Culture Magazine Thursday  23/04/2009 G Issue 280
الملف
الخميس 27 ,ربيع الثاني 1430   العدد  280
« المجلة الثقافية » ترصد آراء المثقفين في اليوم العالمي للكتاب
الكتاب في يومه: فاصلة أم نقطة في آخر السطر!

 

الثقافية - خلود عبدالله العيدان

هل أصبح نيسان شهراً للأيام العالمية، ففيه ما يقارب الثلاثة عشر يوماً منها يوم للأرض ويوم للصحة ويوم للرقص أيضاً، يوافق يومنا هذا اليوم العالمي للكتاب، وتسلط (الثقافية) الضوء عليه، ملتقطةً صوراً من تاريخه وساعية للحاق ببعض حاضره! رصدت آراء نخبة من الكتاب والشعراء والمثقفين في المملكة والعالم العربي، مستعرضة تأييدهم، رفضهم، ذكرياتهم وتنبؤاتهم بمستقبله!

مقايضة الورود!

منذ ستة وثمانين عاماً، وفي العام 1923م اتخذ بائعو الكتب في إقليم كتالونيا بأسبانيا هذا اليوم وسيلة لتكريم ميغيل دي سيرفانتس الروائي والشاعر والكاتب المسرحي الإسباني الذي توفي في اليوم نفسه عام 1616م، وبعد عامين من إحياء هذا التكريم الذي يتزامن مع عيد القديس جورج حيث اعتاد المحبون إهداء حبيباتهم ورودا في هذا اليوم، إلا أن فتيات كتالونيا أصبحن يهدين من يحببن (كتباً) مقابل الورود! وبهذا التقليد وصلت المبيعات نصف السنوية في كاتلونيا للكتب لأكثر من أربعمئة ألف كتاب مقابل أكثر من 4 ملايين وردة!

العاصمة التاسعة

اختيرت بيروت عاصمة عالمية للكتاب لهذا العام، وتعتبر بذلك ثاني مدينة عربية يقع عليها الاختيار بعد الإسكندرية عام 2002م، وقد بدأت سلسلة العواصم العالمية بمدريد الأسبانية2001، نيودلهي الهندية 2003م، أنفير البلجيكية 2004م، مونتريال الكندية 2005م، طورينو الإيطالية 2006م، بوغوتا الكولومبية 2007 م وأمستردام الهولندية 2008م.

المرة الأولى

احتفلت اليونسكو للمرة الأولى باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف عام 1996م وها نحن اليوم نحتفل به للمرة الرابعة عشر ويشترك به أكثر من مئة دولة حول العالم. كان الاحتفال الكتالوني سبباً كما أن ذكرى مولد أو وفاة كتّاب عظام في نفس اليوم كانت سبباً أيضاً، أمثال وليام شيكسبير، إنكا دي لافيجا، ميغيل دي سيرفانتس وغيرهم، العالم كله يجمع على إحياء يوم الكتاب العالمي في هذا اليوم عدا المملكة المتحدة وإيرلندا التي تحتفل بيوم الكتاب في الخامس من مارس!

* لعبة افتراضية تشارك!

قامت (أمل الشعوب) و على مدار أسبوعين ابتداء من الثلاثاء الماضي بتوزيع هدايا على اللاعبين فيها وبعث رسائل تذكرهم باليوم العالمي للكتاب تحثهم على القراءة والمطالعة. و(أمل الشعوب) هذه ليست إلا لعبة جماعية افتراضية على الإنترنت، تم تعريبها بما يتناسب مع قيم المجتمعات العربية حسبما ذكرته الشركة القائمة عليها شركة قيم 7 في الشرق الأوسط اللندنية، وتعتبر هذه اللعبة حسب الموسوعة الحرة (ويكيبيديا) أول لعبة عربية جماعية!

حملة من أجل المتعة

أطلقت مجموعة الأيام العالمية على شبكة الانترنت حملة عبر facebook تحمل شعار (القراءة من أجل المتعة) تزامناً مع الاحتفال بيوم الكتاب العالمي، وتهدف الحملة إلى تشجيع كل فرد عربي وخصوصاً الأطفال والشباب والفتيات على تخصيص ثلاث ساعات أو أكثر أسبوعياً للاستمتاع بالقراءة، وقد وصل عدد أعضاء المجموعة 2.043 عضو منذ إنشائها.

بين اليوم واللقب

يتزامن مرور اليوم العالمي للكتاب هذا العام مع حمل القدس للقب عاصمة الثقافة العربية، وقد أعلنت اللجنة الوطنية العليا للقدس عاصمة الثقافة العربية 2009 أنه سيتم إصدار أول كتاب مطبوع للدكتور ناهض الريس بعنوان (القدس بين زيف القانون الإسرائيلي والقانون الدولي) من قبل اللجنة وذلك بمناسبة اليوم العالمي للكتاب. وأشارت اللجنة الوطنية إلى أنه سيتم إرفاق نسخة مجانية من الكتاب على الموقع الإلكتروني للقدس عاصمة الثقافة..

الكونجرس والإسكندرية

أطلقت اليونسكو الثلاثاء الماضي مكتبة رقمية عالمية بسبع لغات من ضمنها (العربية)، وأعد محتويات المكتبة فريق من مكتبة الكونجرس بمساعدة تقنية من فريق عمل من مكتبة الإسكندرية في مصر. وساهم بتقديم المحتوى مكتبات وطنية ومؤسسات ثقافية وتعليمية في بلدان عديدة من ضمنها السعودية، العراق، مصر، المغرب وقطر.

كندل وثورة أمازون

ذكر الدكتور محمد حامد الأحمري الكاتب والمفكر الإسلامي أننا نحتاج أن نعرف في هذا الزمن معنى الكتاب، فقد تغير الزمان وتغير التعريف، فإن كان المقصود فكرة الكتاب وهو نص طويل يعبر فيه كاتبه عن أفكاره أو عن مشاعره أو ينقل معلومة أو صورة مما كان يعرف بنقله عبر الورق المتعارف عليه إلى السنوات الأخيرة فإن فكرة الكتاب باقية ولا خطر عليها، ولكن الخطر والتحول سيكون على وسيلة الكتاب فالكتاب الورقي يشهد تحولا كبيرا لأسباب منها أن الكتاب الإلكتروني الجديد على أشكال عديدة مثل الجهاز القارئ الذي حققت فيه شركة أمازون ثورة كبيرة بعرض النسخة الجديدة من جهاز كندل الذي يمكنك وضع الكتب عليه وقراءتها وتحميل ما تريد شراءه من كتب ومجلات ومواقع ومدونات وجرائد، أو نسخة سوني الموجودة من قبل فإن شكل الكتاب تغير ولكن لم تتغير مسألة إقبال الناس عليه.

وأضاف أن الكتاب الورقي لم يتراجع أبدا ويكفي أن نعلم أن كتاب للأطفال هو هاري بوتر بيع منه في السنوات الثلاث الأولى ما يزيد عن مائتين وخمسين مليون نسخة، والكاتب الناجح في العالم الغربي يصبح بعد رواية واحدة أو كتاب من الأغنياء.

وأكثر المثقفين والسياسيين والتجار عندهم ولع متزايد بتسجيل خبراتهم وآرائهم عبر الكتب، والكتب القديمة لا تغيب عن الأسواق، لا عند العرب ولا عند غيرهم، فعندنا الإقبال على الكتب القديمة مستمر، وشهدنا مثلا طبعة جديدة وجميلة محققة لكتاب الأغاني تحقيق إحسان عباس، وهكذا النصوص القديمة أما الغربيون فهم أشد ولعا بما يسمونه الكتب المدرسية أو الكلاسيكية بل كتب اليونان القديمة ما زال الغربيون يترجمونها ترجمات جديدة معاصرة، وهكذا كتب الدين والتاريخ القديمة.

الاختراعات لا تقضي على سابقتها

كما أشار إلى أن الاختراعات أحيانا لا تقضي على سابقتها، ففي المدن المزدحمة اليوم وفي بعض الدول المتقدمة لم يفقد الراديو دوره، ومزاحمة التلفاز لم تنه وجوده وكذا الجرائد بعضها تحولت إلى الانترنت والمجلات الأسبوعية ولكن لم تغب، فشكل الكتاب الجديد قد يتغير ولكنه لا يغيب والشكل الذي نعرفه لا خطر قريب عليه.ورئيسة تحرير مجلة الناشر الأسبوعي (ببلشر ويكلي) قدمت محاضرة سخرت فيها ممن يقول انتهى عصر الكتاب وقدمت الأرقام الهائلة التي تدل على أن الكتاب بخير وفي ازدياد وأمامنا معارض الكتب العربية خير شاهد.

لا أحترم الأيام العالمية

عبر الأستاذ عبدالله الكعيد الباحث والكاتب عن رأيه بقوله: أنا لا أحترم تلك الأيام المرسومة والموسومة بمناسبة ما أراها تسويقيّة أكثر مما هي منسوجة بحبكة متينة لتكريس قيمة معينة فماذا يعني أن يكون هناك يوماً في العام للأم على سبيل المثال؟؟ ألا يُفترض أن تكون الأم هي الحاضر الأهم في كل لحظات حياتنا؟؟ وعلى هذا سيكون قياسي حول الكتاب ذلك المنبع الذي لم تُضعف مكانته كل مخترعات الكون منذ تم اختراع طريقة كتابة الحرف، لهذا حين نُخصص يوماً عالمياً للكتاب كأننا نقول لأجيال التقنية والديجتل وسيطرة الحاسوب: لو سمحتم هُنالك يوماً للكِتاب فهلاّ أعرتوه جُزءاً من اهتماماتكم..؟؟ حسناً هل نلعن الفكرة ونرفضها؟؟ بالطبع لا فهي أضعف الإيمان لما يُمكن فعله من أجل تسويق الكتاب وبالتالي القراءة ولكن أليس الأولى أن نهتم ببرامج مستدامة لغرس أهمية الكتاب في إيصال المعرفة والمعلومة والأفكار والثقافات بدلاً من يومٍ هزيل قد يُنسى بفعل حدث عولمي يلوي أعناق البشر نحوه؟؟ لو اتفقت معكم بيوم الكتاب محليّاً أو عالمياً سأسألكم سؤالاً في وقت تبادل الأدوار، ماذا تتوقعون من فعاليات محليّة في ذلك اليوم العالمي؟؟ أترككم لليوم العالمي للكتاب وعندها سنتكاشف.

حلم التفرغ

الأستاذ يوسف المحيميد الكاتب والروائي تساءل عن ماذا يمكن للمرء أن يقول بمناسبة اليوم العالمي للكتاب؟ وهو يتذكّر حال الكتاب العربي؟ وأوضاع النشر المزرية؟ وإهمال القراءة؟ وضعف الترجمة؟ فالعالم أجمع يذكّر بالكتاب في العالم، رغم أن الكتاب في الغرب لم يزل زاداً يومياً للإنسان هناك، لا يمكن أن تخلو محطة انتظار قطار أو حافلة، دون عشرات بل مئات القرّاء المنهمكين في كتبهم ورواياتهم الصغيرة، هذا الأمر يجعل من مجرد مؤلف طبع كتابه الأول أو الثاني، قادرا على التفرغ للكتابة، أي أن يكون كاتبا محترفا، بينما في تاريخ التأليف العربي، حلم عشرات الكتّاب -لعل أبرزهم النوبلي الراحل نجيب محفوظ- بأن يتفرغوا للكتابة، لأن ذلك يجعل الكاتب في حضور ذهني رائع، خلافا لأن يكون لدية وظيفة أخرى، أو حتى أكثر من وظيفة..

مشلح أمين المكتبة

وأضاف في هذا اليوم العالمي للكتاب، أقول للقارئ العربي، لن تتجاوز عثراتك النفسية وأزماتك الإنسانية دونما قراءة، فاجعل الكتاب جليسك الدائم، وأقول للقراء، كونوا أمة تأتمر بأول كلمة منزلة: اقرأ، وأقول للناشر العربي، حين تذهب إلى معارض الكتب في فرانكفورت ولندن، لا تفكّر ببيع نسخ محدودة كعادتك، ولا تفكّر كيف تغرر بالكاتب العربي وتسرق جهده، بل فكّر كيف تبني دارك بأسماء مؤلفيك، كيف تسوّق كتبهم جيداً، كيف تغري القارئ بالإقبال على كتبك، كيف تتجاوز محيط القارئ العربي، وتسوّق كتبك أيضاً إلى الغرب عبر وسيط الترجمة، وأقول للمؤسسات الحكومية ووزارات الثقافة العربية، بأن تشجيع الكتاب ليس في دعم المؤلف وترك كتبه في المخازن، بل في جعلها في متنأول الناس، وتوزيعها على طلاب المدارس والجامعات، فنحن بحاجة إلى جعل الكتاب مع الناس كما الخبز اليومي، فالأمم لا تتقدم ولا تتطور، ولا تتجه بصلابة نحو التحديث، إلا بالكتاب والقراءة والمعرفة الإنسانية الشاملة.

مازلت أتذكّر سيدة بريطانية، تعمل أمينة مكتبة، كيف كانت تزور الحدائق العامة، وتلتقي بالأطفال هناك، وتحاورهم، ثم تقص عليهم بعض القصص الممتعة، وحين تصل إلى ذروة التشويق في القصة تتوقف، وتقترح على من يريد معرفة بقية القصة، بأن يحضر إلى المكتبة، بعد أن توزع عليهم بطاقة التعريف الخاصة بها، كي يزداد رواد المكتبة يوما عن يوم، فكم من أمين مكتبة عربي يستطيع أن يفعل ذلك، أن يخلع مشلحه وينزل إلى الشوارع والحدائق؟ كم منهم من يستطيع أن يغادر مكتبه الوثير ويفعل مثل هذه السيدة النبيلة؟ كي يعيد الناس والأطفال إلى القراءة؟ لا أحد، كما أظن.

طللٌ، ورقشٌ، ووشم

الدكتورة شهلا العجيلي الكاتبة وأستاذة نظريّة الأدب والأدب العربيّ الحديث في جامعة حلب قالت: طالما قلنا إنّ الكتابة فعل مقاومة، متجاوزين القراءة، التي هي فعل مقاومة أوليّ وشعبيّ، فبالقراءة نقاوم حواجز كثيرة، وضلالات كثيرة، وبالقراءة نقاوم كلّ من يستبدّ بنا حبّاً، أوكرهاً!

ارتبط مفهوم الكتاب في عقلي بالشعر، لعلّها العلاقة بين الشفويّ والمدوّن، إذ حفظت الشعر في صغري، قبل أن أتعلّم القراءة، ثمّ كان أول ما قرأته شعراً، فانبنت الجدليّة على ذلك، لكنّ فكرة القراءة تحوّلت، في مرحلة لاحقة، إلى فكرة مقاومة (الفقد)، إذ ارتبطت مرّة أخرى، وبسبب الشعر، بالطلل. فإذا كان الطلل عند العربيّ صورةً للنقش في لوح أو صحيفة، فإنّ النقش تحوّر في نفسي إلى استعادة للمفقودات، أي مقاومة للفقد، مثله مثل الوشم، الذي يرتبط بهذين الرمزين أيضاً، فشكّلت الرموز عندي ثالوثاً، لاشكّ في أنّه من صنيع الجينات الثقافيّة العربيّة، ومكوّناته: الطلل، والكتابة أو الكتاب، والوشم. وما زلت كلّما صفوت إلى كتاب، خطر في بالي بيتان من الشعر، بيت المرقِّش الأكبر الذي يقول فيه:

الدارُ قفرٌ والرسومُ كما

رقّشَ في ظهر الأديمِ قلم

وبيت الحارث بن حلّزة اليشكري الذي يقول فيه:

لمن الديار عفون بالحبس

آياتُها كمهارق الفرسِ

أسلحة بيضاء!

وأضافت سأتجاوز الكلام في هذه المناسبة الغرّاء، اليوم العالميّ للكتاب، عن أهميّة القراءة، وعن قدسيّة الحرف، إلى علاقتي النفسيّة مع الكتاب، والتي ألخّصها في مظاهر ثلاثة: الأول هو أنّني لم أجرؤ يوماً على أن أضع كتاباً على الأرض قطّ، مهما نؤت بحمله، إذ أخشى من أن أستهين بفكر الناس، أو جهدهم، أو وقتهم. والثاني: هو أنّني لم أكتب في كتاب مكتوب قطّ، ولم أضع خطوطاً وملاحظات على كتب كتبها الآخرون، كما أنّني لا أعرف القراءة في كتب كتبت عليها ملاحظات الآخرين، ووضعت عليها خطوطهم. والثالث: هو الضغط النفسيّ الذي أعانيه حينما أقرأ في كتاب من مكتبة أحد الراحلين الشخصيّة، لاسيّما إذا كان موسوماً بإهداء من المؤلّف إلى ذلك الراحل.

أودّ أن أستثمر هذه المناسبة، اليوم العالميّ للكتاب، لأشكر كلّ من أهدى إليّ كتاباً! فأولئك، من حيث علموا أو لم يعلموا، قدّموا إليّ أسلحة بيضاء، أقاوم بها الاستبداد والفقد، وأخصّ بالشكر: العالم الجليل الأستاذ الدكتور صلاح كزّارة، أستاذ فقه اللغة، وعلم اللغة في جامعة حلب، لأنّه لا يرضى إلاّ أن يكون في مكتبتي طبعات كتب التراث النادرة، والمحقّقة على أيدي الثقاة من المحققين، إنّه يأتي لي بها من كلّ فجّ عميق، وقد أهداني، أمس فقط، نسخة نادرة من (الإمتاع والمؤانسة) للتوحيدي، ونسخة نادرة من (رسائل أبي العلاء المعري)! وأقدّم الشكر الجزيل للروائيّ العراقيّ عبد الرحمن مجيد الربيعي، لأنّه فاجأني باشتراك في مجلّة (الحياة الثقافيّة) الصادرة عن وزارة الثقافة في تونس. لقد أسعدتني هذه المبادرة سعادة بالغة، فهي هديّة جارية لا تنقطع! كما أشكر طالباتي في قسم اللغة العربيّة إذ قدّمن إليّ في عيد المعلّم مجموعة من أحدث الروايات العالميّة الصادرة مؤخّراً!

الأحاسيس الثلاثة!

كما أكدت أن لاشكّ في أنّ الذي يهديك كتاباً يكون قد احتفظ لك في نفسه بمكانة رفيعة خاصّة، لكنّ الذي يصيبك، من الحبّ، في مقتل هو أن يؤلّف مبدع كتاباً ويهديه إليك موسوماً باسمك الشخصيّ، لذا فإنّي أعجز عن شكر الأستاذ الدكتور مصلح النجار أستاذ الأدب العربي الحديث في الجامعة الهاشميّة، زوجي، إذ أهدى إليّ شخصيّاً، كتابه البديع (السراب والنبع) - بحث في الشعريّة العربيّة في النصف الثاني من القرن العشرين!

لا أكتم سرّاً إذ أقول إنّ الإحساس الذي لا يُدانى هو أن تؤلّف أنت الكتب، فتهديها إلى الذين تريد أن تعترف بفضلهم، وقد منّ الله عليّ بأن أعيش هذه التجربة، فأهديت والديّ كتاباً، وأهديت كتاباً إلى أستاذي الجليل الدكتور فؤاد المرعي، أستاذ علم الجمال في جامعة حلب، والذي أشرف عليّ في الماجستير والدكتوراه، ولابدّ من الإشارة إلى أنّني تعمّدت أن تخلو كتبي الإبداعيّة من الإهداءات، إذ خشيت فيها من تأويل الإهداء، بوصفه عتبة من عتبات النص.

أرجو أن أ متلك ما يمكّنني من أن أضع المزيد، فأهدي كتباً إلى من تتوق نفسي إلى أن أردّ جميلهم، أو إلى من لا يكفيني أن أحكي شغفي بنبلهم، إلاّ كتب تقدّم إضافات نوعيّة، وتحدث فروقاً، ولا يرام من وراء وضعها سوى مقاصد رفيعة، وكلّ عام وأنتم بخير!

تآكل تدريجي وآثار مشيب!

أشار الدكتور سعود كاتب، كاتب ومؤسس الموقع العربي الأول للإعلام الجديد إلى أنه عندما نحتفل بعيد جديد للكتاب بكل روعته ورونقه وبهائه فإننا في نفس الوقت لا بد أن نجد مكانا في صدر قاعة ذلك الاحتفال لنعلق فيه:

لكل شىء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان

هى الأمور كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان

وهذه الدار لا تبقى على أحد و لا يدوم على حال لها شان

فالكتاب المطبوع الذي ساد وحكم قرونا طويلة بدأت تظهر عليه أثار المشيب, وحتى لو لم نقل بأن نهايته باتت وشيكه باعتبار أنه لا زال متربعا على عرش الثقافة إلا أننا بدأنا نرى على مرآى أبصارنا ملامح فارس جديد يدنو بسرعة نحو ذلك العرش ويسقط في طريقه الضحايا الواحد تلو الآخر، فالموسوعات المطبوعة المكونة من آلاف الصفحات في عدد كبير من المجلدات الضخمة هوت وتلاشت وحل محلها قرص مدمج واحد بمزايا اكبر بكثير من تلك المجلدات ضخمة الحجم وفي نفس الوقت سعر ارخص بكثير, ناهيك عن مواقع الموسوعات على الانترنت المتاحة للجميع والقابلة للتجديد في أي لحظة مشتملة على معلومات لا حصر لها تعجز الموسوعات التقليدية المطبوعة عن مجاراتها أو استيعابها وذلك مثل الوسائط المتعددة كالصوت والصورة ولقطات الفيديو ونقاط الربط وسواها.

تأبين للمطبوع وفوز للإلكتروني..

وأضاف ضحية أخرى مطبوعة بدأت معاناتها في الظهور هي الصحافة الورقية التي بدأت في الانحسار ببطء ولكن بانتظام أمام الصحافة الالكترونية وليس أبلغ من مثال الكريستيان ساينس مونيتور العريقة التي توقفت نسختها الورقية عن الصدور بعد أكثر من مئة عام ليحل محلها صحيفة إلكترونية أقل تكلفة وأكثر مزايا و أرباح. فحتى الكتاب المدرسي لم يسلم وبدأت كثير من المدارس بإحلاله بكتب إلكترونية شيقة وشاملة وأسهل في الحمل والنقل.

إنها عملية تآكل تدريجي لكل ما هو حبر وورق.. تآكل تدريجي أساسه الجيل الجديد من القراء الذين أصبحوا يفضلون استقاء معلوماتهم عن طريق شاشات الكمبيوتر بدلا من صفحات الكتب والصحف والمجلات.

في كل عام نجد أن حجم المساحات المخصصة للكتب الإلكترونية في معارض الكتاب يتضاعف بشكل كبير ويتم إيلاءه اهتمام أكبر.إنها مسألة وقت لتتحول معارض الكتاب المطبوع وأيامه العالمية إلى حفلات تأبين وذكرى ويوضع التاج على رأس ذلك الفارس الشاب بمزاياه الرقمية التفاعليةالمتحررة من قيود الرقيب وحدود الجغرافيا.

القضية تكامل

وعبر الأستاذ حمد القاضي الكاتب وعضو مجلس الشورى عن ابتهاجه الغامر لتخصيص يوم عالمي للكتاب، وتساءل عمن التفت مشكوراً إلى (الكتاب) في ظل ثورة الاتصالات وطغيان وسائط التقنية في التبادل المعرفي، كما أكد أن الكتاب الورقي سوف يبقى جنباً إلى جنب مع الكتاب الرقمي.. فليس هناك شيئ ينفي شيئاً, وليس هناك وسائط للثقافة تقضي على أخرى.

القضية: قضية تكامل, وكل عاشق للثقافة يستقيها من أي نبع سواء كان (ورقياً) أو (رقمياً)، أو (فضائياً)،أو (نقالياً) نسبة للهاتف النقال. وليس أدل على بقاء الكتاب الورقي من أن الكتاب الجيد يطبع منه عدة طبعات وتنفذ, وليس أدل من الإقبال على معارض الكتب كل عام سواء لدينا أو لدى غيرنا.., المهم أن نقدم كتاباً جيداً وسوف نجد القارئ حاضراً.

لا يحق لمثلها أن تحتفل

ذكر الأستاذ خالد الرفاعي الكاتب والمحاضر بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام أنه في يوم كهذا تتجلى لنا أمتنا في أبين صور التطفّل، إذ نراها تحتفل في يوم لا يحق لمثلها أن تحتفل فيه، وليس هذا من قبيل جلد الذات، ولكنها الحقيقة المرة، فالعالمية أضحت اليوم مفهوماً له سياقاته الخاصة في الفكر والأدب، وفي مناحي الحياة كلها، وحين نصف بها يكون الوصف ثقافياً وليس لغويا صرفاً...، وعليه فإن يوم الكتاب العالمي ما هو - في الأصل - إلا احتفال بالكتاب العالمي...، الكتاب الذي أضاف بولادته أمتاراً إلى طول الإنتاج الفكري والأدبي وما شئنا من شيء بعد... ماذا عنا نحن؟ هذا السؤال الذي يجب أن نحتفل به، أو نتباكى حوله...هل خلعنا من أنفسنا نفسا تشق طريقها إلى العالمية أم لا؟

نحن متطفلون..

وأضاف كنا قبل سنوات نسأل في مثل هذا اليوم عن غياب الترجمة من العربية إلى غيرها، وبعد أن حضرت أعمالنا مترجمة في أسواق الكتاب العالمية لأسباب اقتصادية، ابتهجنا، وأخذ بعضنا يحتضن بعضنا، ورضينا أو تراضينا على التواطؤ والتغابي، وقد كان حريا بسادتنا من المفكرين والمثقفين والمبدعين أن يسألوا في مثل هذا اليوم: ما قيمة ما تُرجم من إنتاجنا؟ هل هو إضافة إلى رصيد العالم أم أنه عالة عليه؟ و(تكريس) لتصوّراته المؤلمة عنا.

وفي مثل هذا اليوم السعيد ينبعث سؤالنا التعيس من مرقده: كيف هي حال لغتنا من بين اللغات؟ وما قيمتها في ميزان الفكر العالمي؟ وما نسبة حضورها إلى حضور اللغات الأخرى؟ وما موقعنا نحن من آلامها وآمالها؟ في مثل هذا اليوم الذي يحتفل فيه العالم بالكتاب، نحضر، وبقدر حضورنا يكون الغياب، ولذلك يقضى الأمر إذا غبنا، ولا نستشهد ونحن حاضرون.

ترتيبه في سلّم وسائط المعرفة

قال الدكتورعبدالله الفَيفي الكاتب وأستاذ النقد الحديث بجامعة الملك سعود: قد أرى، أحيانًا، في ظاهرة المعارض الدولية للكتاب، وعلى النحو القائم حاليًّا، ظاهرة تخلّف، أي أنها ما زالت تدور في فلك عصر غير العصر الذي نعيش فيه.

أسائل نفسي: علام أذهب لأكدّس عشرات الكُتب، وأخسر مئات الريالات، وبإمكاني أن أحصل على مكتبة كاملة في قرصٍ حاسوبي (سي دي)؟

ثم هل نحن في عصر المكتبة المنزليّة العامرة، التي كان التباهي بها منذ زمن، أم أن المكتبات الآن متاحة، والجامعات مفتوحة للباحثين، والإنترنت يمدّنا بما نشاء؟

أليس التباهي بأن مكتبة فلان الشخصيّة تحوي آلاف الكتب هو إرث عتيق عن مرحلة كان الكتاب فيها نادرًا، والمكتبات غير موجودة، وأوعية المعلومات مفقودة؟ إذ كانت مكتبة عالم أو أديب في بلدة ما أمرًا جدّ حيويّ، ويشكّل مرجعيّة ثقافيّة للمكان الذي المكتبة فيه.

لننظر إلى بيوت الغربيين، حتى بيوت العلماء منهم، هل تزدان بأرفف المكتبات الواسعة والمجلّدات الضخمة، أم أنها تحوي الضروري من المعاجم والكتب، ومن شاء البحث أو حتى القراءة، فأمامه المكتبات العامّة، ومراكز البحوث، ومكتبات الجامعات.

في ذمة الماضي

وأضاف: يزداد التساؤل إدهاشًا هاهنا حين نلحظ ظاهرتين في معارض الكتب العربية، بصفة خاصة أولاها أنها لا تعكس بالضرورة حيويّة ثقافيّة حقيقيّة، بل إن تلك الأسفار الكثيرة والثقيلة التي يحملها كثيرٌ من الناس من المعارض لا تُقرأ أصلاً، وإنما تجعل ديكورات في المنازل، للوجاهة الثقافيّة. وثانيها أن معارض الكتب العربيّة باتت ساحات معارك فكريّة واجتماعية، بين الرقابة من جهة والناشرين من جهة أخرى، ثم بين تيارات الجماهير بعضهم مع بعض.

وهذا يؤكّد ما ذهبت إليه آنفًا من أن الأمر ما يزال بمجمله خارج عقليّة العصر الذي نعيش فيه، عصر التقنية والنشر الإلكتروني. فهَمّ الرقابة الذي ينصبّ على منع الكتاب الورقيّ، وهَمّ الناشر الذي يصرّ على ترويج كتابه الورقيّ، لا معنى لهما في عصرٍ الكتابُ فيه لدى أطراف أصابع من يبغيه، ومجانًا، مُنعت أوراقه أو فُسحت. وصراع الجماهير حول الكتب الورقيّة كذلك ما زال صراعًا في ذمّة الماضي، فلا جدوى منه ما دامت ثورة الاتصالات الحديثة قد أضحت كفيلة بالإصلاح بين الطرفين بجعل الكتاب الممنوع أو المرغوب متاحًا لمن شاء، بلا معارض ولا خصام ولا استنفار للأمن وقوات منع الشغب!

السياسة والدين ونجوم الكرة

ويرى نبيل المعجل الكاتب الساخر أن الفارق بين المجتمع الحضاري وغيره هو مدى تعلق وتمسك المجتمع بالقراءة؟ وعندما أذكر المجتمع فأنا أسأل: هل هناك منظومة ثقافية متكاملة العناصر تبدأ من الصغر وحتى يشيخ الفرد؟ هل هناك عمل مؤسساتي متكامل في مجتمعنا يبدأ من البيت ويمر على المدرسة وينتهي (أو لا ينتهي) بمؤسسات حكومية ومجتمعية وفردية تعني بالثقافة؟ للأسف الجواب هو بالنفي لكل التساؤلات السابقة.

وهنا يبرز دور يوم الكتاب العالمي والذي هو ظاهرة حضارية تعرض فيها نماذج عديدة من ثقافات الأمم والشعوب واللغات. هناك طغيان غير مفرح لثقافات اللغة الإنجليزية والفرنسية أو الفرانكوفونية على ثقافتنا العربية والسؤال هنا: ماذا نحن فاعلون أمام هذا الطغيان العظيم لهذه الثقافات؟

لابد من تعويد النشء على القراءة بتحفيزه ماديا ومعنويا ولا يهم الموضوع الذي يقرأه... أهم شيء أن يمسك بالكتاب ويقرأ، كما علينا استغلال تعلق صغارنا بالإنترنت والعمل على نشر بعض الأمور الثقافية ذات الطابع الخفيف إلى مواقعهم المفضلة مثل الفيسبوك واليوتيوب وغيرها من مواقع، وإقامة مسابقات لتلاميذ المراحل الابتدائية لاختيار قصة واحدة من بين القصص الخفيفة من أدب الرحلات والمغامرات ويقوم بنقدها أو شرحها من خلال ندوة، ومسابقات لتأليف قصة قصيرة أو حكاية، كما نشجع إقامة المناسبات الثقافية في المدارس ليشمل كل من له علاقة بالكتاب مثل المؤلفين والناشرين وبائعي الكتب والعاملين في المكتبات العامة والمدرسين. يجب استغلال تعلق الصغار لبعض النجوم الرياضية والفنية في حملة دعائية لحضور فعاليات معارض الكتب وغيرها.

في معرض الرياض الفائت استعانت السفارة البرازيلية بلاعب برازيلي في نادي الشباب السعودي والذي جلس في ركن السفارة وقام بتعريف الجمهور بالثقافة البرازيلية ونجحوا نجاحا باهرا.فكيف سيكون الوضع لو حضر أيضا ياسر القحطاني وبعض نجوم الفرق الأخرى؟ حتما سيتوافد الصغار والكبار ويبدؤوا بالاهتمام بالكتاب حتى ولو من خلال قراءة الغلاف فقط، البداية هي الأهم.

والبدء بالترجمة من وإلى اللغة العربية فالثقافة أخذ وعطاء وليس شرطا من اللغة الإنجليزية فقط فهناك آداب عالمية تستحق القراءة مثل الأدب اللاتيني والروسي والصيني والياباني. أيضا لا يجب أن نبخس حق كتّابنا العرب في مساعدتهم لترجمة أعمالهم إلى اللغات الأخرى لتعريف العالم بهم مما يحفزهم ماديا ومعنويا، وأخيراً لابد من إبعاد المواقف السياسية وبعض المواقف الدينية التي تقف حاجزا لنشر الثقافة.‏

تأثيره أو تأثيرنا فيه

وعبر عبدالواحد اليحيائي الكاتب والقاص عن رأيه بقوله: كتاب في أوراق، وأوراق طي حياة، وحياة تغيرت بكتاب، وكتاب امتد حتى وصل إلى ملايين، وكتاب تجاوز مكانه إلى أمكنة، وكتاب تجاوز زمانه إلى أزمنة، وفكرة غيرت وطورت، وأخرى بحثت واكتشفت، وثالثة نقدت فأكملت... ورابعة وخامسة وسادسة... وأين؟ في كتاب، وفي يوم الكتاب العالمي يجتمع العالم ليقول: شكرا للكتاب، وليتساءل ونتساءل نحن معه في هذا الجزء من العالم الرحب: ماذا قدم لنا الكتاب، وما الذي قدمناه له؟ هل هو يوم لكتابة كتاب، أو يوم لقراءته، أو يوم لإخراجه بين العقول والمطابع؟! هل هو حديث عن تأثير الكتاب فينا، أو تأثيرنا في الكتاب، أو الطور الذي ننتقل فيه قبل الكتاب وبعده، أو من كتاب إلى كتاب؟

لازمة ترفيه هازل

وأضاف ما الذي قدمناه للكتاب في مجتمعنا: هل أعطيناه مكانه اللائق به في حياتنا أبعد من كونه زينة لمكان أو رصدا لزمان أو شغلا لفراغ أو جلبا لمنام أو طعام؟ هل وهبناه شعورنا بالمسؤولية حين نكتب، وشعورنا بتحمل التبعة حين نقرأ، وهل منحناه الحرية البعيدة عن الفوضى حين نراقب ونوجه؟ هل للكتاب عندنا صناعة تتجاوز بيع الأفكار في سوق العرض والطلب بين الناشر والقارئ أم ما زلنا نعتقد أن الكتاب لازمة ترفيه هازل يشغل به المتبطلون أوقاتهم، ويملأ به طلاب الشهرة والبريق صفحات حياتهم؟

وليكن لنا يوم تأمل ورصد للتجربة بصحبة كتاب. تأمل فيما قرأناه من موضوعات وفرتها لنا كتب، وتأمل في تأثير هذا كله في قلوبنا وعقولنا وفي المسؤولية التي حمّلها إيانا كتاب، وفي سبب التأثير أهو في مضمون الكتاب، أو في شكله، أو في روح كاتبه داخل المتن وخارجه، أو في قدرة فنان جميل على إبراز فكرة بارعة على غلاف كتاب، أو في تجاربنا الخاصة حين تمازجت مع ما قدمه كتاب؟ كل ذلك مما يستحق التفكير فيه، ويدعو إلى الاحتفاء به ومعه في صحبة كتاب، وهي صحبة لم تغير موقعها عند قارئ متمرس صحبة المسرح، أو السينما، أو الشبكة (الإنترنت) ولعل مكمن السر في ذلك أن الكتاب هو ملهم الفنون وهو حافظها وهو ناقلها الأمين من جيل إلى جيل.

مراجعة

وأشار: إن كان يوم كتابة، فأيامي مشغولة بالكتابة، وإن كان يوم قراءة فهو في تاريخي يوم قراءة متصل بآخر لا ينقضي وأكره له أن ينقضي دون رفقة كتاب، وليكن يوم الكتاب العالمي لمراجعة التجربة بعد طول صحبة الكتاب. أين كنت، وأين أصبحت، وما هي كلمتي لكتاب وعنه بين كتابة وقراءة؟ وأحسب أن رصيدي من ذلك جميل.

فمع الكتاب شعرت أني أجمل، وشعرت أني أغنى، وشعرت أني أقرب من كثيرين إلى المعرفة في رحلة البحث عن الكمال الإنساني ممثلا في الحقيقة التي نطلبها دوما. وخطتي في يوم الكتاب العالمي هي أن أكتب عن كتاب، وأن أحدث أصدقائي عن كتاب، وأن أزور مكتبة خاصة لشراء كتاب أو كتب، وأن أدخل مكتبة عامة في الرياض؛ كي أتنفس كتبا وأقابل وجوها تبحث عن كتاب، أو تقرأ كتابا، أو تنقل شيئا من كتاب أو ترقمه على هامش كتاب. وأخيرا أجلس على كرسي في مكان منعزل في مقهى هادئ وأقرأ كتابا أتضامن عبره مع كثيرين يقرؤون كتابا في يوم الكتاب.

فعالية تستحق

وأكد الأستاذ سهم الدعجاني الكاتب في صحيفة الجزيرة أن اختيار اليونسكو في المؤتمر الذي عقد في باريس عام 1995 لهذا التاريخ كان اختياراً طبيعياً؛ فقد أرادت فيه اليونسكو التعبير عن تقديرها وتقدير العالم أجمع للكتاب والمؤلفين وذلك عن طريق تشجيع القراءة بين الناس وبشكل خاص بين الشباب وتشجيع استكشاف المتعة من خلال القراءة وتجديد الاحترام للمساهمات التي لا يمكن إلغاؤها لكل الذين مهدوا الطريق للتقدم الاجتماعي والثقافي للإنسانية. واعتبرت اليونسكو أن الكتاب أداة الأمم لنشر المعرفة خلال التاريخ والوسيلة الأنجح لحفظها عبر الزمن وبالنظر إلى أن كل إسهام في تنشيط الكتاب هو عامل إغناء ثقافي وتنوير للرأي العام بقيمة التراث الإنساني.‏

هذا في التراث الحضاري الإنساني لهذه المنظمة المعنية ببعث روح التواصل الإنساني، تؤكد على يوم عالمي للكتاب، أما نحن -المسلمين-، فيكفي أن أول آية نزلت على نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) هي: (اقرأ)، ونحن بلا فخر أمة اقرأ وتاريخنا المتقدم يشهد بتفوق حضارتنا الإسلامية في العناية بالكتاب تأليفا وقراءة، وعندما قرأت عن هذا اليوم، تذكرت بعض الفعاليات التي تنظمها بعض الجهات الحكومية المعنية بالكتاب لدينا في المملكة، ولعل أبرزها مكتبة الملك عبد العزيز العامة، عندما تدعونا شهريا لحضور برنامجها المميز (تجاربهم في القراءة) ذلك البرنامج الشهري الذي يربط الجمهور بعدد من الناجحين قرائيا من مفكرين ومثقفين ومسئولين.

متى ستفعلها الوزارة؟

وأضاف تعود بي الذاكرة بمناسبة هذا اليوم العالمي للكتاب إلى مكتبة مدرستي المتوسطة بحي الصالحية بالرياض، وكيف كانت تلك المكتبة بعيدة عن اهتمامنا ولا ندخلها إلا نادرا، وهنا أقول: متى ما استطاعت وزارة التربية والتعليم أن تخرج بالمكتبات المدرسية من الصورة النمطية التقليدية التي نشأ عليها جيلنا، لتصبح مكان جذب للطالب بالبرامج المقامة فيها، وبالمشرف عليها أولا، متى ما فعلت الوزارة ذلك، نجحنا بالاحتفال بالكتاب وجعلناه صديقا للطالب، ومتى ما تعود الطالب على رؤية الكتاب في يد والده، بل وفي حقيبة أمه وشاهده - أيضا - أمامه في مكتبة المنزل، إذا حصل ذلك كله، نستطيع أن نقول: إن هناك صداقة حميمية بين الطفل والكتاب ستنضج تلك الصداقة وتؤتي ثمارها متى ما تمت المتابعة الجادة لقراءة أبنائنا.

أسئلة من أجله

ووجه حديثه صوب مستقبل الكتاب بقوله: أعطني أباً يحمل كتابا بين يديه، يقرأه فترة بين أبنائه، ويحتفظ به فترات أخرى أمامهم، ثم أعطني أُمَّا تجعل من الكتاب منافسا لأدوات الماكياج، بل وتحمل الكتاب في حقيبتها الخاصة أمام أبنائها بشكل مستمر، أعطني ذلك كله أعطيك جيلا يحتفل بالكتاب صديقا ومنهج حياة، كما أن هذا اليوم يجعلني أطرح مجموعة أسئلة من أجل مستقبلنا مع الكتاب، ما واقع النشر في البلدان العربية؟ ماذا عن سعر الكتاب؟ وما مدى توفره لكافة شرائح المجتمع؟ ما واقع معارض الكتاب ودورها الحقيقي في ضخ الكتب الفاعلة في المجتمع؟ ما دور المؤسسة التربوية في إحياء العلاقة بين الطالب والكتاب، واستثمار تلك العلاقة في تأسيس بنية فكرية للمجتمع.ما دور القطاع الخاص في الاحتفاء بالكتاب وإحياء علاقة الطفل بالكتاب؟

غير المعترف به عربياً

وذكر الأستاذ سامي محمود، المستشار الثقافي لمركز الخليج للدراسات الاستراتيجية في لندن، أن اختيار منظمة اليونسكو للثالث والعشرين من أبريل تاريخاً للاحتفال بيوم الأدب العالمي كان اختياراً موفقاً، حيث توفي في هذا التاريخ ثلاثة من عمالقة الثقافة الإنسانية، هم الشاعر الانجليزي الشهير وليام شكسبير، والروائي الإسباني سيرفانتس، صاحب (دونكيشوت)، الرواية التي قام الرئيس الفنزويلى، هوجو تشافير، بتوزيع مليون نسخة منها لأبناء شعبه، لرمزيتها في محاربة الظلم، وإنكا جارسيلاسو دي لافيجا، الذي صحح روايات الأوروبيين، وخاصة الإسبان عن حضارة شعبه في الأنكا وجبال المانديز.

ويبدو أن الثالث والعشرين من أبريل وعلى رغم المسافة القصيرة التي بينه وبين احتفالات أخرى لم تشفع له في العالم العربي، فهو يكاد يكون اليوم الوحيد غير المعترف به عربياً تقريباً، فالاحتفاء به يندر حدوثه قياساً بيوم الشعر - المعترف به حديثاً - أو يوم المسرح العالمي كتظاهرات أدبية أو فنية. أو يوم المرأة العالمي والأم في شهر مارس، وربما يكون صخب الاحتفال بعيد العمال في الأول من مايو ويوم الصحافة في 3 مايو قد غطى علي يوم يحتفل فيه العالم بالكتاب أصل القراءة ومرجعها؟ ربما!

صديق آخر!

الأستاذ مفيد النويصر الكاتب ومدير الإعلام الجديد في مجموعة MBC أشار إلى أن من الطبيعي أن يكون الكتاب خير جليس في الزمان، ولكن مجتمعنا ابتعد عن هذا الصديق في الفترة الماضية، واستبدله بصديق آخر يدعى (التلقين). هذا التلقين هو من جعل عقول ثلاثة أجيال أو أكثر معطلة عن التفكير والتبحر في أمور الحياة من زوايا مختلفة، والاختلاف رحمة، حتى عاد الصديق مرة أخرى على أيدي الشباب، مع يقينه أن العودة كانت متواضعة بعض الشيء، لكنها عادت وبدأت تنفض غبار التلقين شيئاً فشيئاً، ليظهر أكثر من مبدع ومبدعة مع الأيام.

ويتذكر موعده مع أول كتاب كان أثناء فترة الصغر، من خلال مجلات الأطفال، وشيئاً فشيئاً تطورت لتصبح قراءات يومية من الصحف والمجلات، إلى أن بدأ بالقراءة الحقيقية والحرص للحصول على كتاب من مكتبات محلية أو خارجية أثناء فترة المرحلة الثانوية. فهو والكتاب أصدقاء في الوحدة والسفر، وفي راحة الأسبوع، وفي كل وقت يشعر بأنه متعطش لمعرفة المزيد.

وعن تقييمه للكتاب ذكر أنه ليس هنالك شك في أن الألفية الجديدة شهدت عودة الكتاب (الصديق) من جديد، وأن دائرة (مبيعات الكتب) أعيد تقسيمها من جديد، فأصبحت معارض الكتاب في المملكة الأكثر شهرةً، وبيعاً، وهذا يدل على ازدياد رغبة القراءة والحصول على المعلومة باجتهاد شخصي وليس بالتلقين.

التراجع الكبير

وتميل بعض الآراء إلى اعتبار الفقر والبطالة وانخفاض مستويات المعيشة في العالم العربي، هي الأسباب الرئيسية وراء التراجع الكبير للقراءة، إلا أن الفقر ليس نقيضا للثقافة، إضافة إلى أن الكثير من كبار الكتاب والمثقفين في عالمنا العربي قد خرجوا من رحم مجتمعات فقيرة، ومن وجهة نظري أن أسباب هذه الأزمة متعددة أهمها: انتقال المجتمعات العربية من الثقافة الشفوية إلى الثقافة السمعية المرئية دون أن تترسخ لديها الثقافة المكتوبة، مضيفا أن المرور بثقافة المكتوب ارتبط في المجتمعات الأوروبية ببناء الديمقراطية عبر منح الفرد الإيمان بقيم الحرية وإعطائه قيمة داخل المجتمعات وبناء مؤسسات ديمقراطية، وهو ما ارتبط في أوروبا بولادة طبقة رأسمالية ساعدت على انطلاق المجتمع، وغياب هذه الأمور أدى إلى عدم مرورنا بالثقافة المكتوبة.

في القصور الرئاسية!

خلال احتفالات يوم الكتاب العالمي في بداية سنة 2003، أثارت الجمعية الشعرية الأميركية ضجة عندما أعلنت أنها ستستغل ليلة شعرية في البيت الأبيض، كجزء من احتفالات يوم الكتاب العالمي، لقراءة قصائد تعارض خطة غزو العراق، الذي تم بعد ذلك بأقل من شهر.

وكانت السيدة الأولى، لورا بوش، رعت احتفالات عيد الكتاب، والليلة الشعرية. لكن، اضطر البيت الأبيض لإلغاء الليلة الشعرية بعد إعلان خطة اجتياح العراق. فهل يمكن أن نرى يوما احتفالاً للشعر مثلا في أحد القصور الرئاسية العربية؟!!!

يشير بعض الخبراء إلى أن الكتاب العربي تطبع منه ما بين 1000 إلى 3000 نسخة يتم تسويقها على مدى خمس سنوات، ولو أن كل وزارة ثقافة في الوطن العربي تشتري مثلاً 10 نسخ من كل كتاب، وكذلك مؤسسات التعليم الجامعي ومراكز الدراسات والمكتبات العامة لكان ذلك أكبر دعم للكتاب، ولساعد ذلك الناشرين والمؤلفين مما سيؤدي إلى تطور الإنتاج الثقافي العربي في كافة المجالات في النشر والترجمة والإبداع.

وهناك أكثر من 5000 مؤسسة ما بين ثقافية وجامعية ومعهد ومركز دراسات في الوطن العربي، وسيكون المردود الثقافي كبيراً لو كل مؤسسة اشترت نسختين في الأقل من كل كتاب قريب من تخصصها أو توجهاتها، لحدثت طفرة في عالم النشر والتأليف.

وحتى تكون لهذه المناسبة فائدة ما، لماذا لا تعمد دور النشر مثلا إلى بيع طبعات رخيصة شعبية للمواطنين؟، ولماذا لا يكرس الإعلام بكافة أنواعه (المرئي والمسموع والمقروء) يوماً كاملاً عن أهم الإصدارات العالمية للكتاب والتعريف بها وبكتابها؟ ماذا يمنع... ؟!!.

القادمة ليست عربية

بدأنا الحديث بكتالونيا، ومررنا بقلب بيروت وها نحن نستقبل غير مودعين الكتاب في يومه، حيث سيجري انتخاب مدينة عام 2010 في يونيو - حزيران المقبل وفق ما ذكرته اليونسكو، ورُشحت لحمل اللقب غوادالاخارا (المكسيك)، لشبونة (البرتغال)، لوبلبانا (سلوفينيا)، ريقا (لاتفيا)، سانت بطرسبرغ (روسيا)، فيينا (النمسا) وولينغتون (نيوزيلندا). من يدري؟!


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة