Culture Magazine Monday  26/05/2008 G Issue 249
فضاءات
الأثنين 21 ,جمادى الاولى 1429   العدد  249
 
نهاية رمزية الزعيم

 

 

حسن إغلان

اهتم الإعلام الفرنسي بهذا الموضوع - مؤخراً - عبر تسليط الضوء على المسارات التي فتحها ساركوزي، ليس فقط على مستوى أموره الشخصية، بل في السلوكيات الجديدة التي أدخلها إلى قصر الإليزيه. لقد ساهم في هذا النقاش مجموعة من المفكرين والمهتمين حول رمزية الرئيس باعتباره نموذجاً ومثلاً وأباً رمزياً لكل الفرنسيين. صحيح أننا لا نريد فتح هذا الباب بمفتاح فرنسي بقدر ما نطرحه في سياقه المغربي بربطه بالإكراهات العالمية. لا أحد منا يستطيع غض الطرف عن المشروع الأمريكي الجديد بكونه مشروعاً يدشن عالماً جديداً تبتدئ ديباجته بنهايات: (نهاية التاريخ)، (نهاية الأيديولوجيا)، (نهاية القيم الوطنية)..

هنا يبدو لنا ربط العنوان بهذا المشروع المدمر، ذلك أن رمزية الزعيم أضحت اليوم تدخل ضمن سِيَر التاريخ ونوادره، فحتى وإن لم تستطع المجتمعات والجماعات إقصاء وقتل الزعيم - الرمز، فإن أمريكا تقوم بهذا الفعل، لننتبه إلى صورتين تتكرران في الإعلام الرقمي، صورة تدمير تمثال الرئيس صدام حسين وصورة اعتقاله وإعدامه. قد تكون هذه الصور في مجملها لعبة استعارية، تخفي أكثر مما تظهر، وتظهر في حجاب الصورة لتقول إن الصورة الأولى هي تكرار للصورة الثالثة كأن تدمير التمثال هو نسخ للإعدام، كأن الفعل ذاك قُدِّمَ داخل قاعة المسرح؛ فالتشابه كبير بين الصورتين، لكن الصورة الثانية هي نوع من أشكال إخضاع الزعيم للإذلال والضعف. لنترك هذه الصور لجاذبية متخيل قارئها، ولنرَ صورة أخرى لأحد كبار القرن الماضي (ياسر عرفات)، حيث يبدو في الصورة ضعيفاً قريباً من الموت عبر انتظاره. انتظار العودة إلى أرضه. هل انتهينا فعلاً من هذه الصور في تناسلها الرمزي والتاريخي، أم أن العالم الآن لم يعد في حاجة إلى رموزه؟ أم أن المسألة تعود بالأساس إلى إحساسنا باليُتْمِ حين فقداننا للآباء الرمزيين. ولنتأمل جنازة الفقيد عبدالرحيم بوعبيد والمضاعفات التي تركتها. بنفس الشكل يمكن العودة إلى صورة صدام حسين وعرفات، مع وضع الاختلافات الكبيرة في تركيب كل صورة على حدة. أليس اليتم متاهة غير مضمونة النتائج، لا ندعي رثاء الزعيم أو البحث عنه بقدر ما يهم الكيفية التي وجدت الجماعات الصغيرة والكبيرة نفسها في عزل الزعيم أو قتله، لا للتماهي معه بتوليد الاستيهامات ونشرها أو إخفائها ولا حتى في البحث عن تكرار الصورة ببعدها الرمزي والنفسي. بعدان يضعان اليتم في تقليب مواجعه.

صحيح أننا كعرب ننتمي إلى ما يمكن تسميته بالثقافة الإبراهيمية كثقافة يشكل فيها الابن الأضحية الأساسية لإعلان الاستمرار وإفادة التكرار.

ولأن الأمر كذلك، فالزعيم عندنا يظل كذلك إلى حدود موته، والخضوع له خضوعاً من المريد للشيخ. وإن كان تمرد الابن على الأب - الزعيم عقوقاً يفضي إلى الطرد أو الإقصاء أو الموت. لكننا في بعض الأحيان نجد التمرد يدخل في لعبه الاستعارية أبعاداً أخرى يتم بمقتضاها إبعاد الزعيم نفسه أو إقصاؤه، وهي مسألة أضحت معتادة في الزمن العربي عامة والمغربي خاصة، وهي بالمجمل تعيد للتكرار معقوليته ومنطقه المتحكم في تركيباتنا الذهنية. لكن في المقابل لِمَ لا يكون القتل أوديبياً أي لا يكون قتل الأب - الزعيم بمنطق الحداثة أي منطق مؤسس على مشروعية الابن في تحمل رمزية الأب. إنّ هذا التقابل أصعب من الصور التي وزعها الإعلام الأمريكي.

لا نريد هنا ركوب مخاطرة التأويلات الممكنة بقدر ما نضع صورة الزعيم اليوم في عالم جديد لم يعد مرغوباً فيه، عالم افتراضي؛ لذا سيبحث الكثيرون عن زعيم مفترض، يعيش في كهف أو على قمة جبل أو يسكن لحيته. وإن كنا نجزم بتوالد هذا الشكل الجديد في مساحات جديدة؛ فالزعيم يفترض نفسه، في هذا السياق، وفق بنيات مركبة، يحمل فيها الجوع مصباح نار، لا ليضيء طريقه بل لإحراق ما تبقى.

ها هنا تتصارع الصور بين صورة ساركوزي المفروضة في بنية المتخيل الفرنسي، فيما يموت الزعيم العربي إما بموت قدري أو اغتيال أو إعدام... لتظهر صور أخرى غير مرئية بوضوح، صور تختفي وتظهر في أرخبيلات مرصعة بتوابل الماضي القديم. لكن من حقنا أن نعيد السؤال إلى بدايته: هل فعلاً انتهينا من ثقافة الزعيم بكل ما تحمله من رمزيات واستيهامات، أم أننا اليوم نستطيع فَهم المرحلة الجديدة فيما...... كأن قدرنا يكمن في يُتْمنا لكوننا نعيش بين تأرجح هش أي بين اللغة ومكر استعاراتها. فماذا تبقى لنا اليوم من خطابات الأب الودود؟ ربما لا شيء! ربما استطعنا إعادة قتله حين انتهينا من مراسيم العزاء، كأننا لا نستطيع الاندماج في المؤسسات، وحتى إن انخرطنا فيها، على مستوى الخطاب، فسرعان ما نعيد تركيبتها بأمزجة البعض منا، ها نحن نقتل الزعيم أو أنه يُقْتل أمامنا. ولا نستطيع بالكاد الحفاظ على الصور والذكريات. كم هو صعب هذا الزعيم أو ذاك؟

وكم هو صعب الارتماء في أحضانه؟ كم هو صعب اليتم المتأخر؟ وكم هو صعب وضع الزعيم في صلب سؤال المرحلة...؟

- المغرب


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة