Culture Magazine Monday  19/01/2009 G Issue 267
فضاءات
الأثنين 22 ,محرم 1430   العدد  267
جمعية دولية لمناهضة الكراهية
منذر بدر حلّوم

 

يدعوني صديق روسي لمشاهدة عرض سينمائي في موسكو, فاستعد لأمسية طيّبة, على جهل مني بما سألقاه.. يبدأ الفيلم بمشهد ينتظر فيه البطل في مطارٍ بنيويورك صديقه القادم من ستوكهولم, وما ان يتعانقا ويهنئه بالسلامة حتى يسأله عن انطباعه عن المدينة, فإذا به يجيب, بما تُرجم إلى الروسية ب(مقرفة, مليئة بالعرب!)؛ أطفئ كومبيوتري بعد منتصف الليل, أبحث في محطات التلفزيون عمّا أتخفف به من وطأة يوم عمل طويل, أتوقّف عند محطة أغانٍ هندية, فإذا بأغنيةٍ تؤدّى على خلفية جَلْدِ عربّي بلباسٍ خليجي لمغنية ذات صوت رقيق مؤثر! أتوقّف عند برنامج للكاتب والممثل الروسي الساخر زادورنوف يتحدّث فيه, بأسلوب ساخر, عن فترة استجمام قضاها في مصر, فإذا بمقولة البرنامج الختامية: (شعرت بالشفقة على اليهود بعد أن تعرّفت على العرب!), أعود بذاكرتي إلى رواية إيلينا تشودينوفا (جامع سيدة باريس) والتي تسخر فيها من العرب والمسلمين واصفة إياهم بالمؤخرات, وسبق أن كتبت عن هذه الرواية المعادية بشدّة للعرب والمسلمين والمحرّضة على إبادتهم في السفير الثقافي (7-4-2006), وإلى (عربي أوليتسكايا المفضّل) الذي لا جذور ولا هوية له ولا انتماء, اللهم إلا الانتماء الذي يخدم إسرائيل والصهيونية (السفير الثقافي 17-3-2006), وإلى عرضٍ وافٍ قدّمه سعود المولي لكتاب الأمريكي اللبناني الأصل جاك شاهين (عرب الشاشة الأشرار: كيف تشيطن هوليوود شعباً بكامله؟), الصادر بالانكليزية عام 2001 عن منشورات غصن, والذي, كما جاء في العرض (السفير الثقافي 31-3-2006) ينبني على تحليل ل900 فيلم هوليوودي يشوَّه فيها العربي ويُسخر منه.. ومنه أعود بذاكرتي إلى أسبوع نقاهة أمضيته في دار نقاهة واستجمام في سيرغييف باساد في طوق موسكو الذهبي عام 1993 فيه دار للسينما, كان كل ما قدّمته من أفلام (معظمها أمريكي) على مدى أيام إقامتي هناك يفوح برائحة الكراهية للعرب, ويؤكّد ما جاء في كتاب شاهين. ولكن! ما الذي يجب عمله إزاء هذا التشويه والتحريض الذي يهدف إلى جعلنا في الوعي العام العالمي كائنات كريهة يسهل القبول بتجويعها وإهانتها, بل وقتلها؟

في معرض الإجابة عن هذا السؤال, أوّل ما يخطر ببالي نابع من معاناتي مع ذاكرتي أثناء الشروع بكتابة هذه المادة. فقد توهّمت أن ذاكرتي تحتفظ بأمثلة أكثر بكثير مما أوردت. ولكن, وللأسف, مع الزمن تضيع العناوين والأسماء والتواريخ والأقوال... فإذن, لا بد من توثيق! لا بد من مؤسسة ذاكرة, ليس على مثال تنظيم (الذاكرة) الروسي العنصري, والذي يجب ألا يعجبنا لمجرد معاداته لليهود, فما يفيدنا في نضالنا هو نبذ الكراهية المبنية على الانتماء العرقي والديني كائناً من يكون هدفها, ونحن, العرب, أوضح أهدافها اليوم..لا بد من مؤسسة تجمع وتوثّق كل ما يستهدف العرب من منطلق الكراهية في الفن والثقافة والسياسة وجميع الأنشطة البشرية, تجمعه وتوظّفه توظيفاً مفيداً.. ولا بأس هنا في الإفادة من تجربة (اليهود) مع (الهولوكوست) و(اللا سامية), دون أن يعني ذلك أن نوظّف الكره لنا للتحريض باتجاه كراهية شعب آخر, كما يفعل سادة اليهود الصهاينة بنا. فقد يأتي يوم يخجل فيه العالم مما يفعله بنا نحن العرب ويدفع ضريبته, كما تخجل أوروبا المتحضّرة اليوم مما فعلته بفقراء اليهود.

وثمّة ما يجب فعله بعد! فعلى الرغم من أنني احتدم في وجه من يخطر بباله أن يطاول بالسخرية انتمائي أو يحط من قدر شعبي وأمتي, إلاّ أنني ما ان ينصرف الغريب حتى أتلفّت حولي واتحسس شعوري الحقيقي تجاه انتمائي, شعوري غير المعدّ للتسويق أو لتوظيف الغرباء له, فأكتشف أنني أخجل خجلاً مزمناً من كوني عربياً, خجلاً يتفاقم حيناً ويخف حيناًَ آخر. ويا للمفارقة فهو يتفاقم حين أتفرج على التلفزيونات العربية وأقرأ الجرائد العربية. وإذ اتفحّص شعوري هذا أتيقّن من أنّه ليس انعكاساً لصورتي التي ترتد إليّ من فنّهم وثقافتهم ووسائل إعلامهم. بل أنا أخجل لأنني كائن مسلوب الإرادة والحرية وبالتالي الكرامة. وهذه الأشياء المخجلة يجب أيضا توثيقها في الذاكرة العربية, كي لا تغدو ممكنة في المستقبل. أجل, فثمّة خجل مفيد!

دمشق

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة