ألف ريال سعودي هو ثمن شاعر الفصحى اليوم في مملكة الخير والعطاء، وذلك ليس بفعل الدولة لا قدر الله، أو وزارة الثقافة والإعلام لا قدر الله أيضا، بل بفعل أناس يرون أنفسهم فوق الشعر والشعراء.
لقد فرحت كثيراً عندما دعاني من يحبني، وهو ليس برئيس للنادي الأدبي في الرياض، لإحياء أمسية بعد غياب بمناسبة يوم الشعر العالمي، أو ما يشبه ذلك، وسعدت بصحبة الشاعر الأديب فعلاً وقولاً حسن السبع، حسَن الخلق.
لقد امتلأت القاعة كما لم يحدث منذ أزمان، وجوه محبة كبيرة كالشهيل والحازمي والأحمدي والأشقر، ووجوه شابة كالعنزي بدر، والطويرقي طارق، والخلف فادي، وغيرهم كثر من محبي الشعر، بينما غابت أسماء من أعضاء النادي نساء ورجالاً، نعرف سر غيابهم المتعمد، وربما نحسن الظن فلا نعرفه.
في طريق مغادرتي، بعد وداع الأحبة، استوقفني رجل محترم لا أعرفه، وأهداني حقيبة عرفت أنها تحمل بعض إصدارت النادي، ومظروفاً أكد علي بلطف أن لا أهمله، فهو مهم كما أكد.
ودعت الجميع والرياض تمطر شعراً، ومطراً حقيقياً، وما أجمل مطر الرياض لمن عاشه العمر.
المهم أنني وأنا في سيارة صديقي عمر الصالح الذي تكفل بإيصالي وعودتي، فتحت المظروف المؤكد لي على أهميته، فإذا هو عبارة عن خطاب شكر من النادي فشكرتهم من قلبي، وشيك اضطررت لإعادة تنظيف نظارتي لأتأكد من رقمه الهائل، فلقد فاجأني الرقم بالفعل لهوله: ألف ريال فقط لا غير، ولا أعرف سر هذه الجملة التي تعودنا على كتابتها هنا، مع أنها بالفعل ألف لا غير. ولا يذهبن ظنكم بعيداً.. نعم فهي ليست 10000 آلاف مثلاً، قد أخطأت لجهلي قراءتها، بل هي هي بعينها ألف يتيمة.
قلت لصاحبي وقد انطلق عبر شوارع الرياض مستغرباً دهشتي: فلنعد للنادي لأعيد لهم شيكهم، قال لا ما عهدتك هكذا، فقلت لنفسي أمزّق الشيك، ثم قلت لا، فلأبعثه مع خطاب إلى معالي وزير الثقافة والإعلام، ثم استدركت حسب التراتب فقلت أبعثه لحبيبنا وأستاذنا الدكتور عبدالعزيز السبيل وكيل الوزارة للشؤون الثقافية.
أحس بي صاحبي فقلت له لم أسرح بعيداً، لكن ألف ريال يمكن أن تعطى لسائق، أو عاملةٍ في منزل، مع احترامي لكل مهنة شريفة، وكذلك احترامي لاغترابهم وعرقهم الذي يدفعونه ثمناً لأسرهم النائية الفقيرة، ثم قلت: لو تفضل النادي فأكرمني بالخطاب فقط، أو بدرع تذكاري لكان أحفظ لكرامتي وكرامتهم.. ولدعوت لهم بطول العمر والبقاء رعاة للثقافة.
أغمضت عينيّ على تعبٍ ليلتها، ثم هاتفت الدكتور الشاعر النبيل عبدالله الوشمي صباح اليوم التالي معاتباً، فعلمت أن لا شأن له بذلك. ويبدو كما يبدو أننا كلنا لا شأن لنا بذلك، لأننا وصلنا إلى ما هو (أتحت) - كما يسخر بعض الأصدقاء من تحت- من ناحية الثقافة وتكريم أهلها.
ولكي لا يرتفع الضغط كما أوصاني حكيمي ابتسمت فقلت إنه إذا كان ثمن الشاعر ألف ريال فبارك الله بالخرفان وأضاحي العيد.. ومن الجدير بالذكر هنا، ومن الحق أن أعترف بأنني قررت صرف الشيك في النهاية، علّني أبتاع بألْفِهِ موسوعة، تعينني باتساعها على ضيق أفق هذا العالم.
كلّ شعر، أو يوم شعر عالمي، وأنتم أعلى (وأغلى).
* * *
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5182» ثم أرسلها إلى الكود 82244
الرياض
mjharbi@hotmail.com