Culture Magazine Thursday  16/04/2009 G Issue 279
فضاءات
الخميس 20 ,ربيع الثاني 1430   العدد  279
عاقبة التأليف المشترك
هل كان الخالديان يسرقان الشعر ؟
منصور بن عبد الله المشوح

 

قليلةٌ جداً هي الكتب التراثية التي تم تأليفها بالاشتراك مع مؤلف آخر، ومن خلال جولة سريعة كنتُ قد قمت بها في الأيام القليلة الماضية في كتب التراث؛ من أجل البحث عن هذا النوع من التأليف؛ اتضح لي أن هذا النوع موجود في القرن الرابع الهجري، وخصوصاً لدى أخوين اثنين هما: محمد بن هاشم، وسعيد بن هاشم، وكانا يلقبان بالخالديان، وكانا يشتركان في نظم القصائد وفي تأليف الكتب، وبعد تتبعي لأقوال العلماء السابقين فيهما؛ اتضح لي أيضاً أن العلماء كانوا يرون بأن التأليف بالاشتراك مع مؤلف آخر مخالفٌ للفطرة البشرية، معتبرين ما قام به الخالديان بأنه مجرد حدث استثنائي، إذ وصف المعري عملهما ذاك بأنه متعذر في ولد آدم، وبأنه مخالفٌ للجبلة البشرية.

لقد أدركَ الخالديان خطورة عملِهما، ومن أجلِ ذلك حاولا أن يضعا لهما لقباً يَشعران فيه بالاتحاد والتَّماهي التام بينهما، أي أن يتصور أو يعتقد كل واحد منهما بأنهما مجرد شخص واحد وليسا شخصين، وهذا ما حصل منهما بالفعل، لقد كانا مؤمنين حقاً بما كان المعري يؤمن به؛ من أن ذلك العمل مخالف لجبلة الإنسان وعلى هذا الأساس جاء اللقب الواحد.

إضافةً إلى ذلك فإن الخالديين كانا يُتهمان بسرقة أشعار غيرهما، كما أورد ذلك صاحب الفهرست، وسبب ذلك الاتهام يعود إلى أن العرب لم تعتد التأليف المشترك لا سيما في الشعر، إذ لا يمكن للعربي أن يتصور قصيدة قد كتبت بإمضاء شاعرين اثنين، لأن التوافق والانسجام في الكتابة بين اثنين متعذر كما يقول المعري، وعلى ذلك كان من الواجب أن يكون الذي يكتب القصيدة واحد لا غير، وهذا الواحد هو أحد الخالديان إما محمد وإما سعيد، بيد أن الخالديان رفضا الاعتراف بذلك؛ إذ إن كلاهما كان يقول بأنه كان يشترك مع أخيه في كتابة هذه القصيدة أو تلك، ولذلك كان لا بد من أن يبحث المجتمع آنذاك عن شخص آخر تنسب إليه أشعارهما، حتى يتم قبول ذلك الشعر وتصديقه؛ ولهذا ظهر شخص اسمه (السري الرفّاء) وهو من شعراء الموصل حيث عمد هذا الرجل إلى شعرهما وقرأه ثم نسب أجوده إلى صديقه الشاعر محمود بن الحسين المعروف بكشاجم .

وتقول الروايات بأن الرفّاء كان يتهم الخالديان بسرقة شعره، والخالديان أيضاً كانا يقولان ذلك عن الرفاء، ولكن إذا تتبعنا خيوط قصة الخالديان مع الرفاء سنجدُ بأنَّ الرفَّاء يبتعد عن كل مجلس يتواجد فيه الخالديان، وأن الخالديان كانا يتبعان الرفّاء أنّى ذهب، ولكم أن تسألوا أنفسكم حينئذٍ: أيهما كان الجاني

هذا أمر، وثمة أمر آخر وهو: لماذا كان العلماء يتهمون الخالديان بالسرقة ؟ وإجابةً على ذلك أقول بأن العلماء كانوا يقولون بأن الكِتاب والقصيدة كالولد، وقد كان الجاحظ يؤكد ذلك مراراً، فالولد كما نعلم لا يمكن أن ينسب إلا إلى أبيه، والأب لا يكون إلا واحداً، أضف إلى ذلك أنه قد ورد في الأثر (لعن الله من انتسب إلى غير أبيه)، فلماذا الخالديان بالذات؛ نسبا الولد إلى أبوين اثنين، إليهما هما.

الرياض

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة