Culture Magazine Monday  09/02/2009 G Issue 270
فضاءات
الأثنين 14 ,صفر 1430   العدد  270
حكي مكتوب
مسرحية الليل والنهار
زكريا تامر

 

قال لي ناقد مسرحي اشتهر بصدقه: هل أحدثك عن أمتع وألذ مسرحية شاهدتها في حياتي؟

فطلبت منه أن يلخص لي وقائعها بغير إسهاب، فوافق، وقال: ترتفع الستارة عن عشرين راقصة جميلة.

فقلت له مقاطعاً باشمئزاز وحنق: ولماذا الراقصات؟

قال: لأن الراقصات قادرات على التحرك بسهولة وليونة وهنّ يقارعن الاستعمار وأعوان الاستعمار بوصفهن التعبير الفصيح عن الأزمات الاقتصادية الحتمية التي تعصف بالمجتمعات الرأسمالية.

قلت: لقد نجحت في إثارة فضولي، فهيّا تابع تلخيصك للمسرحية.

قال: ترتفع الستارة كما قلت عن راقصات بلا راقصين، يمشين على خشبة المسرح بوقار وجلال، ويتحلقن حول حلة ضخمة ملأى بلحوم خراف رضيعة وأرز مطهو بالسمن العربي الأصلي مشدودات القامات، مرفوعات الرؤوس، ويرددن كلّ ما في العالم الثالث من أناشيد حماسية، فتهيمن المشاعر الوطنية على المشاهدين، ويصبح كلّ واحد منهم مستعداً وحده لدحر جيش كامل من الأعداء، عندئذ تبدأ الراقصات بتوزيع الصحون الملأى بالأرز واللحم على المشاهدين، وبحركات بالغة الروعة تذكر بلورنس أوليفيه وأورسون ويلز ويوسف وهبي وأمينة رزق.

قلت: هذا شيء خيالي.

قال: وحين يشبع المشاهدون وتمتلئ بطونهم إلى حد الانفجار، تسدل الستارة معلنة انتهاء المسرحية.

قلت: ألا يوجد حوار في المسرحية؟

قال: ولماذا الحوار ما دامت المسرحية كلّها أفعالاً؟

قلت: قد تكون هذه المسرحية نافعة ومسلية غير أنها ليست هادفة، ولا ارتباط لها بمشكلات واقعنا المتخلف.

فقال لي الناقد المسرحي بصوت مغتاظ صارم: بل هي هادفة إلى أقصى حد، فهي تصور المرأة كارهة للحكي الفارغ، وتعالج مشكلة تخلفنا معالجة جذرية، وتتولى تغذية الجسم وتقويته كي يمتلك فيما بعد العقل السليم القادر على تحريرنا من التخلف.

فوعدت الناقد المسرحي بأني سأحاول مشاهدة المسرحية غير آبه لأيّة عواقب، وصافحته مودعاً وشاكراً، ولكني تنبهت فيما بعد إلى أني أخطأت خطأً فادحاً عندما لم أستوضحه عن الأمر المهم الآتي: هل تقدم الراقصات الملاعق للمشاهدين أم يجلبها المشاهدون معهم من بيوتهم؟

لندن

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة