Culture Magazine Monday  09/02/2009 G Issue 270
فضاءات
الأثنين 14 ,صفر 1430   العدد  270
سهرة مع مُلحد سعودي سابق
من قلق عبدالله القصيمي إلى طمأنينة ابن تيمية
محمد عبدالله الهويمل

 

اليوم: الجمعة 27 - 1 - 1430هـ

الوقت: من 6 مساءً إلى ما بعد منتصف الليل.

المكان: منزلي في حيّ الربيع (شمال الرياض).

الشِاب (..........) يدلف إلى منزل ويستقر قبالتي على الأريكة حاملاً ملفاً يستبطن فصلاً أو شطراً من فصل كتاب يزمع تأليفه لرصد تجربة استثنائية خطرة بل أشبه بحلم سوريالي زاخر بشخوص وأشباح تؤدي جميعها أدوار ثانوية وصاخبة.

أثناء المهاتفة الأولى أدركت المدى القصيّ والطموح الجامح لهذا الشاب في الإفصاح البليغ عن هاجس ملغوم وتعريه ضمير قلق لا قرار له إلاّ بفضحه تحت الشمس.

لم امنحه فرصة صياغة مقدمة سرد تجربته لأربع أو خمس سنوات خَلََتْ بل بادرته بأسئلة هامشية وربما غبيّة لا تمت لقلقه أو هاجسه بصلة عمدت فيها تذويب الثلج أو تعطير الجو وبدا لي لاحقاً أن هذا الشاب ينطوي في شخصه على أريحية ومرونة جذابة وإنسانية لا تحتاج إلى هكذا تكلف ما وطّد لي سبيل الخوض المباشر على شكل حوار صحفي غير مرتب أشبه بدردشة على رصيف عامرٍ بالمشاة.

يفتتح الشاب (........) تاريخه القلق أو ما سماه ب(عذابات ملحد سعودي) - بالشك الطفولي أو التلاميذي الذي يعتور الإدراك ويخلّف ثقوباً تبقى فاغرةً أو يتم ردمها بالتجاهل أو الجهل أو الزجر الاجتماعي الذي لا يحسن التفاعل مع هذه الأسئلة والذي يمثل محور (القضاء والقدر) واجهته وبوابته الأوسع ويُعزى هذا إلى أن (القضاء والقدر) على صلة عضوية بالحساسية القلبية والمشترك الإنساني والعُمْري والعاطفي الذي يلّح على مساءلة قيم العدالة والخير والحق وطابور المفاهيم ذات الصلة بالمحور الأكبر الشاغل لعقول الفلاسفة وأعني التجاذبان المضطربة حول (العدل الإلهي) وعبقرية تفسيره كانت على منأى من كثير مِنْ مَنْ يتصدون لرعاية العقول الناشئة والتعاطي الإيجابي مع هذه الأسئلة الشكية وإعادة إنتاجها لتتحول لحظة الشك إلى حالة إيمانية إنتاجية مكتملة وليس زجر الأسئلة وإماطتها عن الطريق بوصفتها أذىً.

يروي ضيفي جدله صغيراً مع أستاذ مادة التربية الإسلامية وانتهى الجدل بأن نهره أستاذه واتهمه بإثارة شبهة بين زملائه ذوي العقول الغَضّة وما درى هذا المدرس أن هؤلاء الطلاب سيتحولون يوماً إلى جيش من الأسئلة يتصدى لها بكل كفاءة واقتدار علماء وعباقرة أفذاذ احترقت قرائحهم العلمية في سبيل دحض هذه الشُّبه.

خرج الشاب من قاعة الدرس باحثاً عن الإجابة بعد أن فشلت مرجعية أو ما نصنّفها على أنها مرجعية أفضى به البحث إلى مسافة وفضاء بعيد عن الرقيب المدرسي والاجتماعي.. العالم الحر (الإنترنت) واندمج سؤاله ضمن (جروب) الأسئلة المدرسية التي تستمتع بطرح السؤال وتجد فيه شخصيتها وتخشى من الإجابة لأنها تلغي هذه الشخصية أما صاحبنا فكان جاداً وصادقاً في البحث على خلاف الكثير من أعضاء آل (جروب) وما يبرهن هو أنه لم ينعم بمطعم أو مشرب أو ملبس أو مركب حتى يتحقق الشرط غير العارض للّذة العارضة وعندها تندرج شخصية صاحبنا في شخصية إبراهيم عليه السلام ساعة يتلمس اللذة غير العارضة قائلاً: (لئن لم يهدني ربي لأكونّنّ من القوم الضالين) حيث إن توتر النبي إبراهيم عليه السلام من إدراجه ضمن لائحة (قوم) هو ذاته قلق هذا الشاب من إدراجه ضمن قطيع (جروب) ويلتقيان معاً ضد إغراءات تتواطأ عليها ثقافة اللذة الجمعية والتي تخدر وتثبط من استنفار طرف احتجاجي على أسئلة لا ترحب بالإجابة.

يصف الملحد سابقاً احتفائية استقباله في بعض المنتديات الليبرالية لضمه رقماً جديداً أو بالتعبير التراثي (تكثير السواد) حيث لم يبرح هذا الشاب مطارحة السؤال بالسؤال في منتديات الكسل الذهني والإجابة المدرسية وتفادي صُداع الإيمان ثم يصل هذا الشاب الإبراهيمي تفتيشه الدؤوب عن الإجابة حيث يصطدم بالفجأة الأم وهو أن الإجابة لم تكن تستدعي غباء حمل سراح الظهيرة للبحث تحت النهار الفاضح عن إجابة سمينة بحجم الأرض ساعة يقرر هذه الثنائيات التي يضجّ بها هذا الكون (ليل - نهار) (شمس -قمر) (حياة - موت) (ذكر - أنثى) (بداية - نهاية) (جوع - شبع) (عطش - ريّ).... تسن قانوناً مُسلّماً لثنائية (سؤال - إجابة) وأنهما بحجم واحد وينطويان على القدر المتماثل من الفجائية والحسم واللذة يؤكدها الشاب العائد لحظة يُفصح أنه فتح صفحة جديدة مع متعة الحياة ابتدرها بشراء سيارة جديدة أنيقة بعد أن تصالحت اللذة الطارئة وغير الطارئة في تكامل طبيعي ومعجز وانغمس في متعة لا يحاصرها الحذر ولا تشاغبهما أسئلة الجزء الغبيّ من العقل وانتهى إلى أن القدر هو سر الله كما يقول الإمام علي بن أبي طالب والتعامل مع هذا السر وفهمه يشترط وضعه في السياق الإعجازي الكلي لإبداعات الخالق إضافة إلى بحث مستفيض ونزيه بأدوات حرّة لعباقرة الفكر الشرعي الإسلامي وهو ما فعله صديقنا حيث اتجه إليهم وتحديداً ابن تيمية حيث انتشر اسمه على لسان هذا الشاب وهو يعيش الذهول بعد أن أنفق شطراً من حياته في قراءة كتب عبدالله القصيمي لتسمين أسئلته وإضفاء صخب يملأ مساحة السؤال والجواب معاً ليجد سلواه بعد أن عزّت الإجابات.

نجم سهرتي يُعّد لكتاب اعترافات وسيقدم له أحد المشاهير المعروفين بمعالجة هذه الظواهر ولمزيد من التفاصيل ترقبوا صدور هذا الكتاب.. وعوداً حميداً أيها الإبراهيمي العائد إلى الإيمان ولذة الطعام والشراب والحياة.

الرياض

 hm32@hotmail.com


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة