Culture Magazine Thursday  01/07/2010 G Issue 317
الملف
الخميس 19 ,رجب 1431   العدد  317
 
مَنْ هو الأحق بتمثيل المشهد ... الأكاديمي أم الأديب

الثقافية - عطية الخبراني :

يطفو على السطح بين الحين والآخر خلاف بين الأكاديميين والأدباء على أحقية تمثيل الثقافة في المشهد السعودي؛ حيث يرى بعض الأدباء أن الأكاديميين قد اقتحموا عليهم الفضاء وأصبحوا هم من يترأس المشهد ويمثله، وفي اللحظة ذاتها يردُّ الأكاديميون بأن المشهد لم يعد حكراً على أحد، وأنه قد انتهى زمن التخصصات؛ فالأدب متاح، للكل أن يمثله، شريطة أن يكون من أهله متابعة وكتابة.

حول هذا الصراع طرحت (الثقافية) العديد من الأسئلة على العديد من الأدباء والأكاديميين المتصلين بالشأن الثقافي؛ حيث وصفه البعض بأنه صراع مفتعل وغير حقيقي، وهو ربما نابع عن دوافع شخصية لإقصاء الآخر، بينما وصفه البعض الآخر بأنه موجود ومن الصعب تجاهله.

طلبنا من إحدى الأديبات المشاركة في الموضوع فوصفتنا بأننا نحن من اختلق هذا الصراع لخلق مادة صحفية، وأديب آخر اعتذر عن عدم المشاركة بسبب أن الحقيقة تغضب الجميع - برأيه - وليس بوسعه أن يجامل أحداً.

ليس كلُّ أكاديمي مثقفًا

يقول الأديب عبدالله الخشرمي: إنَّ الصراع كلمة جميلة في الكون إذا ما اتخذت طريق البناء والبحث عن الأفضل بين أي فريقين تتاح لهما فرصة العمل الخلاق والبحث عن الأجمل، وأرى أن هناك خلطا - إن لم أقل التباسا - بين مفهوم الأكاديمي والمثقف؛ فالأكاديمي ليس بالضرورة أن يكون مثقفاً على الإطلاق، بل إن أكثر الأكاديميين غير مثقفين، وهذه شهادة يشهد بها المجتمع؛ فتجد أن الأكاديمي قد تمترس خلف حرف الدال وصار يظن أن كلمة أكاديمي تمنحه قدرة إلهية أن يصبح مثقفاً من الهواء، وهذه مشكلة وعقدة يجب أن يتحرر منها الأكاديميون، برغم أنني أرى أن العمل الأكاديمي هو عمل محدود في جزئية بسيطة من علوم الحياة، فيجب أولاً أن نتحرر من عقدة أن كل أكاديمي مثقف، إضافة إلى أن الأديب يقع في الخندق نفسه؛ فيعتقد أنه بمجرد أن يُقال له أديب أنه أصبح في عرف المجتمع ذلك المثقف الذي يُشار إليه بالبنان، وهذا أيضاً غير صحيح؛ وهذا بالتالي يسوقنا إلى الحديث عن الأندية الأدبية؛ فهذا الصراع إذا لم يتسلح به مثقف واعٍ يخرج من عباءة الأديب والأكاديمي فلن تنجح الأندية على الإطلاق، ونحن شاهدنا هذه الصراعات التي أرى أنها سلبية وليست بالصراعات الإيجابية التي ذكرتها في بداية حديثي؛ حيث وجدناها في غير ناد أدبي في المملكة، وجرّت ويلات وانتكاسات على هذه الأندية ومجالس إداراتها؛ فالأكاديمي الذي يرى أنه أديب ومثقف ينسى أكاديميته، والأديب يجب أن يكون في دور قائد معرفي من خلال الأندية الأدبية، فالواجب أن يكون مثقفاً حقيقياً وليس أديباً في جنس أدبي محدد.

ويستطرد: إذنْ فالإشكالية ليست في المسميات، وإنما في خلق صراع من أجل البحث عن كرسي، وكل يتلبس بمظهر الأديب أو الأكاديمي؛ فلا الأكاديمي سينجو من حكم المجتمع عليه بما أدى من خلال الأندية، ولا الأديب المثقف أو غير المثقف، وما أكثر الذين كانوا أدباء داخل مجالس إدارات الأندية وللأسف لم يقدموا أي شيء سوى وجودهم على الكراسي وحضور الأمسيات، رغم أنهم أعضاء مجالس إدارة. والخطورة على الأندية الأدبية أن تتحول إلى كائنات جامعية؛ فالخطورة الفادحة أن ينتقل هذا المنبر، الذي أرى ضرورة - وإن كان ينتمي إلى وزارة الثقافة والإعلام - أن يتحرر من الحكومة ومن الوزارة، وأن تتعامل مع ذاتها بوصفها مؤسسات مجتمع مدني، وإذا لم تحقق هذه الغاية وهذا الهدف العظيم فإن الأندية أو المراكز الثقافية التي يخطط لها من قِبل الوزارة ستلبس شكل الأندية الأدبية.

وعن كلمة أديب يتابع الخشرمي قائلاً: لا يستطيع أحد في المجتمع أن يخلص بهذه الصفة لذاته من خلال وظيفته؛ فأنا أقول إن الفيزيائي أو الحارس في أحد البنوك يمكن أن يكونا على المنصة بمعرفتهما وكتبهما وثقافتهما.. فالثقافة كالخبز والهواء متاحة للجميع، ولا يستطيع أحد أن يختطفها تحت مسمى أكاديمي أو ادعاء أدبي؛ فأتمنى ألا يقيّم الشخص الذي وصل لمجالس إدارات الأندية مثلاً بحمله لشهادة الدكتوراه أو أنه قد أصدر كتاباً أدبياً معيناً؛ فأنا أرى أن الثقافة هي الدور.

وعن المراكز الثقافية القادمة يقول الخشرمي: يجب أن تتحرر هذه المراكز من عقدة الأكاديمية والأدب حتى يتم حل المشكلة، ليس من خلال صراع الأكاديميين والأدباء وأحقية كل منهما فحسب؛ فالمراكز الثقافية ستحل نفسها بنفسها إذا وضعت في مواصفاتها وأجندتها أن الذي يصل إلى الكرسي سيكون عبر الانتخاب أو عبر الدور الاجتماعي للمثقف سواء كان فيزيائياً أو أكاديمياً أو حتى حارس أمن لكنه في النهاية مثقف وصاحب دور اجتماعي.

وفي ردّه على سؤال عن مزاحمة الأكاديميين غير المتخصصين في الأدب للأدباء في الأندية يقول: لو بحثنا عن جيولوجي من أمثال قامة محمد عبده يماني لوجدناه قد ذهب إلى الإعلام وساقته موهبته فطغت على تخصصه، وحتى أكون منصفا فهناك فرق بين الأكاديمي الذي يبحث عن الوجاهة الاجتماعية ويريد أن يصل لشيء في قسم اللغة مثلا أو قسم الآداب أو حتى في الفيزياء.. وذلك الذي يحتقن بموهبة حقيقية وفعلية بعيدة عن التخصص؛ فمن حقه أن يشرع هذه الموهبة في مراكزها، لكن إذا كانت المسألة مسألة وجاهة فعلى كلٍ أن يكتفي بما لديه، إلا أننا لا يمكن أن نطبق العكس؛ فالثقافة مشروع مجتمعي، وهي حق للجميع، بينما الفيزيائي الذي لديه جمعية لا يستطيع أن يصل إليها المثقف العام؛ لأنه لا يملك التخصص؛ فذاك عمل وظيفي، وهذا عمل مجتمعي.

الخلاف مفتعل لأسباب شخصية

أما أستاذ الأدب العربي المشارك بكلية الآداب بجامعة الملك سعود الدكتور صالح الغامدي فيرى أنه لا صحة لوجود هذا الصراع أصلاً، وإن وُجِد فهو مفتعل وغير حقيقي وناتج من تصفية حسابات شخصية لا أكثر، وأما على مستوى تمثيل مجالس إدارات الأندية الأدبية فليس شرطاً ألا يمثل المجالس إلا أدباء فقط؛ فالأكاديمي قد يكون أديباً، وهذا موجود وملحوظ لدينا؛ فالأدب ليس حكراً على الأدباء فقط أو خريجي اللغة العربية؛ فقد يكون الأديب فيزيائياً أو طبيباً وفي اللحظة ذاتها أديبا يمارس الأدب ويتابعه بل ويكتبه. وعن المؤتمرات والندوات العلمية يقول الغامدي: يشارك فيها الأكاديميون لأنهم درسوا الأدب وبحثوا فيه، وهم الأجدر بالحديث فيه بالتأكيد.

لا أحد يقصيك إن بادرت

في حين يرى الشاعر والإعلامي محمد عابس، الذي ينحى بالحديث إلى جانب آخر، وهو الحديث عن المؤتمرات العلمية والأدبية، أنه في البدء لا بد من الإيمان بضرورة مشاركة جميع المثقفين في الفعاليات والندوات والمؤتمرات التي تنظمها وزارة الثقافة والإعلام أو أحد الأندية أو المؤسسات الثقافية الأخرى حكومية أو أهلية، ثم لا بد من الإيمان أيضاً بأن الأكاديمي له الحق في المشاركة أيضاً، وبخاصة حينما يتطلب الأمر بحوثاً علمية محكمة ومعمقة، مع العلم أنه ليس جميع الأكاديميين يمكن وضعهم في سلة واحدة؛ فكثير منهم يمكن اعتباره حاصلاً على دكتوراه في الجهل والمحسوبية، وفي المقابل للمثقف المبدع أياً كان شعراً وسرداً، وللمهتم كذلك، لهم جميعا الحق في المشاركة، ولكن يجب أن نتفق على نقطة مهمة هي: الترتيب والتنظيم والتجهيز لمثل هذه المؤتمرات؛ فما فائدة أن يأتي هذا المث قف أو ذاك (يد ورا ويد قدام)، ويريد أن يشارك في مؤتمر تم إعداد أوراقه وبحوثه منذ مدة، ونقطة أخرى ومن خلال قربي من مثل هذه المؤتمرات أن كثيراً من المثقفين خارج إطار الأكاديمية لا يتواصلون مع لجان المؤتمرات باقتراح أوراق عمل ونحو ذلك، وكثير منهم لا يعلم آلية عمل هذه المؤتمرات على اختلافها؛ فأي مؤتمر يبدأ التجهيز له قبل أشهر من بدئه، وما يتم في البداية هو إعلان عنوان المؤتمر والمحاور الرئيسة، بعدها يتم استقبال طلبات المشاركة وإرسال خطة الورقة للجنة المختصة، وعند الموافقة عليها يتم إبلاغ صاحبها ليبدأ تجهيزها ثم يتم إرسالها للموافقة النهائية عليها، وفي بعض الأحيان تتم طباعتها أو طباعة الملخص ليوزع في بداية المؤتمر.

ويتابع: يجب أن نتفق على أنه ليس من المنطق أن يأتي هذا المثقف أو الأديب عند بداية المؤتمر أو المناسبة ويطلب المشاركة وهو لم يجهز لذلك منذ وقت مبكر، وللعلم فإنه تتم مجاملة بعض المثقفين بإدارة بعض الجلسات، وبعضهم لا يحضر أو يعتذر في آخر لحظة، فإذا كان هناك من يتعمد إقصاء المثقف أو الأديب لصالح الأكاديمي فأنا ضده تماماً، ولكنني لا أعتقد أن الأمر بهذه الصورة في المطلق مع وجود استثناءات نستطيع كشفها ومحاصرتها ببساطة من خلال متابعة المثقف والأديب للمناسبات وتقديم طلب المشاركة في وقتها المعلن، وهو ما سيفوّت على من يرغب في إقصائهم الفرصة. ومن موقعي وحسب علمي بالمناسبات التي حضرتها أستطيع الجزم بأن هناك أسماء كثيرة جداً من غير الأكاديميين شاركوا بأوراق عمل في غير مناسبة، ولكنهم بادروا وسألوا، وكانت الرغبة الجادة موجودة لديهم مبكراً، كما أن كثيراً من المناسبات لا تتطلب أن يكون البحث محكماً، من هنا أطالب الأصدقاء من المبدعين والمثقفين والأدباء خارج إطار العمل الأكاديمي بأن يسألوا ويتواصلوا مع الجهات الراعية للمؤتمرات والمناسبات الثقافية منذ وقت مبكر وسيكتشفون أن المسألة سهلة ولا يوجد فيها الإقصاء الذي يُقال أو الصراع الذي افترضه بعض الأصوات، ولكن يجب الالتزام بالضوابط والشروط والمحاور المعلنة كما يحدث في المؤتمرات في كل مكان؛ فالمسألة ليست أمسية شعرية أو قصصية تكون الموهبة والاسم أبرز شروط المشاركة فيها، ولكنها مؤتمرات وندوات أو مناسبات يتم التجهيز والإعداد المبكر لها، ويستطيع الحريص المشاركة بعيدا عن التشنجات أو اتهام الآخر بالمحاباة أو الإقصاء، وبشكل شخصي - ورغم قربي من بعض هذه المؤتمرات - لم أشارك بأي ورقة عمل رغم أنه طلب مني ذلك أكثر من مرة، ليس لشيء إلا لأنني ألتزم بروح المشاركة والتنظيم والإدارة، ولا أخلط بين عملي وإمكاناتي، رغم أن هناك من حاول إقصائي لأسبابه الشخصية، وكنت لا ألتفت له، وقد رحل مع الراحلين، واكتشفت أنني كنت محقاً في ذلك، والبقاء للأصلح كما يقولون، وفي رؤية أخرى تستطيع أن تمنع الضوء بعض الوقت ولكنك لن تستطيع منعه كل الوقت.

ويختتم حديثه بأن الإصرار والمتابعة ومعرفة شروط وضوابط كل مناسبة كفيلة بمشاركة كل من يرغب طالما التزم بها وعمل على الاستفادة وقدّم عملاً مكتوباً في الوقت المناسب.

أما رئيسة اللجنة النسائية بنادي جدة الأدبي الدكتورة فاطمة إلياس فترى أن المسألة بسيطة؛ فكل من ثبت اشتغاله بالأدب أكاديمياً أو نقدياً أو إبداعياً فهو أديب يحق له تمثيل المشهد الثقافي والانضمام إلى عالم الأدباء «الغلبانين مقارنة ب (المليانين!)» ممن يمثلون المشهد الاقتصادي أو الرياضي أو السياسي، فلِمَ التراشق وكل في موقعه يمارس «حرفة الأدب» و»صناعة الأدب» سواء كان أكاديمياً تخصصه الأدب والنقد، يدرس ذلك لطلابه من خلال تحليله للنصوص الأدبية، وتدور أبحاثه ونشاطاته العلمية في فلك الأدب، كما يمارس النقد ويلقي المحاضرات ويشارك في الندوات الأدبية، أو كان ناقداً مطلعاً مثقفاً له منجزه النقدي وتأثيره على الحركة الأدبية، فكلاهما أديب، يشتغل على النصوص الأدبية بغض النظر عن مهنة كل منهما، سواء كانوا أكاديميين أو معلمين أو موظفين، فالمهم هو انغماس هذا الإنسان أو هذه الإنسانة في قضايا النقد الأدبي، وعالم النصوص الإبداعية من شعر ورواية وقصة؛ فليس كل من يكتب أديباً وإن كان مثقفاً.

وتضيف إلياس: وهذا يقودنا إلى الصنف الثالث من الأدباء، وهم كتاب/ كاتبات النص الأدبي، سواء أكان شعراً أو رواية أو قصة أو مسرحية، أي أنهم هم المسؤولون عن ضخ النصوص الأدبية الإبداعية التي يتولاها النقّاد بالشرح والتحليل، ويتخذونها نماذج لأطروحاتهم الفكرية والثقافية، ومن هنا يتبين لنا أن صنعة الأدب المتنازع عليها هي حق مشاع لكل ناقد وباحث ومبدع أدبي، أكاديمياً كان أم مزارعاً أم بياع أقمشة! فقماشة الأدب تتسع لجميع الأحجام والأشكال والأطياف الثقافية المنهمكة في تصميم وابتكار وتذوق جميع الموديلات النقدية، وما دام المقص الذي يحمله هؤلاء قادراً على تفصيل ما لذّ وطاب من صنوف الأدب بجميع المقاسات، ومتسقاً مع جميع السياقات الفكرية والثقافية.

وبرأي إلياس أن كل هؤلاء يدخلون في زمرة الأدباء، فلماذا التحامل على الأكاديميين وهم في الأصل أدباء، ولهم حضورهم الأدبي على مستوى النقد الأدبي أو الكتابة الأدبية؟

وعن سؤال حول صدق مقولة إن الأكاديميين اكتسحوا مجالس إدارات الأندية تقول إلياس: اكتسح الأكاديميون النوادي الأدبية لأنهم مهمومون بالشأن الأدبي والقضايا الأدبية أكثر من غيرهم من المشتغلين بالأدب؛ فالأكاديمي الأديب، عكس غيره من الأدباء خارج أسوار الجامعة، ملزم بأبحاث في صلب تخصصه الأدبي، وملزم كذلك بممارسة أنشطة تنويرية وتثقيفية مرتبطة بتخصصه، تصنف على أنها «اهتمامات بحثية» أو»ثقافية» أو تدخل ضمن خانة «خدمة المجتمع»، وكلها إلزامية من أجل الحصول على الترقية، بل ولحفظ ماء الوجه أمام طلابه، وأمام الدوائر العلمية والمؤسسات البحثية، فالأستاذ الجامعي يقع على عاتقه عبء تطوير نفسه ومجتمعه، وهو دائماً في الواجهة يرصد كل الظواهر الثقافية والعلمية والأدبية (كل حسب تخصصه واهتماماته)، ويتناولها بالتحليل العلمي والمنطقي، وهو في كثير من الأحيان صاحب المبادرة، والباحث صاحب النظرية، وصاحب الدراسة إلى آخره؛ لذلك فمن الطبيعي أن يكون الأكاديمي المتخصص في الأدب في مقدمة الصفوف؛ لأنه بمنهجيته، ودقته، وحسن إدارته للوقت، بحكم تجربته في المحاضرات والمؤتمرات العلمية العالمية، يستطيع أن يخطط وينظّم الشأن أو المشهد الأدبي، إضافة إلى استيعابه لكل الظواهر الأدبية المؤثرة من خلال تفاعله البحثي والنقدي معها.

وتخلص إلياس إلى أن صفة الأديب الأكاديمية تعزز من أهليته للإدارة الثقافية، بعكس المبدع الذي يخضع في كثير من أحكامه ورؤاه للعاطفة أو الذاتية، إما بسبب عزلته، وانشغاله بعالمه الخاص، وانكفائه على الكتابة الإبداعية فقط؛ ما يحد من تجربته العملية لعدم اضطراره للقيام بكثير مما ذكرت من مهام الأديب الأكاديمي، ويكفيه أنه كالنحلة التي تجوب حدائق الحياة، وتقتات على التجارب الإنسانية؛ لتفرز لنا عسلاً صافياً صادقاً، وليترك مهمة جمعه وتصنيفه وتسويقه فكرياً ونقدياً للناقد الأديب، وحبذا لو كان أكاديمياً.

مزاحمة على غير أحقية

الأكاديمي بجامعة الملك خالد أحمد التيهاني - عضو مجلس إدارة نادي أبها الأدبي سابقاً - يقول: يتحتّم قبل الدخول في معمعة القول عن هذه القضيّة أنْ نسألَ أنفسناَ سؤالاً, وهو: هل كان من الممكن طرحُ هذا الموضوع قبل خمس سنوات؟

والجواب - كما أزعم - لا؛ ذلك أنّ مزاحمةَ الأكاديميين للأدباء على الأدب هي إحدى نتائج مرحلة التغيير العشوائي الذي طالَ المؤسّسات الثقافيّة, وجاء بالأكاديميين البعيدين عن النقد والإبداع الأدبيين إلى ساحة الأدب والأدباء, فأصبحَ المؤرّخون والجغرافيّون والجيولوجيّون يديرون الفعل الثقافي المتعلّق بالأدب, ويحضرون فعاليّات الأدباء في ظلّ تغييبِ الأدباء, بل ويحرصون على إقصاء الأدباء من أجل البقاء داخل الإطار, وإضفاء الشرعيّة على وجودهم غير الشرعي.

ويشير التيهاني إلى أنه لا يعرفُ أديباً زاحمَ المؤرّخين في جمعيّتهم التاريخيّة مثلاً, لكنّه يعرفُ الكثيرين من المؤرّخين الذين لا يكادون يعرفون أنّ أبا تمام عباسي, وزهيراً جاهلي يأتون إلى كلّ المناسبات الثقافيّة الأدبيّة على أنّهم أهل الأدب, وليتهم يسهمون في الفعل بأبحاثٍ أو إبداعات, لكنّهم يكتفون بالاحتلال المشرّع بالإحلال الذي وهبَهم حقّ الاعتداء على حقّ الأدباء في الحضور, وتلك جنايةُ من أوهمَهم بأنّهم من أهل الأدب, وليست جنايتهم.

أما الشاعرة والأكاديمية الدكتورة أشجان هندي فقد ذهبت إلى أن الأجدر والأكثر كفاءة هو الأحق بالتمثيل سواء أكان أكاديمياً أو غير أكاديمي. مشيرة إلى أن كون المثقف أكاديمياً فلا يعني ذلك أنه يترشح فقط لأنه أكاديمي، بل لأنه مثقف ثم لأنه أكاديمي، وهو يتساوى في ذلك مع المثقفين الآخرين، فالثقافة سقف عالٍ لا يصله حاملو الشهادات فقط بل كل من يعمل بصدق على مشروعه الثقافي ويعززه ويُنمّيه سواء من خلال العمل الأكاديمي أو من خلال القراءة والكتابة والمتابعة وتطوير الذات.

وتواصل هندي: أما أن يكون المثقف أكاديمياً فهذه ليست تهمة على المثقف إنكارها أو نفيها أو إعلان البراءة منها، ولكن ذلك لا يعطيه كامل الحق في التمثيل إن كان هناك من هو أفضل منه ثقافة من المثقفين غير الأكاديميين.

فيما عبر الأستاذ حمّاد بن حامد السالمي، رئيس نادي الطائف الأدبي الثقافي، بقوله: يؤسفني حقيقة أن نَصِفَ ما يجري بين مثقفين من بيننا بأنه تراشق وصراع. كنت أعتقد أن الثقافة بمفهومها الواسع هي التي تمثل المرجعية الحقة لمن ينتسب إليها، سواء كان أكاديمياً في مؤسسة علمية، أو شاعراً وأديباً وباحثاً بعيداً عن أجواء هذه المؤسسات العلمية.

مضيفاً أن الفعل الثقافي والحراك الثقافي، سواء كان من خلال مؤسسات رسمية أو غيرها، لا يتطلبان أكثر من مثقف حقيقي يعي دوره في خدمة الثقافة، ولا يشترط في قيادة المؤسسات الثقافية شهادات علمية، كما لا يشترط فيها شعراء نابغين، وناثرين نابهين؛ فالمعيار الذي يراه في تسيير دفة هذه المؤسسات هو المثقف القادر على إدارة الشأن الثقافي بشكل إيجابي، سواء كان أديباً، أو شاعراً، أو أكاديمياً يحمل أعلى الشهادات، ولا ينبغي أن تسود بيننا ثقافة الإقصاء، وأن ترتفع في أوساطنا لغة التصنيف والتفريز التي نحن نعيبها في غيرنا.

ويختتم السالمي حديثه قائلاً: في مواجهة هذا المشكل أعتقد أن من واجب الوزارة وضع معايير دقيقة لمن هو المثقف من غير المثقف، وأن تجعل لإدارة مجالس الأندية آلية عملية، حيث تُدار ممن هم متفرغون لهذا العمل على أقل تقدير؛ فقد عانى بعض الأندية من قياديين في مجالسه، ليس لديهم وقت لدخول النادي، عوضاً عن العمل من خلاله. ربما هذا هو أحد وجهي الخلاف بين الطرفين المتراشقين والمتصارعين؛ ولهذا لا عبرة إلا بمن يعمل وينتج ويقدم ما هو جديد ومفيد؛ فمجالس الأندية ليست حكراً على طالبي الوجاهة والترزز، من أدباء وشعراء، أو من أكاديميين ينازعونهم هذه الكراسي والمنابر الثقافية.

فيما وصف الكاتب والباحث محمد القشعمي هذا الصراع بأنه ادعاء كاذب ووهم زائف يحمل رايته من يريد أن يغطي على عيوبه وعدم اهتمامه وحضوره. مشيراً إلى أن الأكاديميين (كثر الله خيرهم)؛ فرغم انشغالاتهم وارتباطهم بمؤسساتهم التعليمية الجامعية من محاضرات وغيرها إلا أنهم يتواجدون ويسجلون حضوراً رائعاً. مشيراً في الوقت ذاته إلى أن ناديًا كنادي الرياض بالرغم من نشاطاته المتوالية إلا أنه ما زال بحاجة إلى التوسع ليصل بنشاطاته إلى أطراف الرياض ومحافظاتها التابعة لها كافة، مقترحاً طريقة كأن يتفق النادي مع وزارة التربية والتعليم لاختيار بعض المدارس لإقامة بعض الأنشطة.

ويختتم حديثه بالاتفاق مع من ذهب إلى أن الثقافة عامة للكل وليس محصورة لمن يكتب الأدب فقط.

وفي السياق ذاته تحدَّثت رئيسة اللجنة النسائية بنادي الرياض الأدبي الدكتورة ميساء خواجا قائلة: في الحقيقة أنا أرى أن هذا الصراع غير مبرر؛ فهو لا يستند في جوهره إلى أسس واضحة؛ فالمشهد الأدبي ليس ملكية خاصة يتنازعها طرف على حساب آخر، وليس الأدب أو تناول الأعمال الأدبية حكراً على طرف بعينه. الأدب فضاء مفتوح يمكن أن يتحدث فيه وعنه من يشاء. وليس الحديث في حد ذاته هو المهم؛ فالأهم طبيعة الحديث وما يطرح فيه، ولا يرتبط ذلك بكون المتحدث أكاديميا أو غير أكاديمي. هناك أدباء يتمتعون بذائقة نقدية ترفدها ثقافة عالية؛ ومن ثم قدموا دراسات جادة يصعب على أي متابع تجاهلها، وأكاديميون يمتلكون موهبة التعامل مع النص التي يرفدها وعي بالمنهج وأدواته، في حين يمكن أن تخلو دراسات بعض الأكاديميين من الجدية ولا تقدم أية إضافة نقدية. وفي المقابل هناك أكاديميون يجمعون بين النقد والموهبة الأدبية، فإلى التصنيفين ينبغي أن يخضع هؤلاء؟ من هنا لا أميل إلى متابعة تلك الاتهامات المتبادلة، وذلك التصنيف غير الصحيح والهجوم غير المبرر الذي قد يرتبط أحيانا بعوامل شخصية، أو إحساس من يطلقه بنوع من الإقصاء أو التهميش لسبب أو آخر. قد أتفق مع بعضهم في غموض بعض معايير اختيار شخص بعينه لتمثيل المشهد الثقافي، أو تكرار أسماء بعينها، لكن مثل هذا الأمر ينبغي أن لا يشكّل منطلقا لصراع من شأنه أن يفتت المشهد الثقافي، وأن يرسي نموذجا سيئا في إقصاء الآخر وكيفية التعامل مع الاختلاف في الرأي.

وتتابع خواجا: أرى أن مثل هذا الاتهام ينبع من المنطقة ذاتها التي تحاول الفصل بين الأديب والأكاديمي، ومن النظرة التي ترى أن الأكاديمي غير مؤهل للتعامل مع المشهد الثقافي وتصفه بالجمود والتحجر، وتلك نظرة محدودة في جوهرها وتتسم بالتعميم، وفيما يخص مجالس إدارات الأندية أرى أن ذلك يرتبط بطبيعة الشخص نفسه وهل يمتلك القدرة على الجمع بين الجانبين الإداري والأدبي، ولا ترتبط بكونه أكاديمياً أو غير أكاديمي، وبالتأكيد فإننا قد لا نتفق مع كل الأسماء الموجودة - والاختلاف أمر طبيعي - لكن من المهم أن نعطي الفرصة، وأن نحاول التعاون لإثراء المشهد عوضاً عن البحث عن السلبيات والعيوب.

مشيرة في نهاية حديثها إلى أن الفصل بين المثقف والأكاديمي غير مبرر في جوهره، فالأكاديمية لا تنفي الثقافة عن صاحبها، والعكس صحيح؛ فالثقافة مفهوم واسع ومتعدد الجوانب وهي ليست حكراً على شخص دون آخر، أو جهة دون أخرى. الثقافة نمط كلي عام يصنعه الفرد ويتشكّل في إطار المجتمع، ومعنى ذلك أن الثقافة ليست حكراً على فرد أو مجموعة أفراد، كما يعني في الوقت نفسه مساهمة الكل في تكوين المشهد الثقافي في أي مجتمع من المجتمعات. وترى خواجا من هذا المنطلق أن الأكاديمي وغير الأكاديمي يشتركان معاً في بناء المفاهيم والقيم والتصورات، وكلاهما يسهم بشكل أساسي في ذلك، وله دوره المهم والقيادي في المجتمع، دون ادعاء بحق ملكية ما لا يمتلك.

/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة