Culture Magazine Monday  23/02/2009 G Issue 272
فضاءات
الأثنين 28 ,صفر 1430   العدد  272
على هامش محرقة غزة
تعدّدت الأسباب والموت واحد!!

 

هناك مقولة شائعة ذائعة، وهي (إن ما يؤخذ بالقوة لا يستعاد إلا بالقوة) حيث لطالما استبيحت حقوق الكثير من الشعوب في أنحاء العالم على مدى التاريخ، أو الزمن الموغل في القدم!!

ثم لا تلبث تلك الشعوب حتى تفيق من صدمة كبوتها، وتهب هبة وحدة بعزيمة لا تلين، واندفاعه لا تلوي على شيء.. لا تهاب الموت بل تطلبه: (اطلب الموت توهب لك الحياة).

وأما بالنسبة للشعوب الإسلامية فشأنها أعظم من ذلك حيث الموت عندها (إحدى حسنين.. الشهادة، أو النصر).. وهذا ليس مجرد شعار.. بل هو ثقافة متجذرة عندهم.. بل هو دين يدينون به، وعقيدة راسخة.. قوامها إيمان عميق عندهم بكون (الموت) أجل محتوم في وقت بعينه لا يتقدم، ولا يتأخر.. فلا معنى، أو سبيل إلى الخوف منه قط حيث يقول شاعرهم:

ومن لم يمت بالسيف مات بغيره

تعددت الأسباب.. والموت واحد

أجل.. أجل.. من لم يمت بالسيف قد يموت في حادث سير مفاجئ، أو بتماسّ كهربائي، أو بأدنى، أو أتفه سبب على الإطلاق!!

ونذكر هنا مقولة رائعة ل(خالد بن الوليد) رضي الله عنه عندما حضره الموت، وهو على فراشه بينما كان يفترض في مثله ألا يموت إلا في حومة وغى.. فقال:

(أموت، وما في جسمي إلا ضربة سيف، أو طعنة رمح، أو رمية سهم.. وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء)!!

ويمثل هذه الروح، وتلك العقيدة، وذلك الإقدام تنتزع الحقوق المنهوبة، المسلوبة، والحمى المستباح المغتصب.. مهما طال الزمن أو قصر!!

ومهما كان جبروت المغتصب، وطغيانه، وكثرة عدته، وعتاده!!

والأمثلة على ذلك كثيرة جداً على مدى الأزمان!!

وها هو الشعب العربي الفلسطيني المسلم يعاني منذ أكثر من ستين عاما من سلب حريته، واغتصاب حقوقه، وإهانة مقدساته من قبل كيان صهيوني شائه، مسخ.. عقيدته الغدر، والخيانة، وسفك الدماء، وترسانة أسلحة فتاكة، مدمرة للبشر، والشجر، و الحجر.. لا خلاق له، ولا وازع من دين، أو رادع من ضمير.. قد تجرد من إنسانيته إن كانت له إنسانية أصلاً، وحاشا!!

وبمثل ذلك، وما هو أبشع، وأشنع منه ظل يخوض حروباً هائلة متواصلة على مدى أكثر من ستين عاما ضد الشعب الفلسطيني.. بل ضد أمة العروبة والإسلام.. أو (أمة المليار) كما يقال عنها على سبيل السخرية، والتهكم!!

والأصل هنا هو الشعب الفلسطيني الذي كانت، ومازالت له الكثير من صولات، وجولات في سبيل الجهاد، والنضال، والمقاومة، وما إلى ذلك من نحوه مما جعل عدوه الإسرائيلي يعيش كل هذه العقود على رهبة، وخوف، وانعدام أمن.. لم يهنأ قط بما سلب، ونهب، واغتصب!!

ولولا ما طرأ، ويطرأ - بين حين وآخر - على فصائل المقاومة من عدم توحد، واختلاف آراء، وتنافر.. لكانوا قد استعادوا أوطانهم، وحقوقهم، وشرفهم، وكرامتهم منذ زمن!!

وكلهم يعلمون أن لا بأس في تعدد الفصائل.. بل البأس في اختلاف الأهداف، وهم يعرفون، ونحن أيضا نعرف أن جميع الشعوب التي تعرضت لمثل ما تعرضوا له لم يتحقق لهم النصر النهائي على أعدائهم إلا بعد توحد حركات مقاوماتها كما حدث في (الجزائر) على سبيل المثال ليس إلا!!

أما الحركات، والفصائل الفلسطينية التي يفترض كونها - مهما تعددت - ذات هدف واحد موحد هو (الحرب على العدو، ومقاومة بغيه وطغيانه) إلا أنها - مع كل أسف - قد تفرقت أيدي سبأ.. ودب بينها النزاع، والشفاف!!

وما كان ذلك ليحصل لولا لعنة (السياسة) والانغماس فيها، والتطلع إلى سرابها، وأوهامها.. بيد أن سنة التاريخ في الجهاد، والثورات، والمقاومة أن تتعرض حتما لمثل ذلك!!

ثم لا تلبث أن تثوب إلى رشدها فتوحد كلمتها، وصفوفها فيكون النصر بعون الله تعالى وحوله، وقوته.

ولكن النصر.. ربما لابد له من ابتلاء شديد قبله لحكمة ربانية لا تكاد تدركها معارفنا، وإن كنا قد عرفنا - مثلا - ما حدث في غزوة (الأحزاب) من كيد (اليهود) ذاتهم.. كيدهم، وخداعهم، وأحقادهم حيث قاموا بتأليب قريش، وبعض القبائل على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فجاءوا إلى المدينة أحزابا.. أحزابا قوامها حوالي عشرة آلاف شخص بقيادة (أبو سفيان بن حرب) حيث نزلوا شرق المدينة، ونزلت طائفة منهم في أعالي أرض المدينة، فذلك حيث يقول الله تعالى: {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ} وخرج لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين في عدد أقل بكثير جدا من جمع (الأحزاب) وبخاصة بعد ممالأة اليهود من بني قريظة للأحزاب وعددهم ثمانمائة.

فعظم الخطب، واشتد الأمر، وضاق الحال.. فذلك حيث يقول الله تعالى: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} حيث كان (الحصار) يضيق على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن معه حوالي الشهر دون قتال.. ثم أرسل الله تعالى على الأحزاب ريحا شديدة الهبوب لم تبق لهم خيمة، ولا توقد لهم نارا، ولا يقر لهم قرارا حتى ارتحلوا خائبين، خاسرين.. فذلك حيث يقول الله (عز وجل): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}.

وكما يقول تعالى: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} (11) سورة الأحزاب.

فإذا كان قد أصابكم - يا أهل غزة - بعض نفاق، أو خذلان من ذوي قربى، أو من غيرهم فلكم الأسوة الحسنة برسول الله صلى الله عليه وسلم بما حدث له في غزوة (الأحزاب) حيث سينصركم الله بعد أن ابتلاكم، ولن يخذلكم أبداً إن شاء تعالى.

وآية ذلك أن أعانكم الله على الصمود، والثبات طيلة (22 يوماً) يحيط بكم من الجو، والبر، والبحر، أشرس عدو من (يهود) يسومونكم الفتك، والقتل، والتدمير.. فثبتكم الله من حيث صمدتم صمود الأبطال، وتحصنتم بالعقيدة الدينية وليس عقدية العسكر فحسب حتى اندحر العدو، وعاد يجر أدراجه، ودباباته، وآلياته، وقبل ذلك طائراته خاسئا مدحوراً بلعنة الله، وسخطه، وغضبه!!

وهنا أقول: كفاكم (أهل غزة) توفيقا.. هذا الطوفان البشري الذي هب في كل أنحاء العالم تأييدا لكم، وتنديداً بعدوكم على نحو غير مسبوق!!

وكفاكم توفيقا أيضا أن عدوكم الخسيس الشرس قد استخدم ضدكم كل وسائله العسكرية على ضخامتها وتنوعها، وتعددها، وشدة فتكها، تدميرها.. فعاث فسادا، وهدما، وقتلا وتدمير مساجد، ومدارس، ومنازل، وحتى منظمات دولية، ولم يعد لديه ما يفعله قط رغم ضخامة ما لديه!!

ومع كل ذلك لم يحقق مجرد أمن مواطنيه.. بل هو لم يحقق ذلك على مدى ستين عاما من حروبه، وفظاعاته.. فهو بذلك ظل، وسيظل مجرد كيان هش تهتز الأرض من تحته وترعبه، الأشباح، حتى لقد ذهب يستجدي أمنه، وحمايته من (كونداليزا رايس) وأمثالها من حيث لم يستطع تحقيق ذلك بترسانته العسكرية الهائلة، ولا بأي شيء من ممارساته الفظيعة، الشنيعة!!

وأجزم كل الجزم أن لو توحّد الشعب الفلسطيني بأسره في المقاومة الجادة على قلب رجل واحد لما تحقق لعدوه أدنى سلام قط.. رغم جداره العازل الهائل، وحصاره الخانق، وحواجزه الفولاذية.. بل رغم كل شيء!! ذلك لكونه كيانا لقيطا ملفقا من الأفاقين، والمشردين الذين لم يستقروا في مكان قط!!

ولن يستقروا في (فلسطين) أبدا.. حيث مصيرهم التاريخي الأزلي هو (الشتات) والتشرد في الآفاق على طول الزمن، أو مدى التاريخ!!

علي محمد العمير

جدة

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة