Culture Magazine Monday  26/01/2009 G Issue 268
فضاءات
الأثنين 29 ,محرم 1430   العدد  268
الخائفون من.. الحرَية
أولاد أحمد

 

(لنا الفن حتى لا تميتنا الحقيقة)

فريدريك نيتشه

لا أحد من المثقفين العرب (وليكن التعميم مقصودا ما دامت الاستثناءات نادرة!) ذهب في تحليل ظاهرة تخلَف العرب والمسلمين إلى أقصاه.

الكل يقفون تحت النخلة، في ثلث الطريق، ويدعون -من شدة الإعياء- أنهم بلغوا مقاصدهم ولم يبق لهم سوى العودة إلى قناعاتهم الأصلية السالفة وهي قناعات شبه وراثية، بفعل الحفظ والنقل والتلقين، ولذلك فهي لا تمت لفعل الثقافة بصلة لكونه فعلاً في لحظة تكون دائم.

وحين يطرح عليهم سؤال من نوع:

- (كيف تفسرون تطافر العروبة مع التزمَت في إنتاج التخلَف طوال قرون عديدة.. وإلى يوم الناس هذا؟!)

يجيبونك بطريقة أولمبية تفيض على المحيطات واليابسة معاً:

- (إن المسألة تحتاج إلى تأن في البحث وإلى صبر في التمحيص وإلى ترو في الاستنتاج.. وما إلى ذلك من الرّقاعة الأكاديمية التي باتت تدعو للضحك والسخرية أكثر مما تدعو له الأدبيات الفذة لكبار الساخرين الكونيين!

في سياق تحاليلهم المكرورة لظاهرة التخلف العربي الإسلامي تأتي السلطة السياسية العربية، ممثلة في الأنظمة المتنوعة، ككبش فداء أي كمصدر أساس لهذا التخلف المستديم الذي يكاد يكون هوية جديدة لعرب القرن الحادي والعشرين!!

لا أحد من هؤلاء المثقفين يجرؤ على تصريف هذه السلطة (على الأقل كما يصرف النقود) كأن يقول -مثلاً- إنها تتركب من الأحزاب والموظفين والعساكر والعشائر.. ومن جزء غير يسير من المثقفين الذين تتلخص مهماتهم -عبر العصور- في تبرير تسلط السلطة ومحاربة التفكير الحر عبر التكفير السياسي والديني.. في آن!

ولو كان الأمر يتعلق بقلة جرأة، فحسب، لأمكن لنا رد الخوف إلى الطبائع البشرية حيث لا حرج في أن يكون المرء خوافا وجبانا حتى وإن كان مثقفا يدعو إلى (الخروج عن السائد) و(هتك الحجب) و(التحليق في مناطق الرعب) وما إلى ذلك من الشعارات المهددة بقرب الخلاص البشري.. غير أنه خوف شبيه بالتقية على حد تعبير عبدالرحمن بن خلدون.

ومعلوم أن مثقفا منهجه التقية هو أقرب إلى الحس العام والنفاق المشترك منه إلى مناطق الإشراقات والشوارد.

في كتاب (الخوف من الحرية) يشير الطبيب البرازيلي ذو النزعة الإنسانية (باولو فراري)، إلى أن هذا النوع من المثقفين يتحصن بكمية لا حصر لها من الاعتبارات والاحتياطات والمحاذير قصد تعطيل حرية التفكير القادرة بمفردها، على تأمين وثبة فعلية باتجاه التحرر باعتباره غاية، من ناحية، وإرادة أولانية.. من ناحية أخرى.

والمتأمل في مجمل سلوكيات وأدبيات هذا النوع من مثقفينا العرب يلاحظ بيسر أن أطروحاتهم تصب كلها في محاربة المغامرة والتجريب خوفاً من حرية قد تعصف بمكتسباتهم السابقة باعتبارهم وسطاء معرفة لا ينتظرهم أي غد منقشع السحب.

لذلك تراهم يميلون إلى التعميم بدل التخصص وإلى اختلاق (برابرة من الخارج) قصد التستر على (برابرة الداخل) كل ذلك في إطار أساليب بلاغية من القرون الوسطى وصراخ لا يضفي أي وقار على أي تحليل.

لقد أصبح مجرد السفر مع هذا الصنف من المثقفين لحضور تظاهرة أو مهرجان ثقافي، في هذه العاصمة أو تلك من بلاد العرب الواسعة، يمثل نكدا بالغ الأهمية يتحتم تجنبه.

كما أصبحت تلك التظاهرات والمهرجانات التي يحضرونها شبيهة بجنائز فاخرة يتقدم فيها الآكل على الفكر، والنفاق على الصراحة، والتسوق على جدية ما يسمى بالبحث العلمي!!

إنهم خائفون من الحرية.. وكفى!

تونس

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة