Culture Magazine Thursday  23/04/2009 G Issue 280
فضاءات
الخميس 27 ,ربيع الثاني 1430   العدد  280
رفيف
العيش في الثقوب..!!
د. فاطمة الوهيبي

 

كنت أقرأ مقابلة ممتعة مع الفيلسوف الفرنسي جيل ديلوز وسأشرك القارئ معي ببعض الأفكار المثيرة والممتعة. يقول جيل ديلوز في هذه المقابلة: ألفت كتابي الأول باكرًا ثم لا شيء لطيلة ثماني سنوات. مع ذلك أعلم ماذا كنت أفعل، أين وكيف أعيش خلال تلك السنوات. لكني أعلم ذلك على نحو تجريدي، كما لو أن شخصًا آخر يقص عليّ ذكريات أصدقها, لكنني لا أملكها حقًا، كما لو أن هناك ثقبًا في حياتي، ثقبًا بثماني سنوات. هذا ما يبدو لي مهمًا في حياة الأشخاص، إنها الثقوب التي تحتوي عليها والثغرات المأساوية أحيانًا، لكنها ليست كذلك أحيانًا أخرى. تحتوي حياة أغلب الناس على هذه التجمدات وعلى أنواع من السرنمة. ربما في هذه الثقوب تتكون الحركة؛ ذلك أن السؤال هو: كيف نصنع الحركة؟ كيف نخترق الجدار كي نكف عن صدم رؤوسنا؟.. فإذا نحن لم نتحرك كثيرًا, ولم نتحدث كثيرًا, قد نتجنب الحركات الخاطئة ونقيم حيث لا توجد ذاكرة. هناك قصة جميلة ل Fitzgerald فيها شخص يتجول في المدينة بثقب عمره ست سنوات.

هذا هو ديلوز المدهش الذي يُسمّى الفيلسوف المترحل على الرغم منه أنه يقول عن نفسه إنه لا يحب السفر فمن وجهة نظره (التحرك يفزع الصيرورات) هذا الذي هو ضد التحرك الكثير أو الترحل الكثير يستشهد بمقولة لتويني يقول فيها: الرُحّل هم الذين لا يتحركون, ويصبحون رُحلاً لأنهم يرفضون الرحيل. ديلوز هذا رغمًا عن ذلك سمي بالفيلسوف المترحل على الرغم من عيشه في الثقوب بلا ذاكرة، تلك الثقوب التي تتحول إلى شرارة الحركة والتحول والاختراق كما قال.

من عباراته الجميلة في هذه المقابلة والمرتبطة بالفكرة أعلاه، التحرر من الذاكرة في السرنمة والتجمدات والثقوب يقول: للمثقفين ثقافة مدهشة, فلهم رأي في كل شيء. ولست مثقفًا لأنني لا أملك ثقافة جاهزة، ليس لي أي ذخيرة. ما عرفت شيئًا إلا لألبي ضرورة يمليها عمل راهن. وإذا ما عدت إلى نفس الأمر بعد سنوات عديدة يجب علي أن أتعلم كل شيء من جديد, إنه لأمر ممتع ألا تملك رأيًا ولا فكرة حول هذه النقطة أو تلك.

ولست أدري لماذا حضرت إلى ذهني صورة المعلبات الجاهزة، وهو يتحدث عن الثقافة الجاهزة، وتخيلت كم المثقفين وهم يتبرعون لك بآرائهم بمناسبة وبدون مناسبة في معظم الشئون, وكأنهم يفتحون علب طعام جاهزة معدّة سلفًا، بعضها يحتاج إلى تجهيز خفيف، أو إنضاج، أو تسخين، وبعضها يصلح للرمي لأنه فاسد أو قد انتهت مدة صلاحيته، وبعضها يصلح فقط للتسميد أو لتسميم التربة والمخلفات!.

* * *

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7845» ثم أرسلها إلى الكود 82244

الرياض Rafef_fa@maktoob.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة