Culture Magazine Monday  31/03/2008 G Issue 241
فضاءات
الأثنين 23 ,ربيع الاول 1429   العدد  241
 

واقع التنمية الثقافية في دول مجلس التعاون
د . أحمد عبد الملك

 

 

أحدثت الطفرة النفطية التي غمرت دول الخليج العربية منذ أكثر من ثلاثين عاماً تغيّرات هامة ومؤثرة في البنى التحتية لهذه الدول في مختلف المجالات. وتفاوتت سياسات الإنفاق على المشروعات الحيوية في كل دولة حسب احتياجاتها أو ما تعتقده من أولويات احتياجاتها. فصار أن خصصت ميزانيات ضخمة للتسلح، وكذلك لشق الطرق الطويلة، وكذلك الإنفاق على الرياضة بشكل ملحوظ، وكذلك التعليم والبحث العلمي! ولكن الثقافة ظلت (لقيطة) وحيدة ضمن هذا الاهتمام الكبير في مجالات التنمية الأخرى.

وظلت هذه (اللقيطة) تنتظر مسؤولاً مثقفاً يتبناها ويرعاها ويدافع عنها بكل صدق في دوائر القرار السياسي، فنجدها تتموسق حيناً وتنتعش، بوجود هذا المثقف الحاني، ولكنها تعود إلى تسولها ويأسها ورثاثة أعطافها عندما يتم تعيين مسؤول سياسي لا تكون الثقافة ضمن اهتماماته الأساسية، وقد لا يقرأ كتاباً في العام!

وكان من سوء طالع الثقافة أنها ولدت على طاولة اليتم، فكانت دوماً تُلحق بوزارات أهم، مثل الإعلام أو التعليم، فسرقت هاتان الأخيرتان الأضواء عن الثقافة، بل (مصّت) من أوردتها الدم الذي تخصصه الدولة لمشروعات الثقافة. وجاء وقت آخر خصصت للثقافة مجالس أو هيئات وطنية لم تكن تستوعب الفكر الثقافي بشكله الشمولي، ولم تستطع وضع سياسات ثقافية - ضمن الإطار الأشمل للتنمية الشاملة- وهذا ما أدى إلى هشاشة عظام الثقافة وسهولة تكسيرها عند الحاجة. وكان من أسباب عدم وضع تلك السياسات، عدم وضوح الرؤية الثقافية في أذهان أصحاب القرار - الذين لهم اهتمامات أكبر من الثقافة - حول ماهية الثقافة ودورها المستحق في المجتمع. فلاحظنا - في بعض الدول - تركيزاً واضحاً على التراث بأشكاله القولية والحركية والإنتاجية! بينما تم تغيّب التفكير الثقافي المتعمق والخلاق، وغابت مع ذلك أدواته ومخرجاته. فحصل نوع من التغافل عن الرواية أو المسرح او القصة القصيرة ردحاً من الزمن! كما ظهر (نهم) واضح في الأغنية أو الفلكلور. وهذا ما أوجد ثقافة (المناسبات) التي هي الأخرى نتاج غياب السياسات الواضحة أو الاهتمام بوضع سياسات ثقافية تساهم في التنمية الشاملة في هذه الدول.

ولقد ساهم الإعلام مساهمة سلبية في عضد التنمية الثقافية! حيث ركّز هذا الإعلام - في حالات معينة - على الملامح الاستهلاكية للثقافة، وحصر هذه الأخيرة في الفلكلور فقط! وهذا ما أدى إلى (تجزئة) بنى الثقافة، وهذا عزز الوجود الرسمي المناسباتي الذي اعتمد على (هالات) الإعلان الرخيص للوقائع الثقافية تمثل في حفلات (قص) الأشرطة و(زفة) المسؤول من قبل موظفي العلاقات العامة، وتخصيص مجلات مكلفة لهذه النوعية من الاستقبالات والمناسبات، في الوقت الذي لا يتم الاهتمام المرجو في الإصدارات الرصينة، أو تحديث المسارح، أو التصالح مع المفكرين والمبدعين الذين لهم رؤى وطنية مخلصة للإرتقاء بالثقافة المحلية.

وأشاع هذا المناخ ثقافة الاستهلاك والتمظهر! وأقعد - المثقفين الرسميين - في المقاعد الأولى في المناسبات والحفلات، وأبعد المثقفين المتعاملين مع الثقافة الذين لهم إبداعات واضحة في مسيرة الثقافة - إلى الكراسي الخلفية أو خارج المشهد الثقافي.

وللأسف - ودون تعميم - فإن أغلب القائمين على الشأن الثقافي في دول مجلس التعاون هم نتاج التعيين الرسمي، الذي - في حالات عديدة - لا يكونون موفقين أو قادرين على احتضان الثقافة الجادة والشاملة، قدر احاطتهم بنمط ثقافي معين ومحدد ومحاولة فرضه كواقع حال ثقافي على الجمهور.

وساهم هذا المناخ أيضاً في تواري الرؤى الثقافية الجادة وعدم الأخذ بأفكار المثقفين الجادين - الذين تم إقصاؤهم من المركز إلى الهامش - ونشطت في المقابل إدارات الثقافة في قضايا المشاركات الخارجية والسعي وراء بدلات السفر والرحلات وغيرها!

وفي المحصلة، وبعد ثلاثين عاماً أو أكثر من الإنفاق والميزانيات التي خصصت للثقافة، وجدت هذه الدول نفسها أمام حقائق لا يصعب التقاطها في المشهد الثقافي وهي:

1- عدم وجود بنى تحتية ثقافية، مثل المسارح المؤهلة للعروض الجيدة، أو صالات الفنون التشكيلية المناسبة، أو مقار الندوات الفكرية، أو أماكن العروض الشعبية وغيرها.

2- تقليدية الأفكار وتكرارها - نظراً لنمط التفكير السائد - في المهرجانات والتظاهرات الثقافية، وعدم الاهتمام بتطوير الأنماط التراثية التقليدية، واستبعاد الدراسات الجادة في هذا المجال.

3- شيوع ظاهرة الثقافة القشورية التي لا تؤسس لتنمية ثقافية جادة، والركون - في أغلب الأحيان - إلى الجانب الشفاهي والفلكلوري في تلك التظاهرات.

4- وجود هوةٍ بين المثقف - صاحب الفكر المستنير والواقعي والمستقل - وهيئات ومجالس الثقافة، وهذا يأتي ضمن الإطار أو (المزاج) العام للعلاقة المرتبكة بين المثقف والسلطة! وهذا مبحث كبير يتقاطع مع اتجاهات سلبية بين الطرفين، كأن يمنع نشر كتاب لهذا المبدع او ذاك عن طريق هيئة الثقافة، أو أن يحاصر المبدع إعلامياً ويحظر ظهوره في الإعلام الرسمي أو الأهلي، وتلك تصرفات واتجاهات تساهم في تشويه الصورة الحقيقة للمشهد الثقافي.

5- ضبابية لجان النشر، وشيوع المحاباة - في حالات معينة - في طباعة أو اقتناء الكتب. ولقد حدثت قبل فترة (فضيحة) ثقافية في إحدى دول الخليج تمثلت في طباعة كتابين - لنمط إبداعي معين - بمبلغ 230 ألف دولار! نتيجة صلات قرابة بين صاحب الكتابين وأحد المسؤولين عن النشر. في الوقت الذي يتم الاعتذار عن طباعة كتب فكرية قيمة!

6- عدم وجود ترابط أو أنساق للعمل المشترك بين هيئات الثقافة والهيئات والوزارات الأخرى - التي تساهم في التنمية البشرية - مثل وزارة التربية والتعليم ووزارة الإعلام أو هيئة الإعلام!

7- نظراً لعدم وجود رؤية شاملة للعمل الثقافي، نجد أن الاهتمام ينصبّ على مهرجان واحد في العام، تُحشر فيه الفعاليات الثقافية خلال أسبوعين أو أقل، وتبقى تلك الهيئات في بيات صيفي قد تتخلله ندوة يتيمة أو معرض تشكيلي.

8- تكّدس موظفي وموظفات هيئات الثقافة ووزاراتها دون أن يكون لهم دور أو حتى اهتمام شخصي بالثقافة! وهذا يهدر الإمكانيات، بل ويتسبب في تعطيل الأفكار النيّرة والمشروعات الخلاقة التي تحتاجها هذه الهيئات، وذلك بسبب انهماك المسؤول في حلّ الخلافات التي تنشب بين هذه النوعية من موظفي الثقافة أو توقيع معاملات السفر أو الإجازات أو فترة الحمل والأمومة والرضاعة بالنسبة للنساء العاملات في هذا المجال. ولعلنا لا نشيع خبراً أن أحد كبار المسؤولين في مؤسسة الثقافة - في بلد خليجي - قد تعجّب يوماً من تكرار وقوف سيارة مطعم معين أمام المؤسسة، ولما سأل عن ذلك، قيل له إن النساء العاملات في الهيئة - ويتواجدن في مكان مخصص للنساء - يطلبن يومياً الفطور من ذلك المطعم!؟ هل يحتاج الأمر إلى تعليق!؟

9- عدم التفاعل مع الهيئات الدولية التي تعنى بالثقافة، مثل اليونسكو، وعدم الاستفادة من البرامج الخاصة بالتنمية الثقافية التي تطرحها هذه الهيئات، وكذلك فرص التدريب وورش العمل التي تستفيد منها الدول العربية الأخرى، علماً بأن دول مجلس التعاون هي التي تدفع أنصبتها بانتظام في هذه المؤسسات! وهذا راجع إلى انهماك المسؤول عن الثقافة في تسيير شؤون هيئته وعدم وجود طاقم مؤهل في مكتبه لمتابعة تلك الأمور، والأنكى إن كان الطاقم من غير المواطنين!

10- تغيّب الثقافة الجادة في وسائل الإعلام! وهذا يتسبب في إيجاد أو تخليق جمهور استهلاكي، يلهث وراء الأغاني الهابطة أو الشعر الممجوج أو محطات ال(F.M.) التي تروج فقط للأغاني؛ وبعضها هابط جداً، وبرامج المنوعات التي (تسلع) المرأة ولا تطرح قضايا الأمة بصورة عاقلة. والشيء ذاته ينطبق على الصحافة المكتوبة، حيث يسيطر ذوقُ وتوجهات المشرف على الصفحة الثقافية! بل إن مثل هذه الصفحات - في حالات معينة- تركز على الإنتاج الثقافي الخارجي وما ترسله مكاتب الجريدة من الخارج، فيجد المشرف على الصفحة مادة جاهزة يضعها في الصفحة دون أن يجهد نفسه في حضور الفعاليات والمناسبات الثقافية! وهذا مخالف لقواعد النشر بل وأخلاقيات مهنة الصحافية؛ إذ لا بد وأن تكون المادة الثقافية شاملة ومتنوعة وتغطي جميع الأطياف مع عدم إهمال الحراك الثقافي المحلي.

11- الإنغلاق على الثقافة المحلية ورموزها القولية والفلكلورية بشكل خاص، وعدم الاهتمام بالترجمة أو اللغات أو الفنون الأخرى، أو النقل من الثقافات الأخرى. وهذا يحصر المتلقي في دائرة ضيقة مكررة ومملة.

12- عدم الاهتمام بالتكنولوجيا الحديثة في التنمية الثقافية. وتردد القائمين على الشأن الثقافي - في العديد من الهيئات - في التعامل مع التكنولوجيا، ذلك أن النظرة ما زالت فلكلورية للثقافة! بل إن هنالك من المسؤولين التنفيذيين الذين لا يعرفون ما هي شبكة الإنترنت!

13- عدم تضمين الثقافة كمنهج في التعليم، واقتصار ذلك على قصائد أو ملامح فلكلورية عن الحياة الشعبية في بعض الكتب المحدودة في بعض المدارس.

نحن نعتقد أن الوقت قد حان - لدول مجلس التعاون - أن تبادر أولاً إلى وضع سياسات ثقافية محددة المعالم وتلبي احتياجات التنمية في هذه البلدان التي لدى بعضها خطط طموحة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية. ذلك أن التغيّرات الديموغرافية وعوامل الهجرة الأجنبية والإغراءات الاستهلاكية و(الاستلاب) الثقافي آخذة في الازدياد، خصوصاً في ظل تراجع عادة القراءة أو حضور المسارح والندوات، بفعل شراسة تكنولوجيا الاتصال وإغراءاتها، وأهمها التلفزيون والإنترنت، ومن دون وضع تلك السياسات، ووضع تنفيذيين مؤهلين عليها، فإن دول مجلس التعاون سوف تظل تعاني المعضلات نفسها التي تجعل من الثقافة زاداً استهلاكياً رخيصاً وغير مؤثر!

-قطر hamsalkhafi@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة