Culture Magazine Thursday  06/05/2010 G Issue 309
فضاءات
الخميس 22 ,جمادى الاولى 1431   العدد  309
 
أعراف
الطيور
محمد جبر الحربي

منذ لقائي قبل عامين بالهدهد الغائب في حديقة في شمال الرياض يأتيها الطير من كل صوب، ومنذ كتابتي لقصيدة حديث الهدهد، وأنا لا أنفك اتأمل هذه الطيور، وأستغرب كيف سرَقَنا الإسمنت منها، وأبعدنا عنها.

ومع أنني لا أعرف إلا قليلاً من أسمائها وأنواعها، إلا أن ذلك لم يمنع نشوء تجاذبٍ خلاّقٍ بيني وبينها، فأنا أطعمها وأدعها لشأنها، وهي تمنحني مع شجرها، وأفقها، وطيرانها الحر، أفكاراً وكتابات متنوعة، وفضاء يليق بالكتابة الحرة، وترسم بتعاملاتها الأسرية، ومشاغلها اليومية من الفجر للغروب، صوراً في الذاكرة لا تغيب..

فذاك سرب حمامٍ يحلق فوقك دون أن تنهال عليك القنابل والصواريخ، وهذا عصفورٌ يجلس على طرف الكرسيّ المقابل دون أن يطيل المكث ويتعبك بأحاديث مملة.

هذه اليمامة أقبلت، وتلك هربت إلى ظل الأشجار المتشابكة الأغصان، أما الشقيّ الذي هجم على القاعة فقد شغل الحضور، ونقل أعينهم الجائعة من أطباقهم إلى زوايا السقف.

إنها الطير لمن يرى صافّاتٍ ويقبضنَ ما يمسكهنّ إلا الرحمن، رافقننا عبر التاريخ مذْ بعث الله غراباً ينبه قابيل، أول قاتل، كيف يواري سوأة أخيه هابيل، حتى صارت المواراة بالدفن سنة باقية في الخلق.

ثمّ سأل إبراهيم عليه السلام ربه عن كيفية إحياء الموتى، وهو المؤمن، ليطمئنّ قلبُهُ، فجاء دور الطير مع الإنسان مرة أخرى: (قال فَخُذْ أَرْبَعَةً مِن الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ ِ جَبَلٍ مّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).البقرة 260 .

وكما أنّ لنا تسبيحٌ ومنطقٌ فإنّ للطير تسبيحٌ ومنطقٌ ما علمه غير سليمان عليه السلام، ومن ذلك قصته مع الهدهد الذي أحاط بما لم يُحَط به، وجاءه من سبأ بنبأ يقين.

وقد حارب الإنسان، وكذلك حاربت الطيور، فأرسل الله طيراً أبابيل، بحجارة من سجيل، لتنقذ الكعبة عام الفيل.

وأعقل الكائنات الإنسان، أما أعقل الطير فهو الحمام، وهو أقرب الطير للإنسان من حيث الألفة والوفاء والعودة إلى الحمى، فكان الحمام الزاجل، الذي اكتشف، واستخدم المجال المغناطيسي قبل الإنسان بكل تأكيد!! وحبّاً في السلم، كما هو حبٌّ للحمام، اتخذ العالم، كلّ العالم، الحمامة البيضاء رمزاً للسلام، إلا إسرائيل وحليفاتها، فهم يطلقون على كلّ حمامٍ، وعلى كلّ سلامٍ، رصاصَ النقض والغدر كلّ يوم.

وللطير جلّ الفضل في تمكين البشر من تقريب البعيد، وعبور القارات والمحيطات في ساعات، بدءاً من محاولات عباس بن فرناس، وصولاً إلى طائرات الآيرباص العملاقة.

وقد أعجبني بعيداً عن الطيران، قريباً من الأرض والابتسام، وهو مما صادفته أثناء رحلتي مع الطير، قول المدائنيّ: إن إياس بن معاوية مرّ بديك ينقر حبَّاً ولا يفرقه فقال: ينبغي أن يكون هرِماً، فإن الديك الشاب يفرق الحب، ليجتمع الدجاج فتصيب منه، والهرِم قد فنيتْ رغبته فليس له همّة إلاّ نفسه!!

الرياض mjharbi@hotmail.com
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة