Culture Magazine Thursday  14/05/2009 G Issue 283
فضاءات
الخميس 19 ,جمادى الاولى 1430   العدد  283
عندما حل الطفل ضيفاً على أدبي مكة
د. فهد العبري

 

(الطفل ملك الأسرة)

مثل صيني

لعل من أهم أدوار الثقافة المجتمعية هو تفاعلها مع محيطها الاجتماعي وملامسة شجونه. وإلا كرست الثقافة ذلك الاتهام الذي مافتئت تقابله وهو أنها تعيش في برجها العاجي، والأندية الأدبية في المملكة العربية السعودية والتي تحظى بدعم كبير من وزارة الإعلام يجب عليها أن تكون أكثر قرباً من القضايا الاجتماعية والوطنية الملحة. فهذه الأندية هي الصروح الشامخة القادرة على التعامل مع مثل هذه المستجدات.

ولقد وفق نادي مكة الأدبي الثقافي باختيار موضوع ملتقاه الثاني والذي حمل عنوان: (ثقافة الطفل.. الهوية ومتغيرات العصر)، وتم افتتاحه 17ربيع الآخر 1430هـ الموافق 13 ابريل 2009م تحت رعاية وزير الإعلام، واستمر مدة يومين؛ حيث تعتبر قضية الهوية من القضايا الشائكة لاسيما في هذا العصر: عصر العولمة؛ حيث استطاعت المؤسسات الإعلامية العابرة للقارات اختراق الخصوصيات الثقافية للشعوب محاولة القيام بما يمكن أن أسمية (تنميط الثقافة العالمية). ومن هنا إذا كان فوكوياما يرى نهاية التاريخ فأنا أرى نهاية الجغرافيا. ومع نهاية الجغرافيا أصبحت الهويات المختلفة لشعوب العالم تحت رحمة هذه الثقافة العالمية القادمة من خارج الحدود.

ولعل خط الدفاع الأول ضد الذوبان الثقافي هو حصن الهوية الذي يجب العمل على تقويته، وتقويته لا تعني الانعزال عن العالم المحيط والتقوقع على الذات لأن مثل هذا التصرف يعتبر نوعاً من (الاكتئاب الثقافي)، الذي قد يقود مع الوقت إلى الموت الثقافي أو الانتحار الثقافي. وإنما تقوية حصن الهوية يعني الوعي بالذات والتعامل مع الآخر بثقة عالية دونما تردد في أخذ ما لديه من إيجابيات. فالحكمة في النهاية، كما قال معلمنا -صلى الله عليه وسلم-: ( الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها). وهذه عظمة الإسلام الصحيح؛ فهو لا يرفض الأخذ بالأمور الجيدة لكونها قادمة من الآخر؛ فالمصدر ليس مهماً بقدر المحتوى، بعكس تلك الصورة التي تكرسها بعض العقول المتحجرة.

ولكي نتمكن من تقوية حصن الهوية يجب أن نبدأ باللبنة الأولى فيه والتي تبنى عليها بقية اللبنات، ألا وهي هوية الطفل. فكيف لنا أن نطالب بهوية قوية ومتماسكة لمجتمع الكبار، إذا لم تؤسس هذه الهوية لديهم في مرحلة الطفولة! وبهذه الرؤية الحصيفة جاء ملتقى (ثقافة الطفل: الهوية ومتغيرات العصر) الذي أقامه نادي مكة الأدبي الثقافي الأسبوع الفارط؛ حيث افتتح رئيس نادي مكة الثقافي الأدبي الدكتور سهيل بن حسن قاضي فعاليات هذا الملتقى الثقافي الهام بفندق جراند كورال بمكة المكرمة. حيث ألقى رئيس النادي الدكتور سهيل قاضي كلمته الجميلة والتي رحب فيها بالحضور والمشاركين في هذا الملتقى. حيث أكد الدكتور قاضي أهمية مساري ثقافة الطفل. المسار الأول هو الموجه للطفل كقارئ ومستمع ومشاهد (أما المسار الثاني لثقافة الطفل فيتمثل فيما يكتبه الكبار من أبحاث ودراسات حول الطفل. والحقيقة أن التأكيد على أهمية هذين المسارين أمر مهم. فغرس القيم الفاضلة في نفوس الأطفال يجب أن يأتي عن طريق المسارين كليهما.

كما يجب أن يعي المشتغلون بثقافة الطفل هذين المسارين ويحاولوا الربط بينهما عندما يؤسسون لثقافة طفولية صحيحة تتخذ من تنمية هوية الطفل منطلقاً لأهدافها المتوخاة. ومن أهم الجوانب التي يجب تنميتها في هوية الطفل، الهوية الوطنية. حيث من المهم أن يعي الطفل أهمية الارتباط بالوطن. لكي تكون لديه مرجعية وطنية تشعره بالانتماء إلى مجتمع الوطن في ظل هذا الطوفان اللاانتمائي. وهذه الهوية الوطنية لا تمنع بالتأكيد الانتماءات الأضيق كالانتماء للأسرة والحي والمدينة. كما أنها لا تمنع الانتماءات الأشمل كالانتماء للعروبة والإسلام. ومن الخطأ الفادح تصور أن هناك تعارضاً بين الانتماء للوطن والانتماء للإسلام.

ولكي نتمكن من التأسيس لهوية طفل سليمة يجب علينا مراعاة التالي:

- أن يكون موضوع الهوية -لاسيما الوطنية منها- هدفاً من الأهداف الغائية للعملية التربوية في المملكة العربية السعودية.

- أن يكون الطفل حاضراً في الخطط التنموية بكافة أشكالها من عمرانية وصحية واقتصادية وترفيهية ...إلخ

- الاهتمام بالصحة النفسية للطفل، ويدخل في هذا النطاق مكافحة العنف الأسري بكافة أشكاله لما له من تأثير سلبي على صحة الطفل النفسية.

- الاهتمام بآلام لما لها من دور ثقافي هام في الحفاظ على هوية الطفل: أليست الأم مدرسة إذا تم الاهتمام بها كانت النتيجة صلاح الشعب.

- تعزيز الشراكة بين القطاعين الخاص والعام للاهتمام بالطفل ورعايته؛ فمشروع الطفل السليم مشروع وطني يجب على كافة القطاعات العامة والخاصة المشاركة فيه.

ولقد تم طرح أكثر من 26 ورقة عمل في هذا الملتقى تناولت عدة موضوعات تخص الطفل، فمنها ما تناول مجلات الأطفال ومنها ما تناول المنجز السعودي في التأليف للطفل، كما تم تناول المؤسسات التربوية ودورها في غرس وتنمية وتعزيز الولاء الوطني لدى الأطفال في عصر العولمة في ورقة قدمتها في هذا الملتقى. ومن المواضيع الأخرى التي تم التطرق إليها: ثقافة الطفل في القنوات الفضائية.. قراءة معاصرة، سمات الخطاب الإعلامي الموجه للطفل.. إيجابياته وسلبياته ودوره في تثقيف الطفل، أثر وسائل الإعلام والتقنيات الحضارية والمكتبات في ثقافة الطفل، إشكالية التنمية والانتماء في لغة الطفل، نحو تقييم المستوى اللغوي في قصص الأطفال المترجمة.. دراسة على عينة مختارة، بعنوان (المكون التراثي في بناء ثقافة الطفل السعودي.. دراسة ومقارنة، ثقافة الطفل في الطرح الإسلامي والغربي: مدخل إلى تأمل التجربة التاريخية وآراء المؤدبين الجدد، الطفولة وضريبة المدينة الحديثة).

ومن اللفتات الجميلة في هذا الملتقى تكريم العديد من الجهات والشخصيات التي لعبت دوراً في ثقافة الطفل. حيث تم تكريم مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض والتي لها دوراً ريادياً في نشر ثقافة الطفل. كما تم تكريم عباس بن فائق غزاوي رحمه الله وفريدة بنت محمد علي فارسي وهما رائدان وإعلاميان من رواد وإعلام الطفل.

ولقد جاءت توصيات الملتقى على النحو التالي:

- التأكيد على استمرار إقامة قضايا الخطاب الثقافي وفق متطلبات الخطة الإستراتيجية لنادي مكة الثقافي الأدبي. تحرير مفاهيم البنى التحتية المنتمية إلى شخصية الأمة تحريرا وظيفيا.

- تأكيد أهمية انفتاح الخطاب الثقافي بحرية مسؤولة إيمانا بأهمية التنوع الثقافي.

- أهمية توثيق العلاقة بين الباحثين المهتمين بثقافة الطفل وتبادل الخبرات في هذا الشأن بينهم.

- العمل على إشاعة ثقافة الأصول وبث روح التفاؤل والبعد عن ثقافة الاجترار والإحباط والعنف وتأصيل ثقافة الطفل القادرة على تحفيزه انتماء وسلوكا، وعلى طبع الهوية الثقافية المنفتحة على فضاء الكون.

- العمل على تشجيع التأليف والنشر والتوزيع في ثقافة الطفل.

وفي النهاية، وأمام هذا العمل الجميل الذي قام به هذا الصرح الثقافي الشامخ نادي مكة الأدبي الثقافي فأنني أعبر عن شكري أصالة عن نفسي ونيابة عن جميع زملائي المشاركين للقائمين على هذا النادي وفي مقدمتهم: معالي الدكتور سهيل قاضي والدكتور محمد الحارثي اللذين كانا مضرب المثل في الكرم والاهتمام بالمشاركين؛ لدرجة أن يمنح معالي مدير النادي سيارته الخاصة لبعض المشاركين للذهاب عليها إلى متحف الحرمين الشريفين، كما نشكر لهما حرصهما على تناول موضوع ثقافة الطفل وهويته حيث يدل هذا التناول لهذا الموضوع الهام استشعار هذا النادي لمسؤوليته تجاه الوطن ومجتمع الوطن. فالطفل يعتبر ركيزة أساسية من ركائز المجتمع، والاهتمام به يعنى الاهتمام بالمجتمع ككل.

عنيزة

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة