Culture Magazine Thursday  30/04/2009 G Issue 281
سرد
الخميس 5 ,جمادى الاولى 1430   العدد  281
مدائن
الشاعرة ثريا العريض بأشواقها يقبع الوطن
إعداد - عبدالحفيظ الشمري

 

من يصغي لإيقاع قصائد الشاعرة ثريا العريض يدرك بفطرة الجمال أنها مأخوذة في تفاصيل الوطن، ومنشغلة في تكويناته الفطرية الأولى.. بل هي المعنية دوماً في مدِّ جسور من المشاعر الدافئة لكل ما هو وطني ينهل من معين الذات.. منذ أن كبلها الحنين في (الظهران) إلى أن غدت أثيرة للمرتهن الممانع دائماً ألا تحب البحر، أو تقربه.

الوطن في شعر الدكتورة ثريا العريض ينبني على مفرد الخطاب الواحد.. ذلك الرمز الخالد في الذات، المتمثل في المرأة التي تمتلك الحب ولا تقوى البوح فيه، فهي الهاجسة دائماً بأن الوطن بحري النزعة، شرقي الهوى.. لا بل خليجي التورد والتيه والهيام.

حتى وإن أعلنت الشاعرة ثريا أن القوافل هي التي رأتها تغذ المسير عبر مفاوز الرمل في ديوانها (امرأة دون اسم) إلا أنها تظل في شوق إلى ضفاف الخليج الذي يعيد في ذاكرتها نبش الماضي الجميل.

الشاعرة عبر دواوينها وسمت كل قصيدة منها بنذر المكان، وطوالع الشعر، وأنواؤه لا تفتأ أن تشير إلى أن المكان هو هاجسها الأول، فبين البحرين، والظهران تعالق ذهني شفيف يصور الحياة وتكوينها الأول على هيئة جدول حب لا ينضب، أو نبع عاطفة لا يغور.

تعقد ثريا العريض مع البحر صلحاً، ومهادنة، لكي لا يتوارد إليها إلا على هيئة ذكرى جميلة، أو خاطرة عابقة بمعاني الحياة، فالبحر بات هو المهادن في زمن ألا تكون مهادن، أو مستسلماً على نحو استحضارك لمسخ «سلام الشجعان» وإن لم يكونوا، أو بلقاء الأعداء بألد النبلاء وإن لم يتفقوا، وببحار هده العناء بحثاً عن القوة، وبحالم يبحث عن اللؤلؤ، وبريفي يحرث الأرض طمعاً في قوت يسد الرمق، وعلى هذا الحال من فرية أن تعاهد البحر أن لا يتخطف الأحبة في عرضة قرصنة, أو بين فكي حوت كاسر أو عاصفة لا تبقي ولا تذر، فالبحر في شعرها مزيج من هذا وذاك، فلك أن تعرف المكان في قصائدها دون عناء. فكثيراً ما يبرز الوطن والمكان معاً، فهي المأخوذة في البحر على هيئة سجال شعري يؤرخ لحقبة الوفاء للكائن الذي يهب الناس قوتهم وأحلامهم، فهي التي تستدعي صورة البحار التاريخي لتهدي أغنية من أغاني الوجد اللاعج لأحمد بن ماجد في ديوانها (امرأة دون اسم) في (الصفحة 97)، وهي التي تستميل صورة الوطن على هيئة شجر مخضل بالخضرة، مورقاً بالبهاء، فهو الرمز الذي يدحر أو يصد حالة حزن عنيد يكاد يكسر المتاريس لينقض على حلم الشاعرة في البقاء بسلام.

حزن الخليج في ديوانها (أين اتجاه الشجر) حالة من سكب المكان في خوابي الزمن، فالخليج هو المكان، والمدن تتشابه فيه فلا فرق بين (المنامة) التي ترعرعت فيها الشاعرة وبين (الظهران) المدينة التي حزنت فيها لفرط ما أثخنها الفراق بنباله، وقسى عليها الزمان بحرابه الموسومة دائماً بالوجع.

حتى وإن تجملت قصائد الشاعرة ثريا العريض ب(ليل الحناء) و(الدان دان) فثق أنها من قبيل التجمل أمام النهاية المحتملة، فما بعد زمن ألا شيء شيء، ولا نحن معاً في وارد أن ننهض من كبوتنا التي باحت فيها القصائد المتوجسة من مآل الأشياء، فها نحن نقف في موازاة القصيدة الأليمة.. تلك التي تتوجد على الوطن الرمز في حياتنا، وطن للطفولة والأحلام البيضاء من أجل أن نلهو فيه ونفر في كل الجهات كالعصافير لكنه زمن أن تبقى:

(كأني منذورة لحنين البحار

لأجتاح أسرارها، ولجاج الغيوب

فيستوقف السفن العابرات صداي..

إنما اصطخبت في دمي

مواويلها البيض

في ليلة الدان،

فاشتعل الأرجوان)

المدن في شعر الدكتورة ثريا العريض شبه غائبة، أو كأنها كائنات مغيبة لأن الهم أكبر لديها من أن يكون على هيئة مدينة تعتقل أحلامها، فالبحر وتحديداً الخليج هو مدينتها المجاز.. تلك التي تنسج منها خيوط الأمل في حياة موائمة تغني عن أي حياة في مدائن أخرى.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة