Culture Magazine Thursday  31/12/2009 G Issue 292
فضاءات
الخميس 14 ,محرم 1431   العدد  292
بين (مؤتمر الأدباء ).. و( جهجاه بن حميد ) و( حريملاء )..
حمّاد بن حامد السالمي

 

في جلسة ماتعة مع أصدقاء أدباء من ضيوف مؤتمر الأدباء السعوديين الثالث بالرياض، في نهاية شهر ذي الحجة الفارط، تجاذبنا أطراف الحديث، وتداولنا بعض الكلام حول فوائد وعوائد، تعود على الأدب والأدباء من هذا المؤتمر في دورته هذه، وفي دوراته القادمة فقلت: لو لم يكن له من فائدة إلا أن يلتقي على ضفافه خمس مئة أديب وأديبة، فيتعارفوا، ويتعاركوا، ويتعاكضوا، ثم يتآلفوا.. لكفانا ذلك منه.

* الحقيقة.. أن فوائد مثل هذا التجمع ؛ كثيرة ووفيرة، وما هو منتظر منه أكثر، وجلسات النقاش وما عرض فيها من بحوث ؛ كانت مسرحاً لرؤى وأطياف أدبية وفكرية واسعة، وجاء دور معرض الكتاب والكاتب السعوديين، مكملاً لهذه الحلقة الجميلة، التي انتظم عقدها في مركز الملك فهد الثقافي، على مدى أربعة أيام.

* على المستوى الشخصي.. فإني أضفت إلى ما تحقق لي من فوائد من جلسات المؤتمر ومعرضه ولقاءات أدبائه في ديوانه وإيوانه، فوائد أخرى جمّة، فقد تمكنت من الإيفاء بوعد قديم، ودين غير عديم، كان لأخي وصديقي المربي والأديب الأستاذ (عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف).. كيف لا، وصوت الشاعر العربي القديم، ظل يرن في أذني ويقول:

تراه الوعد.. عند الحر ديناً

وعند النذل.. مقبحة وذماّ

* تحققت هذه الفائدة الكبرى، فزرته في بلدته الجميلة (حريملاء) ؛ ظهر يوم الخميس المتمم لشهر ذي الحجة، وآخر يوم في السنة المنصرمة 1430هـ، فسعدت بحديثه عن رفقاء دربه، وزملاء درسه، خاصة من كان منهم معه في دار التوحيد بالطائف أيام الطلب، وسررت بأن اطلعت على مسودة كتابه القادم، الذي جمع فيه ما كتب من مقالات رثاء ووفاء، في أعلام عرفهم وعرفوه، فصديقنا الخريف، معروف بصدقه وإخلاصه ووفائه، وله صلات وثيقة بالأدباء والرجال الفضلاء، وكنت قد اقترحت عليه قبل سنوات عدة، أن يجمع هذا وينشره ففعل، فشكراً له على هذه الخطوة المباركة. وإلى جانب ذلك، فإن له مع الاستشهادات الشعرية ؛ صلة نسب، وقربى حسب، قلّ أن تتوفر لغيره من الكتبيين والمطلعين على نتاج المطابع، حتى أني طلبت منه ذات مرة ؛ أن يجمع ما يحفظ منها في كتاب، ليوفر به مرجعاً ميسراً لمن أراد أن يستدل بالشعر، فيستل منه ما يدعم ما يقول أو يكتب، فلعله يفعل.

* كانت سعادتي مضاعفة، لأني تجولت مع الأستاذ الخريف، ومعي ابن الأخ الأستاذ (فهد بن أحمد السالمي).. تجولت في (حريملاء)، وشاهدت شعيبها أو واديها الأخضر، وكنت قد زرتها من قبل سنوات، فهذه زيارتي الثانية، واجتمعت بابنيه البارين الأستاذين: (عبد الله وأحمد)، فرأيت فيهما صورة عبد العزيز الخريف، بكل ما يحمله من جينات الشهامة والنبل والوفاء.. ألا.. إن من شابه أباه ما ظلم. فهذا هو أبو عبد الله، الذي يشعرك أنه قريب منك حتى وهو غائب، وبينك وبينه مسافات بعيدة.. فهو على قول الشاعر، وأنا هنا أقتفي أثره في الاستشهاد بالشعر:

وليس أخي من ودني وهو حاضر

ولكن أخي من ودني وهو غائب

* فائدة أخرى تحققت لي على هامش مؤتمر الأدباء هذا، وهي أني لبيت دعوة الأخ الصديق الأستاذ (محمد بن نايف بن حهجاه بن حميد)، فالتقيته في داره العامرة، مع فضلاء آخرين من صحبه الكرام، فأهداني باكورة إنتاجه، وهو كتابه الذي أسماه: (من أعلام الوطن.. جهجاه بن بجاد بن حميد).

* لقد سعدت أيما سعادة بالاثنين: المؤلِّف والمؤلَّف، فالكتاب، يحمل اسم شخصية مشهورة غير منكورة، وهو كما قال حفيده محمد بن نايف (من أعلام الوطن).. علم وطني بارز، وواحد من رجال الملك (عبد العزيز آل سعود) رحمه الله، ومن قادته الميدانيين في حملاته التي حققت وحدة وطنية قلّ نظيرها في التاريخ. أما المؤلّف، فهو حفيد المرحوم الشيخ (جهجاه بن بجاد بن حميد)، وعمله وجهده في هذا الكتاب، يدل على فهمه المتقدم لمكانة الآباء والأجداد، الذين كانوا حول المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله، واعتراف منه، بفضلهم ودورهم في المساهمة في تحقيق منجز توحيد المملكة، وإرساء قواعد أمنها، وتثبيت أسس استقرارها، ورسم خطى تطورها وحضارتها. وكتابه يعود بنا إلى مرحلة تاريخية راسخة في الذهنية الوطنية لهذه البلاد وأهلها، فيكفي أنها مرحلة التأسيس التي قادها ملك همام، هو الملك (عبد العزيز آل سعود) رحمه الله، ويكفي أن (جهجاه بن بجاد بن حميد)، واحد من أعلام تلك المرحلة المجيدة من تاريخ المملكة، ويكفينا فخراً، أن صور المؤسس ورجاله الأوفياء، حاضرة في مشهدنا الوطني في كل وقت وحين. لقد مد عبد العزيز البطل، ورجاله الأوفياء، جسور الوحدة الوطنية التي نعبر من خلالها إلى المستقبل بكل قوة وثقة، فهم على قول الشاعر عمر أبو ريشة:

تقضي البطولة أن نمد جسومنا

جسراً.. فقل لرفاقنا أن يعبروا

* يقع الكتاب في (190 صفحة)، مقاس عادي في ورق صقيل وغلاف جيد، وقد عمد الباحث إلى رسم بحثه على ستة فصول، قدم لها بإهداء ومقدمة وتمهيد، فموجز عن تاريخ آل سعود، والدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة.

* يقول الباحث في المقدمة بتصرف مني: إن هناك رجالاً كانوا مع الملك عبد العزيز. أخلصوا له العمل، وصدقوا العهد، ولكثير منهم أفعال وأقوال محمودة، هي في حاجة إلى إبراز وتوثيق، رغم تفاوت الجهود، فكل منهم قدم ما يستطيع تقديمه، من أجل توحيد أجزاء هذا الوطن، ولمّ شتاته، وهو ما دفعني لإخراج هذا الكتاب إلى حيز الوجود، من خلال تسليط الضوء على أحد قادته، وهو (جهجاه بن بجاد بن حميد)، فقد كان أحد الشخصيات التي كان لها شرف المساهمة في بعض معارك توحيد الدولة المباركة.

* لقد أحسن الباحث صنعاً، حين عرض للكلام بداية على حاضرة (عروى).. البلدة التي أسسها القائد جهجاه بن حميد واستقر فيها سنة 1337هـ، وهي من الحواضر التي نمت وازدهرت، وزارها الملك عبد العزيز رحمه الله، بدعوة من سلطان بن محمد بن هندي، وجهجاه بن بجاد بن حميد.

* ورأيت أن الباحث ؛ قد نجح في توثيق معلوماته في الكتاب، خاصة وهو يترجم لجده، ويعرض لحياته وسيرته ومشاركاته الحربية، فقد أسند منقولاته في الكتاب، إلى مصادرها التاريخية، وإلى ما قال به كبار المؤرخين والكتاب، أمثال الشيخين (سلطان بن جهجاه بن حميد)، و (حمد الجاسر). رحمهما الله.

* وختم الباحث كتابه الماتع، بالفصل السادس، الذي ضمنه وثائق وخرائط وصوراً مهمة، منها صور قديمة للملك عبد العزيز، وأخرى للشيخ (سلطان بن جهجاه بن حميد)، والشيخ (نايف بن جهجاه بن حميد)، وهما ابنا الشيخ (جهجاه)، والشيخ نايف رحمه الله، والد الباحث، وقد عرفته والتقيت به أكثر من مرة، في مجلس الشيخ (سلطان بن جهجاه بن حميد) في بلدة عشيرة بالطائف، وأعجبت بشخصيته، مثلما أعجبت قبل ذلك وبعده بشخصية المرحوم الشيخ (سلطان بن جهجاه بن حميد)، ومجالس هذا الأخير، مجالس أدب وعلم ومعرفة، ويطول الكلام عليها وعنها، وربما توفقت للكتابة في هذا الموضوع مستقبلاً إن شاء الله.

* عندما عدت إلى الطائف، قرأت كتاب صديقنا (محمد بن نايف بن جهجاه بن حميد)، فحمدت الله أن سخر لعلم بارز مثل الشيخ (جهجاه)، حفيداً أريباً أديباً، يكتب عنه، ويكشف بعضاً من جوانب حياته، مما كان مخفياً أو مجهولاً عند من هم بعيدين عن محيطه. فشكراً لك أستاذ (محمد بن نايف بن جهجاه بن حميد)، على هذا الجهد البحثي، الدال على وفائك لجدك، ووفائك لبحثك، فقد بحثت ووثقت، ثم وفقت في إيصال المعلومة الصحيحة للمتلقي، بأمانة علمية تشكر عليها.

* أتممت قراءتي للكتاب، متذكراً قول الشاعر العربي، الذي رفع منزلة الوفاء إلى فريضة إنسانية، لا ينهض بها إلا الكريم من الرجال.. ومحمد بن نايف، هو هذا:

إن الوفاء على الكريم فريضة

واللؤم مقرون بذي الإخلاف

الطائف assahm@maktoob.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة