Culture Magazine Monday  09/02/2009 G Issue 270
أوراق
الأثنين 14 ,صفر 1430   العدد  270
مسافرة بدون حقيبة
فريال الحور

 

كل شيء يخبرني أني في سفر، ولكني لست أدري هل هو سفر من الزمان، أم هو سفر إليه؟ بئس مسافرة لا تعلم من أين تسافر، أو إلى أين، فالمحطة تشدني إلى أحضانها الدافئة، والقطار في عبابه يشحذني، إنما تبقى ناظرتي مشدودة إلى حيث ما هي في كياني باقية.

وهل أنا مسافرة عما في رياضه غرست ورود أشواقي، أم أن سفري إلى غاية تلك الأشواق، لست أدري، لكن جمهرة الأشواق في ساحة كياني تخبرني بما يحزن..؟

- أغريبة أنا تقصد موطنها، أم أنني بائسة تطلب الغربة هرباً من عذابها..؟ ويأتيني الجواب من صومعة ذاتي قائلاً: لست أدري.

- غريبة أنا، مسافرة دون حقيبة سفر وبلا علم وبلا إذن بذلك السفر، ومن يسافر إلى ما لا يدري من غير أن يدري، ولا يملك إلا أن يقول لست أدري. لكن حقائب المسافرين تخبرني أني في سفر، فيتجمهر في ذاتي الألم.

- كيف أنسى أني مسافرة، مع أني محشورة في قطار المسافرين، وهل في الوجود من ينسى أنه مسافر غيري، إن لم يكن مثلي ناسياً ذاته وماهيته...؟

في الحق أقول: لست أدري.

- جلست أرقب من نافذة القطار المطلة، كنت أرى كل ما حولي في سفر، وكنت أرى الكل في ذلك الاتجاه يسافر، وكأن الكون كله يسافر، وهل أنا منه ذرة عاشقة لكون أنا ذاهبة في كيانه وكأنه ذاهب في كياني إليه. وكلنا في قطار واحد وفي ذات الاتجاه نسافر إلى غاية واحدة، بل كأننا ننشد واحدا وأن الذي ننشده هو منا ينشدنا.

- ما أن سمعت هاتفاً يقول: السفر حرية الالتزام. حتى عدت إلى نافذتي المطلة لأنظر وأتأمل، وقد كان همي أن أبحث عن الإنسان أولاً، هذا بعد أن تبددت تلك السحب العمياء عن بصيرتي لأجده منسياً في ثياب المسافرين الأنيقة وقد تآكل من عفونة النسيان، لكنه لم يزال إنسان. كما أن حقيبتي وجدتها ليست بعيدة عن مقعدي، حمداً لله وجدتها مع أنها فارغة، لقد نهب الزمن كل ما فيها.

ابتسمت... وإنما يبتسم الخاسر في صروف الدهر، الرابح في قيمة العطاء والمنتصر في محكمة الضمير. لكن بقي ذاك السؤال في داخلي يلح: إلى أين أنت مسافر أيها الضمير.. لما رحلت عن السواد الأعظم من الناس..؟


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة