Culture Magazine Monday  23/02/2009 G Issue 272
مداخلات
الأثنين 28 ,صفر 1430   العدد  272
مهلاً بعضَ هذا يا شيخنا صالح!

 

قال أبو عثمان عمرو بن بحر: (اللهم إنا نعوذ بك من التكلف لما لا نحسن، كما نعوذ بك من العجب بما نحسن، ونعوذ بك من السلاطة والهذر، كما نعوذ بك من العِيّ والحصَر) (البيان والتبيين 1-3).

قرأتُ ما كتبَه صالح بن سعد اللحيدانُ في زاويته التي سَمَّاها (معجم موازين اللغة). وأنا لا أزالُ أتابِع هذه الزاويةَ استمتاعًا بما يكتبُ، وأنَسَةً بما يقول؛ وخاصَّةً إذا أسلمَه القولُ إلى التعرُّضِ للعربيَّةِ، ومداورةِ مسائلِها؛ فإنه يأتي باللطيفِ المعجِب، والبديعِ المطرِب.

وقد كان نصيب العدد ذي الرقم (268) مِن الأخطاء اثني عشرَ خطأً فقط، أذكرُها مفصِّلاً في بعضٍ، وموجِزًا في بعضٍ:

1-تسميته هذه الزاوية ب (معجم موازين اللغة) غير دقيقةٍ، ولا هي على حدِّ المعنى؛ فأين ما يذكرُه من موازين اللغة الموغلة في الكثرة ؟

2- أتى بكلمات متواليةٍ ذكَرَ أنها تعريفٌ (للنعتِ المفردِ)؛ قالَ: (النعت في الأصل: ما ليس جملة، ولا شبه جملة). ولا أدري أيَّ (نعتٍ) عرَّفَ.

هذه الكلماتُ التي زعمَ أنها تعريفٌ للنعتِ المفرد، يصِحُّ أن تكونَ تعريفًا لكلِّ شيءٍ من الموجودات ممَّا ليس بجملةٍ، ولا شبه جملةٍ؛ فالإنسانُ نعتٌ، والحمار نعتٌ، والكرسيُّ نعتٌ، وكلمة (زيد) في قولك: (زيد كريمٌ) نعتٌ أيضًا، وحروفُ الجرِّ نعوتٌ، وما شئتَ بعد ذلكَ.

والتعريف الصحيح (للنعت المفرد) أنه (كلمة تابعة، مسوقةٌ لبيان صفة من صفاتِ متبوعها).

3- قوله: (في الأصل) لا معنَى له، لأنه إنْ كان يريدُ أن النعت بالجملةِ، وشبهها فرعٌ، فقد ناقضه من بعدُ إذ قالَ: (ومَن قال: إنه يكون جملة، فلا وجه لهذا). وإن كان يريد أن النعت بالمفردِ هو الصواب فقط، فقد أخطأ خطأين: الأول في هذا الرأي الذي يأتي بيان بطلانه، والثاني في استعمالِ لفظِ (الأصل) في غير موضعه، لأنَّه إذا أثبتَ أن النعت بالمفردِ (أصل)، دلَّ هذا على أن له فرعًا؛ وهو النعت بالجملةِ؛ إذ لا يكون الشيء أصلاً حتى يكون له فرعٌ، كما لا يكون الرجل أبًا حتى يكون له ابنٌ.

4- ذكرَ في الهامش أنَّ قوله: (النعت في الأصل: ما ليس جملة، ولا شبه جملة) هو تعريف للنعت المفرَد. ولا أدري ما حاجته إلى هذا الهامش، وقد كان بوسعه أن يذكر هذا في متن الكلام؛ فيقول: (النعت المفرد: ما ليس جملة، ولا شبه جملة).

5- اضطراب الترتيب؛ إذ عرَّف أولاً النعتَ المفردَ - كما يزعم -، ثمَّ بيَّن أقسامَ النعتِ عامَّةً، ثم رجعَ إلى النعتِ المفردِ، فذكرَ شروطَه. وكان الوجه أن يذكر أقسام النعتِ قبلَ تعريفِ النعت المفرد؛ إذ كانَ أعمَّ منه، وعنه تفرَّعَ.

6- ذكرَ أنَّ (النعت) قسمان، ثم أتبعَه بقوله: (حسبَ علمي)، وهو كثيرًا مَّا يردّد هذه الكلمةَ. ولا أدري لأيِّ شيءٍ! وهو في ذلك لا يخلو من أحدِ أمرينِ: إما أنه يحِسُّ بعلمِه ريبةً تحملُه على التماس المخارجِ، وطلبِ الاعتذار. وإما أنه يريد أن يوهِمَ القارئ أنَّ علمَه بالمكانِ الذي يُغنيه عن الرجوع إلى أيسرِ كتابٍ في النحوِ. وكلا الأمرين مشنوءٌ، غيرُ مرضيٍّ.

7- ذكر بعد قوله: (النعت ما ليس جملة، ولا شبه جملة) أن النعتَ (حسب علمِه!) قد يكون مفردًا، وقد يكون جملةً؛ فنقض كلامَه الأوَّلَ مباشرةً. ثمَّ عادَ بعدَ ذلكَ بسطرينِ؛ فنفَى أن يَّكون النعتُ جملةً، ونسبَه إلى أحدِ المجدِّدينَ؛ ولكنه لم يذكر اسمَ هذا الرجل العبقريّ المجدِّد الذي اكتشفَ أنَّ النعتَ قد يكون جملةً. وليته ذكره، لنحفظَ له فضل اكتشافه هذا. وأعجِبْ بشيءٍ يُنفَى في سطرٍ، ثم يُثبَت في السطر الذي بعدَه، ثم يُنفَى مرةً أخرى في السطرِ الذي يليه.

8- قال: (فالنعت المفرد...). وهذه الفاءُ تُفيد التفصيلَ إذا جاءت بعدَ كلامٍ مجمَلٍ، وتليها (أمَّا) كثيرًا. ومعنى التفصيلِ معنًى ثانويٌّ عارِضٌ فيها، منشقّ عن معنى العطف، والتعقيب. وإنما أفادته مِن قِبَل دلالة السياقِ؛ إذ كانت النفوس تتطلعُ بعدَ الإجمال إلى التفصيل. ومن أمثلته قوله تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}، وقوله: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ... * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ...}، ثم قول عياض الضبي:

عركناهم عَرْك الأديم؛ فمنهمُ

مُقَصّ بأيدينا، وآخرُ مُزهَقُ

ولما كانت للتفصيلِ، وجبَ أن يليها أكثرُ من جملةٍ معطوفٍ بينها بالواو، لأنَّ التفصيلَ تفريعٌ، وتقسيمٌ، والواحدُ لا يُفرَّع إلى واحدٍ. وقد يجوز أن يُحذف أحدُ الأطرافِ ابتغاءَ الإيجازِ، إذا كانَ الغرض من سياقةِ التفصيلِ قد تمَّ ببعضها؛ من ذلك قوله تعالى: {هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ}، ولم يذكر الطرفَ الآخرَ؛ وهم الذين لا يبخلون إذا دُعُوا إلى الإنفاقِ.

والكاتب تكلم على الطرفِ الأول؛ وهو النعت المفرد. ولم يتعرض للطرف الآخر؛ وهو النعت بالجملة، معَ حاجته إلى هذا؛ بل أنكره وقد كان قبلُ جعله أحد قسمي النعت. وهذا عجَب من العجِب.

9- في قوله: (لا يكون إلا في دائرة الاسم فقط، ويكون مشتقًّا، ولا بدَّ) ركاكةٌ ظاهرةٌ. وكان ينبغي أن يقول: (لا يكون إلا اسمًا، مشتقًّا). ومثله قوله: (أما حالات نعم وبئس، فلذلك ثلاث حالات)، لأن اسمَ الإشارة (ذلك) إما أن يعود على (حالات)، وإما أن يعود على (نعم وبئس). فأما الأولى، فيكون تقدير الكلام (أما حالات نعم وبئس، فلحالات نعم وبئس ثلاث حالات). وأما الأخرى، فيكون التقدير (أما حالات نعم وبئس، فلنعم وبئس ثلاث حالات). والصواب أن يقول: (أما حالات نعم وبئس، فثلاث)، أو (أما نعم وبئس، فلها ثلاث حالات). ومثله أيضًا قوله: (أقدر لكم سؤالكم من حيث صحة هذا الاسم). والصواب (... سؤالكم عن صحة هذا الاسم)، وقوله: (اللات كان قبرًا يُعبَد...، ثم جُعِل صنمًا يعبده بعض العرب، لأنه كان يلتُّ السويق)؛ إذ لا يجوز تعلق الجار والمجرور (لأنه) ب (يعبده)؛ وإنما هو متعلق في المعنى ب (سُمِّي بهذا). ونظير هذه الأمثلة ما ذكرَه الكاتب في العدد (193)؛ قال:

(وهذا إنما يرد عند حصول تدخل العامية باللغة الصواب، وهذا لو فكرت فيه لوجدت المصيبة في ضياع اللغة واندراس النحو سببه:

كتابة العلم بلهجات تلقائية

كتابة الأدب بلهجات مختلطة

كتابة النقد بلهجات مختلطة

كتابة القصة بلهجات مختلطة

كتابة الرواية بلهجات مختلطة

كتابة الشعر بلهجات مختلطة

بين العربية 1

والعامية 2

وألفاظ دخيلة 3

1- إيراد المحاضرات العلمية بلهجات مختلطة.

2- إيراد الفتاوى الشرعية بلهجات مختلطة.

3- إيراد الدروس والمحاضرات بلهجات مختلطة.

4- إيراد الكتابة الصحفية بلهجات مختلطة) انتهى.

ولولا أن للزاوية مقدارًا محدَّدَاً، لظلَّ الكاتب يسيرُ على هذا النمطِ، لا يحبسه عن ذلك شيءٌ.

وخللاً غيرَ ذلك كثيرًا، أعرضنا عنه لضيقِ المَقامِ.

10- قال: (أما حالات نعم وبئس) وأوردَ حالات فاعلِها؛ فكان الصواب أن يقول: (أما فاعل نعم وبئس فله ثلاث حالات)، أو (أما حالات فاعل نعم وبئس، فثلاث).

11- عرَّف في الهامش (النعت المشتق) بأنه (ما يؤخذ من المصدر فقط للدلالة على المراد). وهذا تعريفٌ باطلٌ من وَجْهَينِ؛ أحدُهما زيادتُه في التعريف قيدًا لا حاجةَ له؛ وهو كلمة (فقط)، لأنه ليس شيءٌ من الألفاظ يؤخذ من المصدر وغيره. والآخر أنه لا يستقيم اطِّراده، لأنه يدخل فيه اسم المكان، والزمان، والآلة. وهي لا تكون نعوتًا. وقوله: (للدلالة على المراد) عِيٌّ مستبينٌ؛ فأيُّ مرادٍ هذا الذي يُراد الدِّلالة عليهِ. والتعريف الصحيح للنعت المشتق (هو ما أخِذ من المصدر للدلالة على معنًى، وصاحبه).

12- ادَّعى أن مَن أجاز وقوع الجملة نعتًا هو أحد المجدِّدين الذين يدَّعون وصلاً بليلى. وهذا قولٌ منكَر، لا يَقول به مَن شمَّ رائحة العلْم؛ فإنَّ أقوال العلماء قديمِهم، وحديثِهم في وقوع الجملة نعتًا، بالموضع الذي لا يخفَى على أحدٍ، أجتزئ عنها بقول ابن مالكٍ:

ونعتوا بجملة منكَّرا

فأعطيَت ما أعطيته خبرا

ولستُ في حاجةٍ إلى سَرْدها. والله المستعان.

أمَّا وقد بعثَني هذا المقال من صَمْتي، واضطرَّني إلى التعقيبِ، فلْأُذيِّلْ عليه بسَرْد بعض ما سلفَ له في المقالاتِ السابقاتِ من أخطاءٍ؛ فإني لا أجِد لنفسي عذرًا في إغفالها، أو التغاضي عنها وقد عرضتُ لذكرِ أخواتِها؛ وإنما (أعُدُّ منها ولا أعدِّدها)، لأنه لا يكاد يخلو منها سطرٌ. ولن أعوجَ على الأسلوب، وما فيه. وبحسبي أن أذكر مثالاً لذلك يغني عن الإطنابِ، والتطويلِ؛ قالَ (العدد 262) في مطلع مقاله:

(في كثير من حالات النقولات المطروحة ليقرؤها الجلة من العباد ليس بذي حيف أن يتركها أو بعضها.. الكثيرون ممن يطلعون بحق وصدق وهم من العلية في سعة الاطلاع ونباهة الفهم وسداد الإدراك الاستقصائي وإن كانوا لا يكتبون أو يشاركون لكنهم والحق أظن أئمة كبار من ذوي الطرح الشخصي المستقل سوف أدلف من باب واسع لعالم لندرك كلنا في هذا (المعجم) حاجة الناس إلى أناس واعين فطنين من ذوي الشعور بالمسؤولية).

ولولا أنَّ هذا الكلام منسوبٌ إلى الكاتب، لظننتُه كلامًا مترجمًا عن لغةٍ غير العربيَّة.

وهذا بيانها:

1- أنكرَ على أحدِهم أنه أجازَ فتحَ همزةِ (إنَّ) بعد القولِ وفروعه، وزعمَ أنَّه رجعَ إلى عشراتِ الأسفار، فلم يقِف على شيء من ذلك (العدد 262).

قلتُ:

ليت شعري، ما عشراتُ الأسفارِ التي رجعَ إليها الكاتبُ، ولم يجِد فيها ذلكَ. ولستُ أكذِّبَه في ما قالَ؛ ولكن أقولُ: لعلَّ هذه العشراتِ التي رجعَ إليها هي الآجرومية، وبعض شروحها؛ فقد حكى سيبويه في كتابه عن أبي الخطاب أنَّ الفتحَ لغة بني سُليم مُطلقًا؛ يجرونها مُجرى الظنِّ (الكتاب 1-124). ولا يُعدُّ مخطئًا مَن قاس على لغةٍ من لغاتِ العربِ كما ذكر ذلك ابن جني، وأبو حيان. وهو الحقُّ. وسائرُ العربِ يفتحونها بعد القول بشروطٍ معروفةٍ. وقد ذكر هذا سيبويه أيضًا في كتابه، والمبرد في مقتضبه، وابن مالك في خلاصته، وتسهيله، وشرَّاحهما، والسيوطي في همعه، ومَن لا أحصي ذكرهم.

2- عرف (الممنوع من الصرف) بأنه (ما لا يخضع (كذا) للحركات الإعرابية) (العدد 102). وهذا في غاية الفساد؛ فإنَّ ما (لا يخضع) للحركاتِ الإعرابيةِ هو المبنيُّ، لا الممنوعُ من الصرفِ، لو سلَّمنا جدَلاً بسلامةِ هذا الكلامِ، وصِحَّة نظمِه.

3- ذكر من أسباب المنع من الصرفِ أن يكون الاسم مختومًا بألف التأنيث المقصورة، ومثَّل له ب (هدى)، و(مُنى) (العدد 102). وهذا تخليطٌ شنيعٌ؛ فإنَّ ألفَ (هدى)، و(منى) منقلبة عن أصل، وليست ألفَ التأنيث المقصورة؛ ولذلك تُصرَف؛ قال تعالى: ((وهدًى وموعظةٌ للمتقينَ)). فأيُّ شيء هذا الذي اقترفَ الكاتب !

4- قال: (إبراهيم اسم أعجمي.. وسبب منعه من الصرف العلمية.. والعجمة. لكنه يُجرُّ بالكسر إذا دخلت عليه (اللام) فيُقال: بيت آل إبراهيم. حسب علمي) (العدد 193). والكاتب لا ينتهي عن التخليط القبيحِ، ثم يختمه بقوله: (حسب علمي)، معَ أنَّه ليس لديه في هذه المسألة ونحوها من العلم شيءٌ؛ فإنَّ (آل) ليست (أل) التعريف؛ وإنما هي اسمٌ بمعنى (أهل)؛ ولذلك لا يُجرّ ما أضيفت إليه بالكسرةِ كما يزعمُ؛ قال تعالى: ((إن الله اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيمَ)). ورحم الله ابن قتيبة في (أدبه)، وابن فارس في (صاحبيّه)، وأبا العلاء في (لاميته).

5- خطَّأ أن يقال (دخلوا بالمكان)، وزعم أن الصواب (دخلوا في المكان) (العدد 178). وهذا باطلٌ؛ فالباء تأتي ظرفيَّةً باطِّرادٍ، كما قال تعالى: ({أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا}، وقال: {إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ}، ثم قال زهير:

بها العِين والآرام يمشين خلفةً

وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم

6- جعلَ (المَهين) من مادَّة (هون) (العدد 134). وهذا خطأ؛ فإن (المَهين) صفةٌ مشبَّهةٌ على زنةِ (فَعيل)، من مادَّة (مهن)؛ يقال: مهُن يمهُن مهانةً؛ فهو مهِين. أمَّا الذي من (هون)، ف (مُهَان). ولم يقولوا: (هانَه)؛ فيجوز أن نقولَ: (مهِين).

7- ذكر أن المصدر الميميَّ من (أجهضَ) هو (مجهَِض) بكسر الهاء، وفتحها (العدد 111). وهذا خطأ؛ فإنَّه بفتحِ الهاءِ فقط، ك (مُدخَل)، و(مُخرَج)، و(مُنزَل).

8- قالَ: (أدم: على وزن أفل قياساً، والمراد به الجلد يكون للقعود عليه) (العدد 111). وهذا خطأ؛ فإنها على وزن (فعل)، لأن الهمزةَ أصليَّة.

9- قال: (الدمع: هو إغراق العين بالماء دون انسكابٍ) (العدد 134). وهذا غيرُ صوابٍ؛ فإن الدَّمْعَ ربَّما سالَ حتى يبُلَّ بعضَ الجسدِ؛ ألم ترَ ما قال امرؤ القيس في معلقته:

ففاضت دموع العين مني صبابة

                                                   على النحر، حتى بلَّ دمعيَ مِحملي

وقال المرَّار الفقعسي:

إذا خطرت منه على النفس خطرةٌ

   مرَتْ دمع عيني، فاستهلَّ على نحري

وقال ربيعة بن مقروم الضبي:

ففاضت دموعي، فنهنهتها

                                                       على لحيتي، وردائي سُجوما

و(الدمع) مصدر (دمَِعَ يدمَع). وإطلاقُه على (الماءِ الخارجِ من العين) من بابِ المجازِ المرسَل، الذي عَلاقتُه التلازمُ (اللازمية، أو الملزومية)، كما سُميَ الملفوظ

لفظًا، والمنسوج نسجًا، والمخلوق خلقًا. ثمَّ أصبحَ حقيقةً عرفيَّةً، وجرَى مَجرى الأسماءِ؛ فجمعوه على (أدمع) جمعَ قلةٍ، و(دموعٍ) جمعَ كثرةٍ، واعتدُّوه اسمَ جنسٍ جمعيًّا؛ فألحقوه تاءَ الوَحْدة؛ فقالوا: (دمْعة)، ثم جمعوه جمعَ مؤنَّثٍ سالمًا؛ فقالوا: (دمَعات). وقولُ المتأخرينَ في (لفظ): (لفظة) جائِزٌ، لأنَّه لمَّا انتقلَ مِن حيِّز المصادر إلى حيِّز الأسماء غيرِ المصادرِ من طريقِ المجاز، جرت عليهِ أحكامُها. ولما كان حينَئذ دالاًّ على شيءٍ غيرِ محصورٍ بحدٍّ، احتاجوا إلى لفظٍ خاصٍّ يدلُّ على القطعةِ منه؛ فزادوا التاءَ في آخرِه.

وقد بقيَ أن أذكرَ أن إغراقَ العين بالماء، أو تردُّدَه فيها من غيرِ انسكابٍ، يقال فيه: (ترقرقت عينه)، و(اغرورقت).

10- قال: (أقادَ من القِود بكسر القاف) (العدد 193). وهذا غيرُ صحيح؛ فإنها من (القَوَد) بفتحِها، كما في المعجماتِ.

11- ذكرَ أن أصل (أسعَدُ) هو (سعُد) بضم العين (العدد 259). وهذا غيرُ صحيحٍ؛ بل هو (سعِ د) بكسر العينِ، من بابِ (علِمَ)، كما في معجمات اللغة. ولا أدري كيفَ زعمَ أن أصلَها بالضمِّ ! هلاّ مدَّ يدَه إلى أصغر معجَمٍ، وراجعَ فيه هذه الكلمة، ليبرأ من معرَّة القولِ بلا علمٍ، ولا برهانٍ !

12- خطَّأ أن يّقال: (يرحمك الله)، وزعم أن الصواب (رحمك الله) (العدد 70). وهذا قولٌ منكَر؛ فقد قال الله تعالى: {يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ، وأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشمّت العاطس ب: (يرحمكم الله). ويبدو أن الكاتب إذا عطس عندهُ عاطس، وقال: (الحمد لله)، قال له: (رحمك الله). ومن الشعر أيضًا قولُ الحماسيِّ:

يرحمك الله من أخي ثقةٍ

                                                      لم يك في صفو وده كدَرُ

وقول محمد بن يسير:

صارَ اليسيريُّ إلى ربِّه

يرحمنا الله وإيَّاه

وقول مجنون بني عامر:

يا ربِّ لا تسلبنّي حبّها أبدًا

                                                       ويرحم الله عبدًا قال: آمينا

وثم شواهد غير ذلك كثيرةٌ.

ووجه ذلكَ من النظر أنَّ الأصلَ في الدعاء أن يكون بصيغةِ الأمرِ؛ ولكنَّه ربَّما خرجَ عن ذلك لغرضٍ بَلاغيّ؛ فجاءَ على صيغةِ الماضي كما هو معلومٌ، أو على صيغةِ المضارعِ كما مثلنا، أو جملةً اسميةً، كتحية الإسلام: (السلام عليكم)، وكقول عبدة بن الطبيب:

عليك سلامُ الله قيس بن عاصم

                                                                 ورحمتُه ما شاء أن يترحما

وقول عاتكة بنت زيد ترثي عمر رضي الله عنه:

جسدٌ لُفِّف في أكفانِه

رحمة الله على ذاك الجسدْ

وقول كعب بن سعد الغنويّ:

كمُلقى عظام، أو كمهلك سالمٍ

                                                                ولستَ لميتٍ هالكٍ بوصيلِ     

وهذا دعاءٌ له بطولِ السلامةِ.

فأما إذا جاء على صيغة الماضي، فإنما يكون تفاؤلاً، ورجاءَ أن يقعَ، فيكونَ ماضيًا حقًّا، كما نُزِّل المستقبَل منزلةَ الماضي ثقةً بتحقُّقه، وتصديقًا له؛ قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ}. وأمَّا إذا جاء على صيغة المضارع، فإنما ذلك لأحدِ وجهينِ؛ أحدُهما أن نجعلَ المضارعَ دالاً على الزمن المستقبَل، كما قال تعالى: {يُعَذِّبُُ مَن يَشَاء وَيَرْحَمُ مَن يَشَاء}؛ فيكون بمنزلة ما لحقته أداة التسويف؛ كأنك قلتَ: (سيرحمه الله) ليس تحقيقًا؛ ولكن تفاؤلاً وطمعًا. والآخَر أن نجعلَ المضارعَ دالاًّ على الحالِ - لأن المضارعَ صالحٌ للدلالة على الزمانين -؛ فيكون هذا من بابِ الحكايةِ، كما قال تعالى: {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ}؛ كأنك انتقلتَ إلى المستقبَل، فحكيتَ ما تَرى. وأما إذا جاء جملة اسمية، فإنما ذلك ليفيد التمكن، والثبوتَ، كما قال تعالى: {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}؛ كأنَّه انتقلَ من كونِه طلبًا إلى كونِه خبرًا واقعًا. وهذه أضربٌ مختلِفةٌ من البلاغة، في بعضها حسنُ التصويرِ، وفي بعضها الآخَر مبالغَةٌ تقوِّي المعنَى، وتمكِّن له. وكلاهما منفذٌ إلى إفهام المخاطب، وإقناعه.

13- ذكر أنه يجوز أن تقول في (أوفِ بنذرك): (أوفي بنذرك) (العدد 109). وهذا قول بلا علمٍ؛ فإن (أوفِ) فعل أمر معتلّ الآخر؛ فيجب حذف آخِره، إلا في ضرورة الشعر.

14- قال: (ويكون على وزن اسم المفعول (والموفُون)) (العدد 109). وهذا خطأ؛ فإن (الموفون) اسم فاعل، لا مفعول.

أكتفي بهذا؛ على أني لم أذكر من الأخطاء إلا ما كان خطأ صريحًا، لا شبهةَ فيهِ، ولا تأويلَ، ولا خلافَ عندَ مَن يُعتدّ به من أهل العلم. وتركت غيرَ ذلك شيئًا كثيرًا.

فيصل بن علي المنصور

 faysalmansour@hotmail.com


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة