Culture Magazine Monday  23/06/2008 G Issue 253
نصوص
الأثنين 19 ,جمادى الثانية 1429   العدد  253
 
قصة قصيرة
كائن منزوع الحزن.. خالٍ من الشجن
عامر ملكاوي

 

 

كعادتي، عندما أدخل مرحلة العزاء الفاحش، ألملم فتات الحزن، لأمشي في حضرتي على أرصفة العبور.

أيقظني العيد مبكراً هذا الصباح، ليخبرني أني اليوم وحيد هنا، لا يتقاسم صمت المكان معي أحد.

شعور خانق ذلك الذي يجتاحك أوج احتفال الآخرين، حين تجدك تغنم بطبق من شجن بعد صيام دهر عن فرح.

أتأهب مستعداً لرحلة أنتعل فيها الضجر، صحبة الأزقة والحارات، علها تفشي لي ببعض أسرار السعادة، أو لعلها تشي بسعادة الآخرين، عكس ما اعتدت، تعمدت هذه المرة أن أسير في طرقات ومحال بعيدة عن مسكن حزني، كي أستجمع مزيداً من مساحات الفراغ، تمهيداً لملئها بحزن أكبر.

أثناء مروري بأحد الأحياء الباذخة السكون، استوقفني ما يشبه مجمعاً سكنياً يغلب عليه طابع الثراء، توقفت قليلاً، أتمعن ما أراه لأول مرة منذ أربع سنوات -مضت على مجيئي إلى هنا- في حي هو في مرمى قدمي، تفصلني عنه شوارع النسيان.

قررت أن أقوم بدورة تقصي حول هذا الشيء -لطالما استوقفني الصمت دائماً- لأعرف لاحقاً أنه معقل للحزن.

أطفال لا بعمر الزهور، بل بعمر الذبول، يقتعدون أرض حديقة شاحبة، وآخرون يفترشون الصمت على مقاعد الخطيئة، كان مشهد يبعث على اليتم. استأنفت السير بأرجل الفضول ليتعثر بصري أخيراً بجدار كتب عليه بخط كاذب (دار البر) لأعرف لاحقاً أنها دار الألم المر، فلا أوجع من أن تكون لقيطاً يوم عيد.

في هذه اللحظة اجتاحتني رغبة عارمة بالبكاء، شعرت بأنني بحاجة لأن أحزن.

(فكم جميل أن يكون لك الحق في أن تحزن).

اليوم فقط عرفت معنى أن تحزن:

(أن تحزن يعني أن تتذكر).

يالفجيعة هؤلاء الصغار، فهم بلا ذاكرة.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة