Culture Magazine Monday  09/02/2009 G Issue 270
أقواس
الأثنين 14 ,صفر 1430   العدد  270
جائزة الملك فيصل العالمية..
شكراً للمانح.... ولـ(المانع)
د.عثمان بن عبدالعزيز الربيعة

 

تعلو القيمة الحقيقية لأي جائزة بتفاعل عناصرها الثلاثة:

الأول: الهيئة التي تمنح الجائزة.

الثاني: العمل الذي من أجله تمنح الجائزة.

الثالث: الشخص الذي تمنح له الجائزة.

ولعمري إن الجائزة التي كرّم بها الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن ناصر المانع ليرفعها إلى أوج العلوّ أي عنصر من هذه العناصر على انفراد- فكيف بها وقد اجتمعت؟

فالهيئة التي منحت الجائزة هي فرع من مؤسسة الملك فيصل الخيرية التي أنشأها أبناء الفيصل لتخليد ذكراه بالأعمال الجليلة، ومنها إنشاء الجامعات ومراكز البحوث، ومنها كذلك إكرام العلماء الذين أبدعوا علماً ينتفع به بمنحهم هذه الجائزة التي اكتسبت شهرة عالمية وفاز بها علماء أفذاذ خدموا العلم وخدموا البشرية ونال البعض منهم- فيما بعد- جائزة نوبل.

أما العمل الذي مُنحت من أجله الجائز فموضوعه الأدب العربي، وتحديداً في مجال تحقيق التراث الأدبي الذي خلفه لنا الأقدمون خلال الفترة الممتدة من سنة 300 إلى سنة 700 من الهجرة. ومثل هذا العمل يتطلب دقة وأمانة علمية متناهية وجلداً على البحث والقراءة واقتناعاً بفائدة الموضوع وقيمته. فليس من السهل أن تجلو أثراً أدبياً مضى على إنشائه قرون عدة، لتجعل منه مادة ناصعة قريبة للفهم سائغة للقراءة. لكن العائد من وراء ذلك يستحق العناء. فإنه جهد يصل الحاضر بالماضي ويوقظ الذاكرة الحضارية ويقوي روح الانتماء الثقافي. ويكفي أنه تناول من بين ما تناول من موضوعات بعضاً مما صنف عن شاعر ملهم ملأ الدنيا وشغل الناس بشوارد اللغة التي طوعها لشعره وهو أبو الطيب المتنبي.

وأما الشخص الذي مُنحت له الجائزة عن جدارة واستحقاق فهو من أبناء منطقة الوشم التي سبق أن أضاءت أفقنا الثقافي والأدبي بمصابيح مثل الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- والأديب عبدالكريم الجهيمان والشاعر سعد البواردي. إنه الأستاذ الأكاديمي والعالم البحاثة الدكتور عبدالعزيز بن ناصر المانع الذي غاص في أعماق التراث الأدبي باحثاً ومنقباً عن كنوزه دونما اعتبار لوقت يمضيه، أو مشقة تعتريه، أو مسافات يقطعها. فكان يدقق فيما يجده ويحقق ما يراه جديراً بالتحقيق، ويصحح أغلاط من سبقوه إلى التحقيق في جرأة علمية صارمة.

ولقد عرفته -بحكم قرب الجوار- منذ أن كان أستاذاً عاملاً بالجامعة ثم بعد أن تقاعد، فلم ألحظ ما يدل على أنه تقاعد حقيقة، إذ ظل كما كان: ذلك المتفاني في بحثه، المتبحر في علمه.

ولكنه أبقى في نفسي شيئاً من العجب والتساؤل: إذا كان لدينا علماء من مختلف الحقول مثل هذا العالم، قادرون على العطاء العلمي والفكري والمهني في فترة تقاعدهم، كما كانوا في فترة عملهم- فلماذا لا نوسع دائرة الانتفاع بعلمهم في الجامعات أو في الهيئات الحكومية أو في المؤسسات الخاصة، فنستعين بمشورتهم وخبرتهم بصورة منظمة ومهنية، في أمور كثيرة نلجأ عندها -في العادة- إلى الاستعانة بالخبراء والعلماء الأجانب عن طريق بيوت الخبرة أو الشركات الاستشارية أو الهيئات الدولية، لا سيما أن مثل هؤلاء العلماء الوطنيين ليسوا مكبلين بالواجبات اليومية المتعددة للوظيفة، بل يمكنهم التفرغ لأداء المهمات المحددة التي يستعان بهم لأدائها.

إن الاستعانة بهؤلاء العلماء تبررها الحاجة إليهم وليس تكريمهم أو مجاملتهم، فهذا شيء آخر.

ذلك أن العلم الذي ينتفع به عمل لا ينقطع أبداً.

الرياض

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة