Culture Magazine Thursday  06/05/2010 G Issue 309
حوار
الخميس 22 ,جمادى الاولى 1431   العدد  309
 
الشاعر الدكتور إبراهيم العواجي:
الشعر يظل موسيقى اللغة التي يطرب لها العربي

حوار - عبدالحفيظ الشمري

الأديب الشاعر الدكتور إبراهيم العواجي حالة إبداعية مميزة، وجد في الشعر ضالته حينما بات يدرك أنه القمين بإيصال الفكرة المعبرة، وهو الخطاب الإنساني النافذ على مدى قرون، حيث ظل فيها الشعر وفياً للجمال، ومحفزاً للبوح، والتراسل الوجداني بين الشاعر والذائقة في كل زمان ومكان.

الشاعر العواجي ينهل من معين التراث الثقافي، ويوظف دائما صور الجمال الشعري العفوي، بل هو المتمرس في البوح الوجداني العابق بالحياة، فلا تخلو أي قصيدة من قصائده من استحضار صورة الوعي، واستدعاء الفكر، ومزج المقولة بالفعل المرادف لها من أجل أن تكتمل عناصر الإبداع الشعري لديه. حول الكثير من التجارب الشعرية والثقافية والفكرية كان للمجلة الثقافية هذا الحوار مع الشاعر الدكتور إبراهيم العواجي، وهاكم فاتحة الأسئلة إليه:

الدكتور إبراهيم العواجي.. أين تقف الآن من الشعر؟

- الشعر عندي قضية، ليس لأنني شاعر كتب أولى قصائده وعمره 14عاماً، ولكن لأن الشعر أولاً هو ديوان العرب الخالد، كما أنه أداة تحمل رسائل الوجدان والأحاسيس وانفعالات الذات العليا إلى الآخر، بل هو ميدان للركض الحر خارج أسوار التأطير والقيود التراكمية المحسوبة ظناً على منظومة العقد الاجتماعي، كما أن الشعر يظل موسيقى اللغة العربية التي يطرب لها ويعزفها الحداة والسمار والعشاق ومحبو الأوطان، كما أنه حافظة للتاريخ الإنساني الفردي والجمعي.. تلك التي تخلو - إلا فيما ندر - من زيف المدونات التاريخية التي يكتبها المنتصرون.

لك رحلة طويلة مع الكلمة والشعر العربي.. كيف ترى تأثير الشعر في المتلقي الآن؟

- في اعتقادي أن عوامل كثيرة طرأت على علاقة المتلقي بالشعر منها؛ التغير المتأرجح الذي يكتنف حياة المتلقي ويشغله عن كثير مما اعتاد عليه أو أحبه بسبب الركض خلف المخرجات العصرية من جهة والمعاشية من جهة أخرى، ودخول كثير من المغريات المنافسة مثل انصراف كثير من أبناء وبنات هذا الجيل إلى القصيدة الشعبية والأغاني غثها وسمينها، إضافة إلى المؤثرات الناتجة عن مخرجات التقنية الحديثة من محطات فضائية إلى منظومة الحاسب الآلي التي استوعبت جل أوقات هذا الجيل، لكن يظل للشعر متلقيه وسوف يعود الشعر إلى مكانته بعد مرور العاصفة أو استقرار الحالة في التعامل مع معطيات الحداثة. ومع أنني أعتقد أن جمهور القصيدة لن يعود إلى حجمه في الماضي ولكن سيكون نخبوياً كما حدث في الحضارات المعاصرة، حيث ظل الشعر يحتل مركزاً مرموقاً لدى شرائح كثيرة من المجتمعات.. ومع ذلك فإن مدى قدرة الشعر العربي على المحافظة على مكانته في ساحة الفكر والثقافة يتوقف على مدى مقدرته على التطور والتعامل مع قضايا مجتمعه بلغة تلائم مراحل النمو المتلاحقة التي تتغير فيها مفرادات اللغة واهتمامات المتلقي.

نصف قرن من تجربة الشعر.. هل تراك خدمت التجربة وأثريت مشهدها كما ينبغي؟

- ليس لي أن أحكم على تجربتي فهذه مهمة النقاد، ولكنني أستطيع أن أذكر أن قصيدتي تطورت شكلاً وموضوعاً واستجابت لاستحقاقات المراحل الحياتية التي عشتها، حيث بدأت بكتابة القصيدة الوطنية ثم تحولت إلى العديد من أغراض الشعر بين الغزل والوطن وقضايا الإنسان وفي المرحلة الثالثة كما مثلها ديواناي: (فجر أنت لا تغيب) و(غربة) أصبحت أحلق بشكل أكثر في سماء ثلاثي الأبعاد: المرأة والوطن والرفض لكثير من المسلمات والسلوكيات وأطمح إلى الانعتاق من كثير من عوامل الإعاقة لأواصل عطاءاتي بما يلائم تجربتي وتطور رؤاي.

كيف باتت علاقتك بالنقد الأدبي؟ أهو حري بأن يقدم للشعر بعض من ضيائه؟

- النقد لازمة لتطور الشعر، والشاعر المبدع يحتاج إلى النقد لكي يتعرف على ضعف وقوة أعماله، فقط أشباه الشعراء والمتسلقون هم الذين يخشون النقد. وأنا لم يكن لي يوماً موقفاً سلبياً تجاه النقد ولكن مشكلتي أن أعمالي لم تحظ باهتمام النقاد بشكل مقبول ومازلت في حيرة من أمرهم وقد كنت أعزو عدم التفات النقاد لشعري خلال عملي الوظيفي إلى حساسية مسؤولياتي وخشية البعض من تبعات أي نقد جارح، والبعض الآخر ربما تجنب التعرض لأعمالي خوفاً من أن يوصف بالمنافق.. وخلاف ذلك فأنا لا أظن أن موقفهم من شعري ناتج عن استحقاقه للنقد لأن في شعري من القوة والضعف ما يوفر مادة صالحة للدراسات النقدية، فمثلاً ديوان (نقطة في تضاريس الوطن) يوفر مادة مثيرة للنقد؛ لأنه يحتوي على (قصة - بقصيدة) تعالج موضوعاً اجتماعياً مهماً، فهل أقول إن تجاهلها ناتج عن ضعف في المنهج النقدي لدينا أم تعبير عن حالة من الجبن الأدبي تجاه مو ضوعاتها؟.. وبالنسبة لموضوع النقد الأدبي بصفة عامة فأحسبه يولي احتفاءً أكبر بالرواية والقصة على حساب القصيدة.

د. إبراهيم.. ما الفرق بين الأمس واليوم - في نظرك - بالنسبة للساحة الثقافية: المبدع، والقارئ، والمحرر الصحفي الثقافي؟

- ديناميكية الحياة والتطور التي نشهدها لامست كل زوايا حياتنا المادية والمعنوية ولا استثناء للثقافة بكل ألوانها، ولكن الملفت للنظر أن المخرجات الثقافية جاءت تابعة لا فاعلة لأن شروط المتلقي المنفتح على الثقافات الأخرى والمطالب بارتقاء العمل الثقافي والفكري لمستوى متطلبات المرحلة فرض على المبدعين والكتاب - صحافيين وخلافهم - التكيف مع قواعد اللعبة الجديدة مما نتج عنه تخلف البعض لاعتبارات مختلفة وبروز أقلام جديدة من داخل الساحة المحلية تتميز بالجرأة والحداثة في الطرح وفي التعامل مع الموضوعات المعاصرة والتحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تمر بها.. فالرواية مثلاً شهدت تطوراً جعلها في مقدمة الأعمال الروائية العربية، والصحافة التقطت الإشارة الداعية إلى التصدي لمشاكل المجتمع ومعوقات التنمية لدرجة أصبح معها القارئ المثقف الذي كان يبحث عن ما يشبع هواه في المطبوعات الأخرى عربية أو أجنبية تحول إلى متابعة ما يكتب في صحفنا المحلية..

وهكذا فاليوم غير الأمس لأن تسارع الأحداث المحلية والإقليمية والدولية، ومخرجات العولمة والتحديات التي يمر بها المجتمع السعودي قد فرضت على المتعاملين مع الشأن الثقافي وخاصة الصحفي التكيف النوعي مع مقتضيات المرحلة وأفرزت جيلاً جديداً يتسم بالشجاعة الأدبية الممزوجة برؤى ثقافية متحررة من القيود المتوارثة وبالمقابل فقد انكفأت الفئات المحافظة حبيسة تجاربها الأولى.

* بدأت قصيدتا التفعيلة والنثر تأخذان مكانهما في التجربة الشعرية في العالم العربي.. ما تعليقك؟ وهل جربت الكتابة في هذين السياقين؟

- تطور القصيدة العربية أمر طبيعي وأنا أفرق بإصرار بين قصيده التفعيلة وقصيدة النثر فالأولى تحمل أهم مكونات وعناصر القصيدة العربية من موسيقى وقافية، والأخرى برأيي نثر لا يجوز على الإطلاق تسميتها قصيدة؛ لأنها تفتقد إلى أهم مقومات القصيدة العربية، وإن كان منها ما يحمل موسيقاه وأنغامه الداخلية ويستحق القراءة ككتابه نثرية، ولكن هناك كثير من قصائد النثر ما أعجز حتى عن فهمها إضافة إلى خلوها من المفردات الجميلة أو الموسيقى.. أما قصيدة التفعيلة فقد كتبتها وأنا في المرحلة الثانوية ونشرت في كتاب استأذنا الكبير عبدالله بن إدريس (شعراء نجد المعاصرون) وهي عن ثورة الجزاء عنوانها: (المواكب الصاعدة).

د. العواجي لماذا ظلت التجربة الشعرية إجمالاً رهينة الدواوين أو الصحف والمجلات؟ بمعنى لماذا لم تتفاعل مع التقنية بما يكفي؟

- كتبت ربما أهم أعمالي الشعرية وأنا أعمل في المجال الوظيفي وكنت أكتب القصائد بشكل منتظم خاصة في الصباح الباكر، ولم يكن لدى الوقت لإعدادها للنشر بالصحافة وحين تتجمع أصدرها كديوان، وبعد أن تركت الوظيفة أصبحت أسير هذه العادة، وأنا أحد الشعراء القلائل كما أعلم الذين يقرأ شعرهم لأول مرة في كتاب، وأفكر الآن في تخصيص موقع شخصي أنشر فيه مختارات من قصائدي وأفتح من خلاله قناة اتصال بالقارئ.

هل كبلتكم مقولات الشعراء الرواد حينما رسموا للشعر مكانة خيالية حالمة قد لا تصل للقارئ العادي؟

- أبداً، لعدة أسباب؛ أولها: أنني شاعر تلقائي يكتب القصيدة بدون إنذار أو قرار مسبق وتأتي قصائدي مباشرة، وثانياً: أي قراءة تحليلية لشعري تظهر أن قصائدي مما يحتفل به المتلقي لأن لغتي ومذهبي الفني لا يسمح بالغموض أو الكتابة للذات أما الخيال فهو سمائي وأفقي ومطيتي تعبير عن فكرة القصيدة.

الجوائز الشعرية هل تراها لا تزال في حصار التجارب الرسمية؟

- هذه حقيقة وهو أمر لا خطأ فيه طالما نفتقد المؤسسات الأهلية الثقافية الكبرى التي لجوائزها قيمة معنوية، ولكن الجوائز لدينا تتأثر أحياناً بعوامل غير موضوعية وللشللية دور مؤثر في الاختيار، وقد يكون القصور ناتج عن نقص معرفي بالشعراء الشباب ممن لا يقعون تحت أضواء المدن الكبرى.

المشهد الشعري المحلي ما توصيفك له؟ وهل تراه متعافيا، يتمتع بالصحة والنشاط؟

- الشعر المحلى يعاني من حالة غموض أو إغماءة مؤقتة بسبب حالة الانبهار تحت أضواء المعاصرة وابتعاد القارئ عن قراءة الشعر لذهوله أمام المنتجات المعرفية الحديثة وانشغاله في محاولة تحديد موقعه في ميدان الركض نحو شيء ما ربما مجدول لديه، ورغم أنه مع كل صباح يولد شاعر أو أكثر فإن الكثيرين من الشعراء يعانون من الشعور بثانوية القصيدة لدى المتلقي المنبهر بكل جديد واللاهث خلف كل بريق.

أيهما الذي يحقق معادلة النجاح.. شاعر يستدعي التراث، وآخر يلتقط الخطاب الجديد وثالث يزاوج بينهما؟

- لكل شاعر منهجية وكل شاعر يحقق النجاح إذا ما كان مبدعاً حقيقياً في لونه ومسلماته وغاياته الشعرية، وإذا ما استطاع الشاعر المبدع الجمع بين عشق وتوظيف التراث وبين الاستجابة لمقتضى الواقع الحديث فإنه يصبح شاعراً متميزاً عن سواه.

تداخل الأجناس الأدبية هل تراه ظاهرة واقعية ستسهم في تعزيز المشروع الإبداعي؟

- طبعاً لأن طبيعة الحياة المعاصرة تقوم على مزاوجة الأضداد لكي تصل إلى المنتج الملائم لشروط الزمان والمكان ولولا تكامل المكونات الموضوعية لكل جانب لما تحقق هذا التطور الكبير في أساليب ومعطيات الحياة، والمجتمعات التي تصر على العزف المنفرد على الأوركسترا تظل جامدة لأنها لا ستطيع تحقيق التكامل بين مكونات الشيء.. وهذا ما ينطبق على حالة الإبداع بكل طيوفه فمتى تقيل فكرة التداخل استطاع تحقيق مستوى التوحد والتكامل في تعامله مع شؤون وشجون الحياة.

هل يمكن ترجمة الشعر؟ وكيف؟ وهل يترجم لفظاً أو مضموناً؟

- من خلال تجربتي الخاصة فإن الشعر لا يترجم شكلاً ولكن من الممكن أن يترجم مضموناً والنتيجة تتوقف على المترجم من حيث لغته وتذوقه للشعر وخلفيته الثقافية كأن يكون على اطلاع واسع بثقافة مجتمع الديوان المترجم ولغته وتراثه وقد يقترب كثيراً من الأصل إذا كان شاعراً، فمثلاً ديواني (هجرة قمر) بالفرنسية كان قريباً من الأصل؛ لأنه ترجم بواسطة أدبيين عربيين يدرسان بجامعة السربون، أما ديواني (خيام القبيلة) باللغة الإنجليزية فقد جاء أقل تجانساً شكلاً مع المجموعة الشعرية المترجمة، أما ديوان (ذات صبح) بالتركية فهو الأقرب لشكل ومضمون مجموعتي.

هل ربح الشعر العربي رهانه منذ المتنبي إلى العواجي؟

- مليون مرة ومرة وهو ما يؤكد أن الشعر يتجاوز الظروف والأزمان لأنه يعبر عن وجدان شعرائه ومتلقيه ولا يتأثر بالانتكاسات الكبيرة التي مرت بالأمة طوال القرون الماضية بل نجد أن تلك الانكسارات كانت مصدر إلهام لكثير من الأعمال الشعرية العربية الخالدة.

د. إبراهيم .. ما آخر إنتاجك الشعري؟

- ديواني الأثير لدي (غربة) أما أعمالي الجديدة فهي تتواصل وصولاً إلى إصدارها بديوان قادم.

/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة