يطالع العنوان بشيء من اللهفة والتأمل العميق لسبر كُنه هذا التعالق بين العنوان ومدخل الديوان (مقطع لوركا) وتفاصيل القصائد التي ظلت تتواتر على نحو غرائبي مدهش يسمح بالتقاط الخطاب العام لهذا الديوان الذي يستكنه كما أسلفنا مسيرة العاطفة في زمن أللا عاطفة.

يفيء الشاعر قصائد ديوانه إلى ثلاثة مذاهب هي: «مخاتلة الغيم» و»تفاصيل لضفاف ممكنة» و»سريرة المرايا»، ويحوي كل مذهب عددا من القصائد التي تراوح في حضورها بين التوسط والقصر.

في فضاء القصائد رسائل معبَّأة بالحنين وممهورة بوعي دفين يستشرف الشاعر من خلاله ألق الشعر الذي لا يقبل في يقينياته وخيالاته إلا أن يكتمل اللقاء الذي سينهل منه لحظة الموقف المتجلية؛ إذ سرعان ما يغادر الشاعر كعادته إلى المنافي البعيدة، وهذا ديدنه في الكثير من الصور على نحو بوح يعقوب هنا:

لم أكتمل.. يبقى سواي معي هنا

يحنو علي، يضيق بي.. يحيا بي

ما زال في العنقود بعض رسائل

لم تستلم.. يا خيبة العناب

فالرسائل في الديوان ذات صبغة وجدانية عالية التأثير يحسن الشاعر استدرارها لتكون معادلة بهاء تحتمل التأمل والحدس والتخمين، فالشاعر يراهن على وعي تام يتوسمه في القارئ، ليستنبط الصور الدلالية الواردة على شكل استفهام واعٍ، وتعبير متخلق من رؤية جادة وطاقة هائلة في الصياغة اللفظية التي تنشئ بعدها التأثيري من خلال الإجابة عن هذه الأسئلة التي تتركها القصائد، لكي لا يكون الحضور الشعري مجرد لهج بألم أو تمترس خلف لفظ فضفاض؛ لنجد أن يعقوب قد حاك بمهارة هذه القماشة ليبدع لنا ألقاً جمالياً تتضافر فيه خيوط الشعر بألوان وعي زاهية.

أمر آخر طرقه الشاعر محمد يعقوب في ديوانه هذا هو ذلك التمثل العالي والبناء المدهش للفكرة التي تقوم عليها كل قصيدة، لنجده وقد صنف البناء الشعري من منطلق معرفي فكري واضح يؤكد تمترسه خلف النقد اللاذع حينما يرى أن الشعر حالة وعي ووسيلة لتقويم الذات على نحو قصيدة «غبن الرواة» التي بان فيها نقده وانحاز إلى سلطة النص الواعي ولم يندمج في غيابات الشعرية المفترضة في مثل تلك المقاربات بين الوعي والخدر وبين الجهل العلم وبين اليقين والشك، وكل هذا ينبني في لغة وعي القصيدة التي كتبها الشاعر بمداد من لغة النقد والمكاشفة وتقييم الذات أولاً ومن ثم مكاشفة العالم حوله للواقع الإنساني الأليم.

صوت الشاعر في قصائده حاد ولاذع؛ إذ ظل يعقوب يمتاح من جب الكلمات دلاء المقولة العذبة.. تلك التي لا تقبل في الغالب الأعم فرضية أن الشعر للشعر، إنما ما يريده الشاعر حسب زعمنا هو الشعر للوعي الذي يَسْتَرِقُّ، ولخيط الحلم الذي يستدق، حتى يبدو في المخيال الجمالي حالة شعرية قزحية فريدة التكون.

قصائد ديوان «جمر من مروا» تجليت حبلى في الصور الشعرية والمواقف الشاعرية التي ظلت تسكن الشاعر حتى أفاء عليها من كرم البوح حدود الفأل بمسوغ قول الخطاب الفصل في العلاقة بين الإنسان «الشاعر» وما حوله من عوالم متناقضة وصور متشابكة لا يمكن للشاعر أن يقدمها ما لم يزِد جرعة الوعي، وهذا ما انتهجه الشاعر محمد يعقوب في هذا الديوان الذي يسكن أعلى مراتب الرؤية الواعية:

« غالبتنا الحكايات

ممسوسة كفنا بالحنين..

مررنا على شرفة في الجنوب

الذي لم نذق طعمه مرتين

انتظرنا وكل الجنوب

انتظار لما لم يحن..»

فالقصائد في مجملها يستكنها البعد المعرفي والوعي عن مدى بقاء هذه الكائنات أو المخلوقات التي تسمى العواطف والشجن والحنين والحب والجماليات بيننا.. وهل هي حالة جديرة بالتخليد أم أنها مجرد آهات عابرة، فالشاعر أخذ على نفسه مهمة البحث عن هذا البعد الوجداني الذي قد يحقق المعادلة وينشد الوعي.

***

إشارة:

«جمر من مروا» (ديوان)

محمد إبراهيم يعقوب

دار الانتشار - بيروت - (ط1) 2010م

يقع الديوان في نحو (104 صفحات) من القطع المتوسط.

/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة