Culture Magazine Monday  09/02/2009 G Issue 270
فضاءات
الأثنين 14 ,صفر 1430   العدد  270
أيها الرائع الجميل
فهد ردة الحارثي

 

عندما تشاهده للمرة الأولى تتوقف أمام هذا التكوين العجيب طول فارع ووضوح كامل في كل تفاصيل والملامح الخاصة به، يشدك منظره منذ لحظة اللقاء الأول بين الشكل الكامل الوضوح، ثم المضمون الكامل الوضوح، وعندما تجلس معه تتناقش تتحاور تصنع قنطرة من الكلمات بينك وبينه يزيد اكتشاف هذا الكائن المبدع بداخله رؤيته الواضحة للأشياء، فلسفة دقيقة للأمور، خبرة عريضة في العمل في كافة تفاصيل المسرح والسينما والتلفزيون، إنه المبدع التونسي جمال المداني.

كنت قد التقيت جمال للمرة الأولى في إحدى دورات مهرجان قرطاج المسرحي هالني طوله الفارع في ذات المساء شاهدته في عرض مسرحي كان يتعملق على خشبة المسرحي، استمرت علاقتي بجمال كمتلقي عبر مشاهداتي له في المسرح والسينما والتلفزيون، كان ينطلق من نجاح إلى نجاح، في مهرجان المسرح الأردني كانت اللقاء الحواري الأول مع جمال بدأ وقتها صامتاً متأملاً مستمعاً، ثم كان اللقاء الثاني معه في مدينة حمام سوسة التونسية كان وقتها يكرم من قبل جمعية المسرح العربي عرفت وقتها أي عصفور يسكن هذا العملاق، قلت لجمال أين تجد نفسك بعد كل هذه التجارب في المسرح والتلفزيون والسينما قال دون تردد في المسرح لقد عملت في كل أجزائه وأعرف كل تفاصيله، ومن الغريب أن جمال كان (موظب ركح) في الأعمال المسرحية وهو عمل يقتضي أن يحضر صاحبه قبل العرض المسرحي بساعات كي يتفحص كل متطلبات العمل ويجهزها لطاقم العمل حتى ينجزوا عملهم براحة ودون وجود منغصات ذات يوم عبر جمال خشبة المسرح يتفقدها وشاهده المخرج المبدع الفاضل الجعايبي فقرر على الفور أن يكتشف هذا الجمال في جمال، وكان أن أصبح جمال المداني أحد أهم الأسماء التي تعمل في مجال الدراما، كان الحديث يلتهمنا كل يوم ونحن نحتسي القهوة حول بناء الشخصية ولعب الممثل مع الشخصية وخلفها وأمامها ومخادعته له ومخاتلتها له، وتدافقها نحوه وتدفقه نحوها قال لي جمال: إنه لا يؤمن بتلبس الشخصية للممثل وإنه كان يدرس بناء الشخصية وكافة النقاط والتقاطعات معاها لكنه يظل في حالة لعب متواصل معها لا يدعها ترتاح ولا تدعه يرتاح كلاهما يعيش حالة من القلق المستمر، استفزاز دائم ومشاغبات لا تنتهي، الشخصية لا تسكن له ولا يسكن لها كلاهما في حالة صراع مستمر من أجل أن يسيطر أحدهما على الآخر..

قلت بصدق ماالذي يقلقك الآن يا جمال؟

قال: لم أعد أشعر بالخوف، لقد تمكنت من اللعبة بشكل بات يزعجني لذلك قررت أن أتوقف.

لا يمكن أن ألعب دون خوف، دون قلق، يجب أن أراجع نفسي، هنالك خطأ في أمر ما، دون خوف لن تدرس كل الجزئيات، لن تتوضح أمامك الحقائق، لن تستمتع وأنت ترتعش قبل أن تلتقي الجمهور بصدق لقد فقدت متعتي ولذلك يجب أن أراجع نفسي، لماذا لم أعد أقلق، لماذا اختفى خوفي وقلقي وارتعاشاتي هذا السكون يقتل في داخلك المبدع ولذلك يجب أن تتخلص منه من أجل تقدم شيئاً يرضى عنك وترضى عنه. هذا هو المبدع الحقيقي وليس كما يتصوره البعض من ثماثيل المسرح التي تخشبت عند حدود الدمية المسرحية.

الطائف

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة