Culture Magazine Thursday  04/06/2009 G Issue 286
مداخلات
الخميس 11 ,جمادى الآخر 1430   العدد  286
هل يدرك هؤلاء قيمة الكتاب؟

 

تمر بنا كثير من المواقف الغريبة العجيبة، بعضها نأخذ منه عبرة ونستفيد منه، وبعضها الآخر نستغرب له، ونستغرب ممن يدفعنا بفعله إلى الاستغراب، فهناك الكثير من الناس على مختلف فئاتهم وأعمارهم، لا يحبون شيئاً اسمه القراءة، بل البعض يفتخر بذلك معتبراً فعل القراءة، عملاً مملاً، وتافهاً ولا فائدة منه، وسبباً من أسباب الضيق ومضيعة للوقت، مثل هؤلاء الناس، يجدون متعتهم في أشياء كثيرة ما عدا القراءة التي يجهلون كنوزها المتعددة ونفائسها المختلفة، وما يمكن أن يحصلوا عليه من ثروة كبيرة بسببها، والجميع من محبي أو مدمني القراءة، أو هذه الهواية يدرك ما أقصده بهذه الثروة.. إنها ثروة اللغة.. بكل ما تحمل من معاني عديدة وأوجه كثيرة، وثروة المتعة بكل أنواعها، وثروة المعرفة بجميع أشكالها إلى غير ذلك من كنوز القراءة التي تفتح مدارك العقل، وتطلق عقد اللسان، وتشحذ الفكر، وتغني العقل بكل ما هو مفيد وجميل ومريح للنفس.

القراءة عالم فريد في نوعه، لا يمل السفر إليه، ولا يتعب المسافر، ولا يكلف من المال الكثير، بل إنه يعود منه بجواهر كثيرة وبمبالغ قليلة.. دون أن يتعرض لأدنى خطر في سفره وأثناء عودته.

في زمن مضى كنا نبحث عن الكتاب بشتى السبل، فلم تكن هناك مكتبات كثيرة، ولم تكن هناك مكتبات تبيع كتبا، غير القليل البعيد، فقد كانت مكتبات أدوات مدرسية، ورغم ذلك كنا نشعر بفرح غامر حينما نرى كتاباً أو نستعير كتاباً أو مجلة فقط لنسافر بين صفحاتها.. أما الآن في هذا العصر الذي امتلأت فيه المكتبات واكتظت فيها بأرفف الكتب، لم يعد الوقت كافياً لنقرأ فيه ما نريد بسبب مشاغل الحياة وارتباطات العمل الكثيرة، لأننا رغم ذلك نحب القراءة ونبحث عن الوقت لكي نقرأ، كما أننا نحب الكتاب ونعتز به كثيراً، ونفرح ونعتز به أكثر عندما يصلنا كهدية من صديقة ما أو كاتب أو كاتبة، نحاول أن نحافظ عليه بعد قراءته، فيظل لدينا محفوظاً على أرفف مكتبتنا طوال حياتنا، وإذا استعرنا كتاباً ما، حرصنا على إعادته إلى مصدره سواء من مكتبة أو صديقة أو قريب.. لمعرفتنا بقيمته الحقيقية، ولحرصنا أيضاً على أداء الأمانة عند الاستعارة، لكن هناك أخذه من صديق، فتضيع الكثير من الكتب التي يكون بعضها قليلا ونادرا، ما يعرض المسؤول عن الاستعارة إلى الحرج، أما الصديق فيتعرض للألم والأسف لضياع كتابه مما يدفع البعض لعدم إعارة كتبه لأحد، كنوع من المحافظة على كتبه، وقد ذكرني خبر إعادة سيدة من ولاية فرجينيا الأمريكية كتاباً استعارته قبل أكثر من 30 عاماً بعد أن بقي لديها 31 عاماً مع شيك بقيمة 25 دولارا ورسالة اعتذار قالت فيها (أشعر بإحراج كبير، فتحت الكتاب مؤخراً واكتشفت أنه لكم وليس لي، أعبر عن اعتذاري عن التأخير، هذا الموقف الغريب الجميل يجعلنا ندرك أن من يدرك قيمة الكتاب وقيمة القراءة وفائدتها، عملي بين آلاف الكتب مررت بمواقف غريبة من بعض المستعيرين لهذه الكتب، فبعضهن لا تحرص على الاهتمام بالكتاب بعد استعارته، من ناحية الاهتمام بنظافته وعدم الكتابة فيه، والحرص على إعادته بعد الوقت المحدد، وبعض الشخصيات مع الأسف الشديد لا تهتم بالكتاب، حتى لو حصلت عليه عن طريق الإهداء، فتجدها في أقرب فرصة تسرع للتخلص منه، عند الانتقال من منزل إلى آخر، أو عند تغيير المنزل، أو للبحث عن فكرة جادة للتخلص من الكتب، فنجدها تقدم على إفراغ مكتبة المنزل بما فيها من كتب نفيسة ومهمة سواء تعود لها وقد حصلت على بعضها عن طريق الإهداء، أو تخص زوجها أو أبناءها أو الجميع معاً، غير مدركة لقيمة هذه الثروة وحاجة أفراد عائلتها لها في وقت، وقد يكون عملها غير مقنع لزوجها وأبنائها، المهم أنها تخلصت من عبء كان يثقل كاهلها، فالفترة التي وضعت فيها هذه المكتبة وسعت لإثرائها بمختلف الكتب كانت بالنسبة لها فترة كان البعض يعتقد أن وجود المكتبة في المنزل من مكملات الديكور ومظاهر التطور، وأن وجود المكتبة في زمن التقنيات الجديدة والنت لم تعد مهمة! بالنسبة لها، شيء مؤسف جداً أن يفكر الإنسان المتعلم أن وجود المكتبة في المنزل نوع من الديكور فقط، والعقول في الفترة أشد ما تكون بحاجة إلى صقل وتنوير وفهم لكل ما هو موجود في هذا العالم الغريب.

بهية عبدالرحمن بوسبيت - الأحساء amel_m@gawab.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة