Culture Magazine Monday  25/02/2008 G Issue 235
فضاءات
الأثنين 18 ,صفر 1429   العدد  235
 

في ذكرى رحيل الأشقر
عبدالرحمن مجيد الربيعي

 

 

لا يدري المرء كيف تجري به السنوات وبهذه العجالة المفرطة، أقول هذا بعد أن قرأت عدداً من المقالات في الصحافة اللبنانية عن الذكرى الخامسة عشرة لرحيل الروائي اللبناني الرائد يوسف حبشي الأشقر.

لقد التقيت به للمرة الأخيرة في بغداد قبيل مغادرتي لها باتجاه تونس التي مرت عليها 18 سنة، هكذا الزمن، يجري بنا، ونجري به، ولكن لا أحد يسأل: إلى أين؟

قرأت لهذا الروائي الفذ روايته (أربع أفراس حمر) في بداية الستينات بعد أن رشحها لي أكثر من صديق ممن أطمئن إلى ذائقتهم، وكنا وقت ذاك نتبادل الكتب الجديدة بالقراءة. وقد كانت قراءتي لها اكتشافاً دفع بي إلى البحث عن كتاباته الأخرى والبحث كذلك عن جديده. قرأت له (المظلة وهاجس الملك) ثم (لا تنبت جذور في السماء)، وأشير إلى أن روايتيه (أربع أفراس حمر) و(لا تنبت جذور في السماء) هما من الروايات الكبيرة الحجم في الأدب العربي.

كانت أعماله إضافة أساسية للكتابة الروائية العربية، ولكنه لم ينل الاهتمام الجدير به، وجرى التركيز على أسماء أخرى، وظلت مكانته لبنانية إلا لدى من قرأه وانتبه إلى أعماله.

هنا أذكر أنني في كل الحوارات المكتوبة والمذاعة كنت أنوّه بهذه التجربة المهمة وأدعو من لم يقرأه إلى قراءته، لكن من يبحث عنه لا يجده، فكتبه صدرت في طبعة واحدة وقد نفدت في وقتها.

وعندما انتقلت للعمل في لبنان كان هو وتوفيق يوسف عواد من بين الأسماء التي حرصت على التعرف عليها، وكان عواد قد أنهى عمله الدبلوماسي بعد بلوغه من التقاعد حيث عمل سفيراً لبلده في عدد من بلدان العالم.

وعلمت من الصديق الشاعر هنري زغيب أن الأشقر انسحب من الحياة اليومية للبنان المتحارب إلى قريته (كفر ملات) في (بيت شباب) وأنه لا يغادر هذه القرية إلا نادراً، هو فيها معتزل، معتكف، كما كان يشكو من بعض أمراض الشيخوخة.

وقد اتفقنا على زيارته وقصدناه أنا والصديق زغيب، وكان اللقاء الأول مؤثراً، ولم يتوقع أنه كان مقروءاً من قبل الروائيين العراقيين لا بل إنهم كانوا يعتبرونه أحد معلميهم.

كان قصيراً وممتلئاً وبطيء الحركة، وكان يحب أن يتكئ على مرفقه ويتمدد قليلاً وحوله مجموعة علب من الأدوية كان يسميها (عقاقيري).

وعندما رأيته ربطت بين إيقاعه الحياتي والإيقاع البطيء لرواياته الذي جعلها صعبة القراءة لا تقدم ما فيها بسهولة.

هو بتعبير آخر كاتب صعب، كأنه يكتب لنفسه أو لنخبة محددة، وحدها تعرف مفاتيح عالمه الروائي ومراجع شخصياته التي تحدث عنها.

وقد تكررت زياراتي له، وصرنا أصدقاء بعد أن قرأ لي هو الآخر، وقد حدثني وقتها أنه يكتب في رواية طويلة يقدم فيها احتجاجه على ما كان يجري في بلده من احتراب. وعندما نقلت له رغبة محبيه في العراق بأن يزورهم ما داموا هم غير قادرين على زيارته وبينهم أصدقاء له من اللبنانيين المقيمين في العراق أمثال عوني الديري الروائي والمترجم، وسلمته دعوة مكتوبة قبيل عودتي إلى بغداد ووعدني بأنه سيلبي هذه الدعوة، ولن يذهب إلى أي مكان بعد امتناعه عن السفر قبل أن يزور بغداد.

وهكذا فاجأنا بزيارته ومعه نسخ من روايته الجديدة (الظل والصدى) التي كان يكتب فيها عندما غادرت لبنان. وهناك احتفينا به وفق الإمكانات المتاحة وزار معالم وأماكن كان يحب زيارتها في بغداد، ثم عاد إلى لبنان، وغادرت أنا إلى تونس حتى قرأت نعيه في الصحافة اللبنانية، فبادرت بالكتابة عنه في إحدى الصحف التونسية لا أتذكر إن كانت (الشروق) أم (الصحافة)؟

تأثرت جداً، ولكن الأعزاء كانوا يغادروننا تباعاً حتى أن المرء أصبح يخشى الكتابة عنهم فقد يتحول إلى نادب وأحياناً أعجز شخصياً عن رثاء أقرب الناس لي مثل صديق عمري الفنان والشاعر والكاتب المسرحي عزيز عبد الصاحب، فماذا أقول، وكل ما أقوله لا يفي، ولا يسبر حياة كاملة من الحلم والإحباط؟

في الذكرى الخامسة عشرة لرحيل هذا الروائي المميز لا نملك إلا أن ندعو أصدقاءه في لبنان بأن يعيدوا طبع أعماله عن دار نشر معروفة لتوصلها إلى القراء والدارسين في البلدان العربية. وهذا أجمل عمل تجاهه في ذكراه.

*****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7902» ثم أرسلها إلى الكود 82244

- تونس


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة