Culture Magazine Monday  26/01/2009 G Issue 268
مداخلات
الأثنين 29 ,محرم 1430   العدد  268
تكريم بلغيث..متى؟

 

أؤمن بأن أي مجتمع لا يلتفت لعطاءات أفراده لا يمكن له أن يحلق في سماء التقدم، وأنه يصعب على أي مؤسسة أن تصطاد عصافير النضج وهي تسجن في أقفاص النسيان مبدعيها.

أتعجب كثيراً من أن النادي الأدبي بالباحة ومجتمع المثقفين بها لم يلتفتوا حتى اللحظة إلى أحد المبدعين الذين أثروا الحياة الأدبية والثقافية في منطقتنا بجهد كبير، وقد كان في يوم ما أحد المؤسسين للحركة الأدبية في منطقة الباحة، وقد كان في يوم ما عضواً فاعلاً في نادي الباحة الأدبي، وتحديداً في لجنة التأليف والنشر، أعني هنا الأستاذ (بلغيث بن عبد الله العمري - أحسن الله خاتمته) الذي كان له حضور بارز في المشهد الثقافي المحلي لفترة طويلة، ألقى خلالها هذا الرجل بحجر في بحر الثقافة، حرّك به الراكد في الوقت الذي كان فيه هذا اللون ترفاً، فكتب الشعر وأدار الأمسيات وناقش المطبوعات وألتف من حوله المبدعون، وفي ذات اللحظة تسنم إدارة العديد من المدارس التي كانت بمثابة (مصانع لتخريج أفواج من المتعلمين) فعمل مديراً لمعهد المعلمين بالمخواة ومديراً للثانوية بها ثم مديراً لمدرسة أبي بن كعب للتحفيظ، فكان خلال تلك الفترة نجماً لامعاً أثرى ميادين التربية بعلمه وعمله وميادين الأدب بتبني منابره وإثرائها، وجعل من تلك المواقع التربوية ميادين تضج بالأدب والثقافة من خلال المناشط الأدبية المختلفة التي يتبناها عبرها، ولم يكتف بهذا بل ساهم بإشرافه مع آخرين من مجايليه - ومن أبرزهم الدكتور حسن بن إبراهيم الفقيه - على النتاج المطبوع والدوريات التي كان ينتجها نادي الباحة الأدبي في نشر الثقافة والفكر والأدب وتوسيع مساحتها واستقطاب الموهوبين وإبراز قدراتهم، فكان هذا الرجل الذي نسيناه بما قدمه أحد رموز (الثقافة والأدب والفكر والتربية) ليس في محافظة المخواة بل في منطقة الباحة بأكملها.

اليوم بحكم عوامل السن والمرض ترجّل الفارس عن صهوة جواد الثقافة والأدب بعد أن أدى دوره، وكان آخر ظهور ثقافي له في أمسية شعرية أُقيمت قبل سنوات في ثانوية الملك فهد بالمخواة ضمن نشاط نادي الباحة الأدبي في عهد إدارته السابقة، ثم اختفى بعهدها وسقط من ذاكرة الجميع إلا قلة ممن يعترفون له بالفضل ويتذكرون جهوده بأسى؛ فقد أفنى شبابه كمثقف خنذيذ بعطاءاته الأدبية والشعرية في خدمة الثقافة ولا يليق بنا أن نتناساه أو أن نقبره في سجن ذاكرتنا. من وجهة نظر شخصية أرى أنه من باب الواجب وتقديراً لتلك الجهود أن أقل ما يمكن أن يقدم له من نادي الباحة الأدبي هو تكريمه ومجايليه والالتفات لجهودهم وإبراز دورهم الكبير في تأسيس الحركة الأدبية والثقافية واعتبار التكريم فرصة للتذكير بهم ومناسبة جميلة لجمع منجزه الشعري ولأدبي وإصداره في كتاب يحمل أسمه (كونه لم يتجه لإصدار نتاجه في كتاب مطبوع فيما أعلم)، وهذا الدور فضلاً عن كونه واجب المؤسسة تجاه من انتسب إليها في يوم ما وقدم لها عصارة جهده وضحى بوقته من أجلها ومن أجل الدفع بمسيرتها قدماً فإنه يجسّد للأجيال القادمة معاني الوفاء ومعاني تقدير جهود الباذلين وعطاءات المخلصين ويحفزهم على أن يتفانوا مستقبلاً في سبيل بناء الوطن بالانخراط في مؤسساته ويغريهم بالتسابق نحو إفادة مجتمعاتهم بجهود لا تكل دون خوف أو وجل من ضياع تلك الجهود وتبددها دون أي التفاتة تذكر، ويشعرهم بأن كل جهد يبذل في مرحلة ما من العمر يهدف لإثراء مسيرة المؤسسة وحراكها لن يذهب سدى بل سيجد صداه في نفوس الأجيال المتعاقبة، وهذا ما سيلقي في روعه بحقيقة مهمة مفادها أن الحياة بناء وكل جيل يضيف لبنة جديدة لذلك البناء، أما تجاهل جهود الرعيل الأول فإنه فضلاً عن كونه حيفاً وظلماً وجوراً لكل جهد فإنه يكرس كذلك للانزواء بعيداً عن ميادين العطاء ويجعل الأجيال تنصرف عن كل عطاء مثمر وكل جهد منتج نحو التقوقع حول الذات والانكفاء عن البذل والعطاء إلى التقوقع والاهتمام بالانكباب على المصلحة الشخصية، ويؤدي إلى التوسع المَرضي في التمحور حول الذات، وهذا ما لا تود غرسه مؤسساتنا في نفوس الأجيال وترتضي أن تكرسه كنهج فتكون هي أول الخاسرين بعزوف الفاعلين والموهوبين وأصحاب العطاءات عنها.

ولا أعني هنا ذلك التكريم الاحتفائي الذي تقيمه المؤسسات لدينا ويأتي على شكل درع تذكارية تُقدم على هامش مناسبة ما، بل أتمنى أن يتخذ التكريم آلية تشعر الأجيال بأن التكريم يبادل العطاء بعطاء مماثل، يركز على الجوانب المضيئة من حياة المحتفى به، ويبرز جهوده في خدمة الثقافة والأدب.

ولا أظن أن إقامة أمسية تكريمية لهذا المثقف واستعراض مسيرته وجمع نتاجه والتعريف بجهوده في إثراء الحركة الثقافية والأدبية في منطقة الباحة إلا واجباً يفترض أن يبادر النادي الأدبي بالباحة له ولكل من عمل واجتهد وأضاف لبنة بناء لهذا الصرح.

وهو أقل ما يستحقه الجيل الذي أسس لحركة الأدب والثقافة في منطقتنا (ويأتي الأستاذ بلغيث شفاه الله أحد هؤلاء القامات الذين نسيناهم)!! فهل يفعلها النادي ؟؟ هذا ما أتمناه.

ناصر بن محمد العُمري المخواة - ص.ب:6 البريد الإلكتروني bmw-6060@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة