Culture Magazine Monday  09/02/2009 G Issue 270
فضاءات
الأثنين 14 ,صفر 1430   العدد  270
رفيف
الشعر بوصفه نوعاً من الفقد
د. فاطمة عبدالله الوهيبي

 

يقول الشاعر خير منصور:

(كتبت ثلاث قصائد في ليلة واحدة

لم أدن مني

شممت على حافة الليل نعناعة يانعة

نبأتني:

بأني أجدف في بركة راكدة).

ويقول الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد:

نقول شيئًا وندري في طويتنا           أنا عثرنا وأن القول لم يقل

هذه الحالة التي تمثل نوعًا من خيبة الأمل بين ما يريد الشاعر قوله وبين ما يقوله شعره بالفعل نوع من الإخفاق والفقد تناوله كثير من الشعراء قديمًا وحديثًا شرقًا وغربًا. وهذا الإحباط هو جزء من سلسلة آلام يعانيها الشاعر أثناء تأليف القول الشعري، وهذا هو ما سماه (إيليوت) (الآلام التي تصحب عملية تحويل الدم إلى حبر).

وهذه الأقوال تضرب في منطقة السؤال أين يكمن الفن؟ وكيف يمكن تحويل التجربة إلى فن حقيقي؟ وهو ما جعل الشعراء وكبار النقاد والدارسين لعملية الخيال والخلق الشعري يؤكدون أن الفن ليس هو الحياة كما تعاش فعلاً، ولكنها الحياة وقد خلقت من جديد، وبُعثت من خلال التذكر والتأمل ومن ثم التأليف والتنظيم في نسق عضوي يُخضع الانفعالات والتعدد والتشظي في الحياة إلى وحدة ونظام يولد من قلب الفوضى والشتات.

ولقد بذل (كولردج) جهدًا مهمًا بوصفه شاعرًا وبوصفه أحد كبار المنظرين لنظرية الخيال والخلق الشعري في إبراز أهمية الاتحاد بين الأضداد والصهر بين المتفرقات والمتنافرات وذلك من خلال إيضاحه للفرق بين البنية الميكانيكية والبنية العضوية لعمل كل من الخيال الأولي والخيال الثانوي.

ولكن مع كل ذلك فإن ثمة إحساسًا يرافق الشعراء، ولا يستطيعون التحرر منه دائمًا وهو أن النص الماثل أقل بكثير مما يشعرون به: ف (شلي) القائل: (إن العقل عند الخلق الفني يصبح فحمة خامدة، وإن الإلهام نفسه يأخذ في الزوال حالما تبدأ عملية النظم، وإن الشعر مهما بلغ من مراتب الجودة فإنه ليس إلا ظلاً باهتًا لإحساس الشاعر الأول) - يدلل على أنه يهتم بالإحساس أكثر من التشكيل. وكثير من الشعراء كما ترى (اليزابيث درو): (لا يرون في عملية التأليف فقدًا, وإنما يعتبرونها كشفًا جديدًا، ولا يرون فيها محض إنتاج وأهم مكان المادة المتخيلة، وإنما يرونها خلقًا لحياة جديدة لم تكن من قبل. (الشعر كيف نفهمه ونتذوقه، اليزابيث درو ص 28 .

وفي نقدنا العربي القديم وقفات مهمة لامست هذه الفكرة، وقد تناول النقد العربي القديم خلق القصيدة وبناءها، وكان حازمًا القرطاجني قد تناول مسألة الخلق و البناء هذه، ولامس هذه قضية العاطفة ومساءلة علاقتها بالواقع الشعوري للشاعر وبالواقع الفني للتقاليد والسنن الشعرية, وسك حولها مصطلحًا مهمًا هو (قوة التشبه)، وقد تناولته بالدراسة في بحث مستقل، ويضيق المجال هنا عن عرضه، وما الإشارة المقتضبة إلى النقد العربي القديم هنا إلا لزيادة التأكيد بأن هذه الشكوى من قبل الشعراء متواترة شرقًا وغربًا، قديمًا وحديثًا، وأن المسألة علميًا ونقديًا وتنظيرًا ودراسة أيضًا واجهها القدماء والمحدثون، وحاولوا طرح رؤاهم حولها: وهذا ما يدل على حيوية الفكرة وضراوة وقعها على الشعراء وإلحاحها كذلك على النقاد.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتبة«7845» ثم أرسلها إلى الكود 82244

الرياض

 Rafef_fa@maktoob.com


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة