Culture Magazine Thursday  14/05/2009 G Issue 283
فضاءات
الخميس 19 ,جمادى الاولى 1430   العدد  283
لا...لا هُو جَنَاح مَلاكْ...!!
زينب ابراهيم الخضيري

 

لي قلبُ نجار،

وكلّ ما ألمسه يصبح غابة،

أحبّ عالمَ الريح وغالباً ما تختلط

عيناي بأوراق الأغصان،

لا أُميّز بين النساء والربيع،

بين الرجل والشجرة، بين

الشفاه والجذور.

الشاعر التشيلي (بابلو نيرودا)

تساءلت من أين تأتي هذه المشاعر اللذيذة التي يُحِس بها المرهفون، أمثال نيرودا، هل يستخرج الشاعر مشاعره الجميلة من مشاعر أخرى أكثر عمقا، كما حدث في عصور الهند القديمة عندما وصل إليهم كتاب (الفيدا) المؤلف من أربعة أجزاء تحوي تعاليم وشعائر دينية، فاستخرج الكهنة من كتاب (الفيدا) ديانة جديدة أطلقوا عليها (البراهمانيه) فهؤلاء يعتقدون بالإله (براهما) المُتصف بالمعرفة والحكمة، والموجود بكل مكان..!

هل هي عملية اشتقاق، أم النفس البشرية تحتاج دائما لراع حتى لو كان وهماً، نُشّيد الرمز، نقتنع به، ثم نتخذه قوة وقدوة.

قرأت مقولة جميلة اجهل كاتبها يقول (إذا أنت تقرأ ما يعجبك فلن تتعلم أبدا)، هل نقيس هذه المقولة على المشاعر، بمعنى أن لا نتحيز لمشاعرنا بطريقة حديّة، فندعها تختار ماتشاء بعد أن تجرب، إذن التجربة هي التي قد تعجبني وقد لا تعجبني، ولكن يجب أن أخوضها . قرأت مالا يعجبني من المجنون شارل بودلير الموغل بالحديّة، وهو الذي كان ينفث سحر الجمال في كل قبيح، حيث جعل من صديقته (جان ديفال) قليلة الحظ من الجمال، والحقيرة في تعاملها معه، والتي كانت لا تمل من خيانته وهو يعلم ذلك، جعل منها (تمثالاً للجمال).

ويرى بودلير أن الجمال الحقيقي هو شيء غير مُبهر وعلى حد تعبيره (هو كسل الذهن) فهو يجعلك تعيش في حالة من البلادة والخمول لا تستطيع بعدها أن تتناول ما وراء هذا الجمال..؟؟ مع ان توفيق الحكيم يقول" الجمال هو العذر الوحيد الذي به نغفر للمرأة كل تفاهاتها وحماقاتها)..!!

اختلت بوصلتي فلا أعلم أي الجمالين يقصد الحكيم؟؟

وقرأت ما يعجبني من بودلير أيضا (وقد أكبرت رأيه) عندما صنّف الحُرية وقَسمها إلى:

1- حرية تطلق العنان للمفكرين والعباقرة.

2- حرية تقيد السلوك العابث.

(انتهى) وسؤالي: هل المجاهرة بالحب هو تسول للشفقة أم للحب؟ وهل التستر على الحب هو إعلان عن وفاة الحب؟ باعتقادي أن الحب يخرج من رحم نفوس طيبة رقيقة سهلة، نفوس صحيحة مندمجة مع جماعاتها الداخلية بكل انسجام، وبقبول غير مشروط، تتولد مشاعر تجيء من أعالي الروح هلامية. غامضة المنشأ ولكنها ممتعة، مستوحدة في طريق يحوي مروجاً من فرحة، وسنابل من قمح النشوة، يصهر الروح ويعجنها بماء من مطر الرقة والرهافة، الحب ينشأ ضد مشاعر أليمة تخترقنا كخنجر، انه يجعل الليل أكثر هدوءاً، والقمر أكثر جمالا، والبشر أكثر طيبة، وملامحنا وادعة متسامحة مع الكون.

هل يستطيع الحب وحده أن يقتل (الموات) داخل نفوسنا؟ يخيل إلي أن الحب جناح من أجنحة ملائكة العذوبة، فهو يتجاوز حدود مكان النفوس إلى عالم أكثر علواً واتساعاً، عالم يتفتح بزهر المحبة، مبتعدا عن صِراط القسوة والألم، أرواحنا تنتشي عادة بالحنين لرياح الحب، وبعيدا عن ثقافة استهلاك الحب، في ظل فقر مدقع لنفوس حط عليها غبار الروتين، ممكن أن أصف الحب كوحدة متكاملة بأنه (كإنتاج فيلم وليس لقطة) ولا يعني الحب في نظري أن أسهر ك قديس، ولكنه يجعلني أرتدي في الصيف نسرين اصفر، وفي الشتاء فرو ناصع البياض، بعض القلوب تختار أن تعيش في قلب الاستواء، وبعضها الآخر يختار أن يعيش في أقصى الشمال بثلجه وبرده القاتل.

ولكن: هل معنى هذا أن تتربص قلوبنا بكل شخص يمر بها؟ (كما كان دور هنري فورد في اكتشاف وتطوير السيارة مساهمة ابتكارية محضة، أي تبني فنون الإنتاج الكبير التي سهلت إنتاج السيارة بتكلفة منخفضة) لماذا لا يكون لنا اكتشاف لتطوير علاقتنا الداخلية النفسية لتستوعب الحب بكل صوره، حب الوالدين، حب الأزواج، حب الأبناء، وحب الأصدقاء، لماذا لا نتبنى فنون إنتاج الحب مثل ما فعل فورد في اكتشافه؟ باعتقادي أن الإنسان أسهل تطويعا وتعاملا من الآلة، وتعجبني مقولة لعالم الاقتصاد كينز صاحب نظرية الادخار: (إن للأفكار نتائج وتأثيرا على مجريات الأمور في عالم الواقع، كذلك تتأثر الأفكار بدورها أيضا بالتجارب التي حدثت في هذا العالم).

إذن تغيير الأفكار حل، وفكرتنا عن الموجودات لابد من تطويرها فلو نظرنا إلى موضوعنا هنا " الحب" بطريقة أخرى وبفكرة أخرى بتفاعل أكثر مرونة مع الواقع، فنحن لا نحتاج أن نعلن وفاة الحب، بل نحتاج إلى عقد إشهار لمشاعرنا الجميلة الفياضة بشجن الراحة والهدوء.

يُقال إن (الاختراعات هامة ولكن بدون التجديد والابتكار تعتبر أفكارا تنتظر الاستخدام) والحب هام جدا، وبدون تفعيل الحب بالسلوك يصبح بلا جدوى.

وأرفض التعامل مع الحب ك(عملة موحدة) أو بطريقة ارتباطيه كالأطفال، أي بطريقة حب المنح أعطيني واحبك، وبحياد دافئ، سوف أخبركم أنني أحيانا أكتب مثل هذه الخربشات لأحمي نفسي من صدمات إضافية تمنحها لي السيدة الجميلة المدعوة (الحياة).

zienab777@yahoo.com الرياض

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة