Culture Magazine Monday  23/02/2009 G Issue 272
مداخلات
الأثنين 28 ,صفر 1430   العدد  272
بين النشر والنشر

 

اطلعت على مقال الأستاذ عبدالمحسن الحقيل المنشور في الجزيرة الثقافية عدد: 270 ليوم الاثنين 14 - 2 - 1430هـ بعنوان: (لست وحدك يا فواز - دور النشر تجارة أم رسالة؟).

وفي البدء أود أن أشكر الأستاذ الفاضل عبدالمحسن الذي تعاطف مع تجربتي وتجارب فئة من المؤلفين الجدد مع بعض دور النشر الكبيرة التي افترض أن تكون رسالتها أكثر سمواً مما يراها عليه.

ويسرني أن أضيف إلى مقاله تعقيباً أوجز فيه تجربتي الأولى في النشر بما أنني أحد المذكورين في مقاله الهادف.

في شهر ربيع الثاني من عام 1428هـ فرغت من كتابي: (فائت الأمثال: مقاربة أدبية ساخرة)، بعد أن عكفت عليه ما يقارب العام، ثم قدمته إلى وزارة الإعلام للفسح، وحصلت على الإذن في غضون يومين، وهذا إنجاز يحسب لإدارة المطبوعات في الوزارة شكر الله للقائمين عليها، وبعد ذلك عرضته على بعض المطابع، فوجدت أن تكلفة طباعته أعلى مما تصورت، ولا سيما أن المطابع لا شأن لها بتوزيع الكتاب، فكل ما عليها أن تزودك بالنسخ المطلوبة، ليتصرف فيها المؤلف بنفسه، وهذه مشقة أخرى لا يرفعها إلا اللجوء لدور النشر، وفعلاً قد تنشره بشكل أو آخر، ولكن مردود الكتاب لن يعود إلى المؤلف إلا بنسبة ضئيلة لن تحقق له على مدى سنوات ولا ربع قيمة طباعته.

أن أخسر عاماً من عمري في تأليف كتاب لا يعني أن أخسر مالي أيضا، والجمع بين خسارتين غبن واضح لا أرضاه، وعلى هذا فأنا لم أفكر مطلقاً في مردود ربحي يعود علي من الكتاب، لا لأنني زاهد في المال، بل لأنني واقعي غير مجنح الخيال، وكل ما أردته أن أنشر الكتاب بطريقة مجنون ليلى: (لا عليَّ ولا ليا)، فأنا أدرك أنني مستجد في عالم النشر، كما أن اسمي لم تُرَوِّج له رواية فضائحية، ولم يطبل له الرموز، فعلام أطمع فيما لا أستحق؟! ورحم الله امرئاً عرف قدر وعيه.

لدي ديوانان شعريان، وخمسة مؤلفات نقدية، وكلها تقبع في رفوف مكتبتي، فقط (فائت الأمثال) هو الكتاب الوحيد الذي اجترأت في السعي إلى نشره؛ لأنني ظننت أنه الأكثر حظّاً على الرواج بمضمونه وسخريته وملامسته الواقع، ولأنني أيضا أردته أن يكون في متناول طلابي في كلية اللغة العربية الذين ألفته لأمثالهم رغبة مني في تحبيبهم في الأدب، وشدهم إليه، وإعادتهم إلى صالح التراث وجميل المعاصرة.

لذلك اقترح علي من سبقني في تجارب النشر أن أعرضه على دور النشر الكبيرة التي تحمل الهم الوطني والعلمي معاً، وتبادر إلى تبني ما ترى فيه نفعاً ولو كان لمؤلفين جدد، كما أنهم يدعمون المؤلف بما مقداره 5% إلى 10% من قيمة مبياعات كتابه، وهي وإن كانت نسبة ضئيلة تظل الخيار الأمثل من بين الخيارات الأخرى التي ستعرضني للخسارة دون ريب.

ذهبت بكتابي إلى دار نشر شهيرة ملء السمع والبصر تنشر كل حين كتباً وافرة في مختلف العلوم والفنون، وعرضوه على لجنة الفحص، وبعد شهر أخبروني بالرفض، وذكروا بشيء من المواساة أن الرفض لا يعني رداءة العمل، وعللوا أنهم ينطلقون من رؤية تسويقية ربحية تراعي الأولويات وأسماء المؤلفين، وضربوا لي أمثلة بكتب الطهي والرجيم والبرمجة اللغوية وإطلاق العملاق التي سرعان ما تروج بين المشترين الذين يدفعون بسخاء في مثل هذه المجالات، وأن كتابي قياساً بهذه المؤلفات لن يعيد لهم قيمة الورق الذي سيطبع عليه، فضلاً عن أن يحقق لهم ربحاً.

تعليل منطقي جداً لا ألومهم عليه، إلا إن صح ما ذكره الأستاذ الحقيل من كونهم وأمثالهم من الدور المحلية الكبيرة يتاجرون بالشعارات، ويدعون أنهم يحملون رسالة سامية يخدمون من خلالها ما يرونه نافعاً في المجالات العلمية المختلفة، إن كان كذلك فاللوم أقل ما يمكن أن يوجه لهم.. ليس مني بصفتي مؤلفاً رفضوا عمله فحسب، بل من كل من يرفض امتهان الشعارات لدواع تجارية؛ ليكسب بها رضا الناس، وليحظى بالتسهيلات الحكومية التي شاهدت آثارها منذ أن دخلت مقرهم العامر وحتى خرجت منه؛ إذ لم أشاهد موظفاً سعوديّاً واحداً، حتى الذين هاتفوني واعتذروا كانوا من أشقائنا العرب، عزائي الوحيد هو أن يكون بعض أعضاء لجنة الفحص من السعوديين، ولو صورياً.

ومهما يكن فالأمر في حساباتي لا يستدعي كل هذا التوتر، فكل ما هنالك أن لي كتاباً أود أن يصل إلى الآخرين، وفعلاً أقدمت على مغامرة لامني عليها الكثيرون، فقد ألقيت به في الشبكة العنكبوتية على هيئتين مصورة وغير مصورة، وعرضته للضياع وللسراق والمنتحلين، ولكنني في الوقت نفسه حققت أكثر مما كنت أرجوه، فقد زاد عدد من حَمَّلَ الكتاب خلال أسبوعين في جملة من المنتديات ومواقع التحميل عن ثمانية آلاف، والعدد في تزايد مطرد، وهو لا شك عدد تعجز عن تحقيقه دور النشر المحلية مجتمعة في مثل هذه المدة القصيرة.

لم يبق لي إلا أن أحفظ حقي في الكتاب، وهذا ما أرفعه إلى مسؤولي مكتبة الملك فهد الوطنية، لينظروا في آلية عصرية جديدة يستطيع فيها أمثالي من المحرومين من النشر أن يوثقوا كتبهم المنشورة إلكترونياً؛ لتكون ضمن قوائمهم حفظاً لها من الضياع والاختلاس.

د. فواز بن عبدالعزيز اللعبون - الرياض

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة