Culture Magazine Thursday  23/04/2009 G Issue 280
الثالثة
الخميس 27 ,ربيع الثاني 1430   العدد  280
إمضاء
الوفيّ

 

ذاكرة وفاء نادرة مثلما هو ذاكرة ثقافية ممتلئة، ابتدأ بالتأليف متأخراً، لكنه كان شاهداً على الساحة الثقافية - بما فيها ومن فيها - مبكراً؛ فعرف المظاهر، وقرأ الظواهر، واهتم بالحكايات المعلنة والخفيّة حتى بات مرجعاً لا في القضايا الأدبية والصحفية فحسب بل حتى في الأمور الشخصية.

عاصر الأنشطة الثقافية من خلال عمله في رعاية الشباب، وأشرف على نشر سلسلة (هذه بلادنا)، وابتدأ عمله الفعلي بعدما تقاعد وانتقل عمله إلى مكتبة الملك فهد الوطنية فصار مديراً لشؤونها الثقافية، ومسؤولاً عن مركزها للتأريخ الشفهي؛ فسجّل ساعات طويلة مع شهود مراحل التأسيس السياسي والإداري والثقافي والاجتماعي في المرحلة الحديثة، وامتازت التسجيلات بقول ما لم يُقل؛ فبقي أن يتيسر لها النشر حين تنتهي الفترة المحددة لسريتها أو يزول الحرج بشأن الإعلام بها خلال حياة أربابها.

محمد عبد الرزاق القشعمي (1363هـ) من مواليد الزلفي، ويعيش في الرياض، لكنك تراه في نجران والقطيف وتبوك وحائل وبريدة وشقراء وجدة والباحة فكأنه منها، بل ربما بدا أعرف من أهلها بشؤونهم الثقافية: أسماء ومسميات.

أبو يعرب لا يعنيه التحليل والتعليل وإن اهتمّ بالتدليل؛ فمؤلفاتُه مكثفة بالمعلومات، وهي (المادة الخام) لمن شاء أن يقدم بحثاً علمياً منهجياً، فسيجد فيها كل شيء حول الموضوع الذي يدرسه، وقد زار (طه حسين 1889- 1973م) المملكة عدة أيام فامتلأ كتاب القشعمي حول الزيارة بمئات الصفحات التي رصدت كل ما قيل عنها قبل الزيارة وفي أثنائها وبعدها ما يصلح نواة لبحوث أكاديمية تركز على جزئيات يكتشفُها المختصون، والأمر ذاتُه لو قرأنا كتبه في البدايات الصحفية، والشخصيات الأدبية التي تصدى للتأليف فيها وعنها.

لعل العلامة الفارقة الأكثر جودة في سيرة الأستاذ القشعمي وفاؤه لرمزنا الكبير الأستاذ عبد الكريم الجهيمان حتى صار رفيقه في السفر والحضر، وسبب إخراجه من عزلته الاختيارية، ومحفزاً على تكريمه في المدن التي رتب له زيارتها، والأمر ذاتُه مع أستاذ الجيل عبد الله عبد الجبار؛ حيث أشار الأستاذان محمد سعيد طيب وعبد الله الشريف إلى جهود القشعمي في مقدمتهما للأعمال الكاملة للأستاذ الكبير.

ومن المشاهد الجميلة في حياة أبي يعرب أنك تجده في كل مكان ثقافي؛ لا يثقله السفر، ولا يضنيه السهر، ولا يؤرقه أن يشرق ويغرب، ويركب الطائرة أو السيارة؛ فهو حاضر هنا وهناك، وهو قريب من هذا وذاك، وعلى الرغم من ذلك فهو لا يحمل هاتفاً نقالاً، ولا يتعامل (شخصياً) مع البريد الإلكتروني، حتى إذا سألته عن اسم أو رسم أتاك بالتفاصيل التي لا يعرفها إلا الأدنون بل أدنى الأدنين.

الوفيّ يستحق الوفاء.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة